أثار قرار موافقة وزير التعليم العالي الجديد، نعيم العبودي، على افتتاح كلّيات طب أهلية جديدة جدلًا واسعًا في الأوساط المختصة. حيث أنّ القرار تضمن أيضًا خفض معدلات القبول في المجموعة الطبية في الكلّيات الأهلية إلى 89 بالمئة، في وقت لم تستقبل الجامعات الحكومية معدلات أقل من 98% لنفس الاختصاصات.
تحدّث العديد من المختصين عن خطورة في زيادة الكليات الطبية الأهلية
وفي خضم هذا الجدل، قررت نقابة أطباء الأسنان عدم قبول انتماء خريجي 26 كلّيات أهلية لقسم طب الأسنان، فيما حذرت نقابة الأطباء من توجه الحكومة الجديدة لافتتاح كليات الطب العام الأهلية خشية تخريج أطباء غير كفوئين، حسب قولهم.
نقيب الأطباء جاسم العزاوي، يقول في تصريح تابعه "ألترا عراق"، إنّ "هناك خطورة كبيرة في زيادة الكليات الطبية الأهلية، لأنها قد تخرج أطباء غير كفوئين، وزيادة هذه الكليات ربما سيكون وباء على العراق والعراقيين بشكل كبير".
ويضيف العزاوي أنّ "المشكلة تتمثل بأن هذه الكليات سوف تخرج أكثر من 65 ألف طالب وطالبة من كليات طب الأسنان وأكثر من 65 ألفًا من كليات الصيدلة الأهلية، بينما حاجة العراق الفعلية هي فقط 16 ألفًا، خصوصًا أن هؤلاء لن يجدوا أي فرص عمل في اختصاصهم، ولهذا سيعملون في أعمال تجلب لهم الرزق كحال أي مواطن لا يجد فرصة عمل في اختصاصه".
ومع ازدياد الغضب جراء هذا القرار، يؤكد وزير التعليم نعيم العبودي في بيان رسمي، أنّ "وزارته تعاملت بشأن هذا القرار وفقًا لرؤية قانونية ومهنية مع ملف استحداث الطب في كليتي الكفيل والعين ودققت كامل التفاصيل والمستلزمات المطلوبة في ضوء المعايير العلمية المعتمدة ورأي وزارتي الصحة والتخطيط ومسار الإجراءات التي بدأت بطلب التأسيس منذ عامين".
تحديات التعليم الأهلي
أحمد رشدي، أستاذ المناعة في كلية الطب يقول بهذا الشأن، إنّ "التعليم الأهلي يعتبر أهم معالم التعليم الحديث كونه يدفع نحو تطوير أساليب التعليم في البلدان، كون القطاع الأهلي يمكن أن يوفر إمكانيات عالية المستوى".
وفي حديث لـ"ألترا عراق"، يشير رشدي إلى أنّ "هناك اهتمامًا كبيرًا في العراق على استحداث كليات طب الأسنان والصيدلة، كونه يوفر العوائد المادية الكبيرة للمستثمرين في الكليات الأهلية"، مبينًا أنّ "الواقع التعليمي الأهلي في هذا المجال لم يدرس بشكل صحيح، خصوصًا مع مطالب نقابتي الأسنان والصيدلة بعدم استحداث المزيد من الكليات لارتفاع أعداد المتخرجين".
ووفقًا لحديث الأكاديمي، فإن افتتاح المزيد من الكليات الأهلية سبب إرباكا كبيرًا في ثلاثة جوانب وهي:
- أولًا: التعليم الصحي الخاص بطب الأسنان والصيدلة أصبح بلا رقابة وسيطرة تعليمية
- ثانيًا: الخريجون غير قادرين على ممارسة المهنة مما يسبب أخطاء طبية عديدة
- ثالثًا: هبوط كبير في المستوى التعليمي للكليات الأهلية (الصيدلة وطب الأسنان)
لكنّ هناك نقص كبير بأعداد الأطباء في العراق والكليات الأهلية قد تعالج هذه المسألة، بجسب رشيدي الذي يؤكد أيضًا أنّ "القطاع الأهلي يمكنه تحسين مستوى التعليم في الطب البشري من خلال برنامج التوأمة مع الجامعات الحكومية".
ولفت رشدي إلى أنّ "استحداث كليات طب أهلية في العراق لا يخضع لمعايير عالمية والتي تنص على ربط الكلية بمستشفى تعليمي ليخرج الطبيب بكفاءة عالية، فيما يشير الأكاديمي إلى أنّ "المساوئ الأخرى التي تعترض الكليات الأهلية هي الكوادر التعليمية حيث أنّ العراق يعاني أساسًا من نقص كبير في هذا الجانب".
والنظام التقاعدي المدني في البلاد كان وراء أزمة قلة الكوادر التعليمية المتمرسة كون أن الحد الأعلى للأساتذة هو الـ 60 عامًا، وبالتالي أنّ العراق خسر ثلث هذه الكوادر، الأمر الذي يتزامن مع عدم وجود فرص توظيف جديدة في هذا القطاع، وفقًا لحديث الأكاديمي في هذا المجال.
وختم رشيدي حديثه بالقول إنّ "هناك تساؤلات تطرح بشأن المناهج التعليمية التي سيتم تدريسها في الكليات الأهلية وعلى أساس أي منهاج تعليمي دولي ستسير عليه هذه الكليات".
وزير التخطيط السابق خالد بتال، قال العام الماضي، إنّ التعليم الجامعي الحكومي لم يعد قادرًا على استيعاب الطلبة المتخرجين من الدراسة الإعدادية، حيث تتضاعف أعدادهم كل عام، كاشفًا في ذات الوقت أنّ حصة التعليم الجامعي الأهلي بلغت حوالي 30 بالمئة من الطلبة المقبولين سنويًا، والهدف هو رفع هذه النسبة إلى 50 بالمئة.
ووفقًا للبيانات فإنّ العراق يملك 20 كلية طب حكومية بينها 6 كليات في العاصمة بغداد، في حين بلغ عدد الجامعات الأهلية 66 كلية، ما أثار الغضب هو التخوف من تخرج الآلاف من الطلبة دون فرصة عمل.
تعليم ربحي
أستاذ في كلية الطب بجامعة بغداد، رفض ذكر اسمه لأسباب متعلقة بوظيفته، يقول إنّ "الكليات الأهلية في العراق باتت ربحية فقط، وأغلبها تابعة للجهات السياسية وهي تهتم بالعوائد المادية".
ويتابع الأستاذ الأكاديمي، خلال حديثه لـ"الترا عراق"، قائلاً إنّ "الطبقة السياسية ستعمل بكل قوتها للسيطرة على القطاع التعليمي الأهلي كونه يوفر أرباحًا خيالية"، موضحًا أنّ "استحداث كليات الطب البشري سيزيد من الكارثة التي يعاني منها القطاع الصحي في البلاد كون المتخرجين لا يملكون أي مقومات ليكونوا أطباء على اعتبار أن التعليم الأهلي اثبت فشله بشكل علني وواضح".
ويفتقر القطاع التعليمي في العراق إلى دراسة حقيقية، وفقًا للأكاديمي الذي يرى أنّ "ما يحدث حاليًا فوضى قد تذهب بالتعليم إلى موقف لا نحسد عليه وهو عدم الاعتراف عالميًا بأي كلية في العراق، داعيًا إلى "تشكيل لجنة لتدقيق ملف منح الإيجازات للكليات الأهلية وإحالتهم إلى القضاء".
ويستطرد الأكاديمي، قائلًا إن "طلبة الكليات الأهلية في طبيعة الحال لا يضعون التعليم في حسبانهم كونهم موقنون بأنهم سيعبرون مراحلهم الدراسية مما قد تطبق هذه الرؤية حتى في الكليات التي تدرس الطب سواءً طب عام أو طب أسنان أو حتى الصيدلة".
سيكون عدد الأطباء في العراق بعد 5 سنوات أكثر من 95 ألف طبيب
وحول توجه الوزارة الأخير، هاجم النائب السابق جواد الموسوي، قرار وزارة التعليم العالي والبحث العالمي باستحداث 3 كليات طب عام أهلية، واصفًا إياه بـ"اليوم الأسود" من تاريخ التعليم في العراق، مشيرًا إلى أنّ "العراق لديه 36 كلية طب عام حاليًا وهي أكثر من كليات الطب العام في بريطانيا، وفي عام 2027 سيكون عدد الأطباء في العراق أكثر من 95 ألف طبيب".