30-أغسطس-2019

لا تحتل معضلة البيئية الأولويات في البلاد ويعد الحديث فيها نوعًا من "الترف" (Getty)

الحضارة البشرية هشة للغاية، فهي تشبه القلعة التي بنيت في الرمال. يمر البشر الآن في مرحلة الانقراض الجماعي السادس، بمعدل وصل إلى 10 آلاف مرة أسرع مما هو طبيعي، ومع انقراض ما يصل إلى 200 نوع من البكتيريا البيئية النافعة كل يوم، إزالة الغابات العظيمة، تلوث الهواء، فقدان الحشرات والحياة البرية، وتحمض الأنهار، فإن كوارث بيئية يتم تسريعها بطريقة عيشنا الحالية.

تجولت المدن في العراق إلى ما يشبه "جزر حرارية" غير قابلة للعيش في ظل الاكتظاظ السكاني وفقدان المساحات الخضراء

على مستوى البلاد، أدى التطور الحضري والانتشار العمراني إلى تزايد الطلب على الأراضي للاستخدامات التجارية والسكنية على حساب المساحات الخضراء، والتي تقلصت إلى أدنى حد في العاصمة بغداد وغيرها، لتتحول إلى ما يشبه جزيرة حرارية كبيرة غير قابله للعيش. فاقم هذه الأزمة التزايد السكاني والامتداد الأفقي للمدن، فضلًا عن موجات النزوح وظهور العشوائيات بمشاكلها غير المحدودة، مع  ارتفاع أسعار الأراضي في ضواحي المدن، والذي أدى إلى تنافس غير عادل بين استخدامات الأرض على حساب الترويح.

اقرأ/ي أيضًا: قصّة من تحت جبال النفايات في بغداد: قنابل وأخطار وآلاف الدولارات!

يرى مختصون في التخطيط المدني، ضرورة إعداد مخططات هيكلية للمدن وما يحيط بها، يتم من خلالها تحديد اتجاه التوسع، بما يحافظ على التصاميم الأساسية، والحفاظ كذلك على الحد الأدنى من المعايير البيئية المناسبة للعيش فيها، عن طريق توفير النباتات المحسنة التي تناسب مع ظروف المدينة واستصلاح الأراضي، وتوفير التقنيات الحديثة التي توفر مياه الري للنباتات كالمياه الجوفية.

لكن ما يجري في أغلب المدن لا يمت بصلة إلى مثل هذا النوع من التخطيط الاستراتيجي، حيث يؤكد مسؤولون، أن عمليات التجريف العشوائي للأشجار والنخيل في مختلف المدن، كان سببًا في فقدان جزء كبير من الحزام الأخضر الذي كان يغلفها ويحميها من العواصف الترابية التي تهب على مدار السنين، إضافة إلى النشاطات التجارية والاقتصادية، والتي كان لها عظيم الأثر في تحويل البيئات الخضراء إلى مناطق تجارية وسكنية.

لا تحتل هذه المعضلة على أهميتها الكبيرة وتأثيرها المباشر على حياة المواطنين، أولويات المسؤولين الذي تعاقبوا منذ 2003، حيث تعد من الترف، في ظل أزمة الخدمات والمشاكل التي تواجهها البلاد على المستويين الداخلي والخارجي، كما أن الحدائق والمتنزهات لا تدخل ضمن حسابات المستثمرين التي تهدف إلى الربح في ظل ضعف الرقابة، حيث أدى غياب أماكن ترفيه تناسب عدد السكان، إلى تكتل واكتظاظ دائم في مدن ومناطق محددة.

حول ظاهرة تحويل المساحات الخضراء إلى عقارات تجارية من قبل الدولة، اتهم النائب عن تيار الحكمة سالم الطفيلي، أمينة بغداد ذكرى علوش، بـ "العجز عن إيقاف الجهات المتنفذة التي تمارس مثل تلك النشاطات". كانت وزارة الصحة والبيئة، قد أطلقت تحذيرات متكررة من مخاطر تجريف بساتين النخيل والغابات وتعريض التنوع الإحيائي في العراق للتدمير، في ظل مطالبات بتفعيل القوانين الرادعة، للحفاظ على هذه الأراضي.

تقول المهندسة ليندا الدوري في حديث لـ "ألترا عراق"، إن "من أهم أسباب التصحر وانعدام المساحات الخضراء، هي سوء التخطيط الحضري وعدم مراعاة الذوق العام، فالعوائل العراقية تقوم بإلغاء حديقة المنزل وبناء وحدات سكنية صغيرة لضمان بقاء الأبناء ضمن دائرة العائلة، خاصة مع تقاعس الحكومة عن توزيع الأراضي أو بناء المجمعات السكنية بصورة عمودية لتقليل الاكتظاظ السكاني".

اقرأ/ي أيضًا: "الوحش الأسود" يخنق بغداد بـ"رائحة الفساد".. سيارات حكومية وأياد مجهولة!

بدوره، يؤكد الباحث والمختص في مجال توليد الطاقة النظيفة، ضرغام صباح، أن "التلوث البيئي داخل المدن السكنية يحدث بصورة يومية، من خلال عمليات حرق النفايات البلاستيكية والتي تؤدي إلى تحلل المواد السامة إلى عناصرها الأولية، وانتشارها على شكل غازات سامة في ألهواء، فضلًا عن ملوثات المصانع وعمليات حرق النفايات الأخرى، وغياب عمليات إعادة تدويرها أو تخصيص أماكن مناسبة لإتلافها وطمرها على أقل تقدير".

يحذر مختصون من تأثيرات المخالفات البيئية على حياة المواطنين مقترحين فرض عقوبات رادعة واتخاذ تدابير للحفاظ على البيئة 

يبين المختص بالشأن البيئي، أن "عمليات الحرق المستمرة، تؤدي إلى انتشار تراكمات المواد المحروقة على النباتات، وبالتالي دخولها عمليات البناء الضوء لأوراق النباتات لتنتج ثمار تحتوي على مواد سامة، وهذا يشمل الخضروات التي تزرع داخل المدن بأنواعه".

حول الحلول، يقترح مختصون، تفعيل قانون الغرامات المالية للحد من عمليات الحرق غير المصرح بها داخل المناطق السكنية، مع تغطية آليات وزارة البلديات كافة المناطق داخل المدن للحد من تكدس النفايات وبصورة يومية، إضافة إلى إعطاء تراخيص للشركات الزراعية للعمل على التخلص من النباتات المدمرة للتربة وللبكتيريا النافعة داخل التربة مثل نباتات "الكابرس"، والاستعاضة عنها بنبات "الكالبتوس" ذي التأثير الايجابي على بيئة المدن والتربة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حي المعامل في بغداد.. نفايات الفساد تأكل وجه الحياة