تُعرف الصحافة بأنها مهنة صعبة جدًا وشيقة جدًا في ذات الوقت، خاصة في البلدان التي تكاد تنعدم فيها حرية الرأي والتعبير، أو تلك التي تريد فيها الحكومات ديمقراطية على مقاسها، كما في العراق حيث يُعتقل صحافي لتنبيهه مؤسسة أمنية على خطأ املائي، أو اتهام آخر بـ "الإرهاب" لنقله صورة من واقع مدينته التي تنعدم فيها الخدمات.
تعرض إعلامي في الديوانية إلى حملة تشهير وتهديدات بعد تقرير متلفز كشف عن واقع الخدمات في المحافظة، فيما طالب الشرطة بحماية عائلته تحسبًا لأي اعتداء قد يطالها
وهو ما جرى في الديوانية حين نقل الإعلامي زيد الفتلاوي وفريقه في تقرير تلفزيوني غرق الأهالي في عمارات النسيج بمحافظة بسبب مياه الأمطار وطفح المياه الآسنة، التي باتت تشكل رعبًا لأغلب أحياء المدينة التي تنعدم فيها أبسط مقومات الحياة، وتحدث عن تلكؤ الحكومة المحلية في تقديم الخدمات وتطوير البنى التحتية في الديوانية.
اقرأ/ي أيضًا: حظر "المساس بالرموز".. مقدمة لقمع الرأي العام العراقي
تعرض الفتلاوي بعد ذلك إلى اتهامات وتهديد في حملة قادتها وسائل إعلام وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ترتبط بالمحافظ سامي الحسناوي، وصلت إلى اتهامه بـ "العمالة والإرهاب" والتلويح بالتصفية الجسدية، فيما قام مسؤول الإعلام الخاص للمحافظ الديوانية خالد التميم، بتصوير ذات المواطن الذي تحدث في تقرير الفتلاوي عن سوء الخدمات بعد بات منزله مسرحًا للمياه الأمطار والمجاري، وهو يتهم المحطة التلفزيوينة التي عرضت التقرير بـ "الكذب والتدليس"، بعد تهديده على ما يبدو.
وكما هو الحال غالبًا في مثل تلك المواقف، حيث يغيب القانون وتظهر سلطة العشيرة، فقد بادرت عشيرة الفتلاوي إلى التدخل، وأعلن رئيس عشائر ال فتله نبيل عبد المهدي حماية الإعلامي، محذرًا الجميع من كيل الاتهامات إلى عشيرته "المعروفة بمواقفها المشرفة بتثبيت دولة العراق منذ تأسيسها وحتى الآن".
بدوره كتب عضو الهيئة الإدارية في اتحاد الأدباء فاضل الفتلاوي، عبر صفحته في فيسبوك، رسالة إلى محافظ الديوانية يدعوه فيها إلى محاسبة مدير إعلامه الذي اتهم الإعلامي الفتلاوي بـ "الإرهاب" وشكك بنسبه. فيما حذرت نقابة الصحفيين في الديوانية، الحكومة المحلية من التدخل في العمل الصحافي، وطالبتها بتقديم اعتذار للأسرة الصحافية.
أطلق ناشطون حملة على مواقع التواصل لمساندة الإعلامي والدفاع عنه، وسط دعوات إلى حكومة الديوانية لحماية الصحافيين وعدم التدخل بعملهم
بدوره طالب زيد الفتلاوي، مدير شرطة الديوانية اللواء فرقد العيساوي، بحماية عائلته، محملًا في ذات الوقت المحافظ ونائبه عبد الحسين الموسوي ومدير الإعلام الخاص خالد التميمي، مسؤولية "أي مكره يطاله أو أفراد عائلته".
بالمقابل قاد مواطنون وناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي حملة لمؤازرة الإعلامي والدفاع عنه، عبر وسم #كلنا_زيد_الفتلاوي، متعهدين بحمايته وكشف الفساد وسوء الخدمات في المحافظة، فيما طالبوا الحكومة المحلية بحل مشاكل المواطنين وتقديم الخدمات بدل تسخير جهودهم لتشهير بإعلامي تحدث عن واقع المحافظة، والتي جاءت بنتائج عكسية وفضحت تقصير الحكومة وسلطت الضوء أكثر على معاناة المواطنين في الديوانية.
إذ كتبت الصحفية منار عبد الأمير الموسوي على صفحتها في الفيسبوك: "إن الهجمة التي تعرض لها الفتلاوي وزملاؤه تثبت أن محافظة الديوانية بيئة غير صالحة للعمل الصحفي بسبب سياسة التهجم وعدم فهم الدور الحقيقي للأعلام".
ويتعرض الصحافيون والإعلاميون إلى انتهاكات واعتداءات مستمرة، فضلًا عن الهجمات المسلحة والاغتيال والملاحقة، على مستوى البلاد، كان آخرها ما اعتداءات طالت صحافيين شاركوا بتغطية التظاهرات الاحتجاجية العام الماضي، حيث تشير جمعية الدفاع عن حرية الصحافة في العراق، إلى أن "40 صحفيا قتلوا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وأصيب 76 آخرين، معظمهم قضوا خلال فترة العمليات العسكرية لتحرير الأراضي التي احتلها تنظيم "داعش".
قتل وأصيب 116 صحافيًا خلال الأعوام الثلاثة الماضية في البلاد، فيما شهد العام الماضي 79 انتهاكًا صريحًا ضدهم جرى معظمها من قبل جهات حكومية وأمنية
كما سجلت الجمعية، 430 انتهاكًا صريحًا ضد حرية العمل الصحفي في العراق، معظمها كانت من قبل جهات حكومية وأمنية، مع 79 انتهكًا ضد الصحفيين العراقيين خلال العام الماضي، تراوحت بين الاعتقال والاحتجاز والاعتداء بالضرب وعرقلة التغطية والهجمات المسلحة والتهديد بالقتل والتصفية الجسدية.
اقرأ/ي أيضًا:
مساعٍ غربية للهيمنة على فيسبوك العراق.. حديث صناعة الوهم
واتساب المسؤولين.. مؤامرات ومجموعات سرية تغذي صحافة "كسولة"