حين قلنا قبل فترة إن مشروع "إقليم البصرة" هو محاولة مشبوهة لإحياء مشروع الاحتلال البريطاني في العشرينات من القرن الماضي والمراد منه فصل البصرة عن العراق، أو التهديد بذلك بعد ثورة العشرين مباشرة لضمان دوام تبعية العراق لبريطانيا، اتهمنا البعض بالتطرف وفبركة الاستنتاجات.
ها هو أحد قادة المحاولة الجديدة لإقليم البصرة وعضو المجلس المحلي في المحافظة كريم الشواك يعلنها صريحة على الملأ ويقول إن "فكرة إقليم البصرة تمتد لـ 98 عامًا"، أي إلى السنة نفسها الذي جرت فيها أول محاولة لفصل البصرة عن جسدها العراقي، أما زميله الإعلامي سرمد الطائي، وهو أحد المروجين المتطرفين للمشروع المشبوه فيعود بفكرته إلى ما قبل أربعة قرون! بل ويتحدث صراحة عن ضرورة الوصول إلى حل وسط "بين العراق والبصرة"، جاعلًا إحدى محافظات الوطن ندًا وطرفًا مستقلًا في مواجهته.
إن مشروع "إقليم البصرة" هو محاولة مشبوهة لإحياء مشروع الاحتلال البريطاني في العشرينيات من القرن الماضي والمراد منه فصل البصرة عن العراق
ربما يقصد الطائي بكلامه عن مشروعه ذي أربعة قرون، ربما يقصد الثورة العراقية الثلاثية إن كان قد سمع بها حقًا. وهي تمرد قبلي مسلح قاده ثلاثة من كبار شيوخ القبائل في الجنوب والوسط سنة 1787 ضد الحاكم المملوكي في بغداد والتابع للسلطنة العثمانية داود باشا، وهم الشيخ سليمان الشاوي شيخ قبيلة "العبيد"، والشيخ حمد آل حمود شيخ قبيلة "الخزاعل"، والشيخ ثويني العبد الله شيخ "اتحاد المنتفك القبلي". ولكن سرمد الطائي - إذا كان يقصد فعلًا هذه الثورة - فهو يزور الحقائق التاريخية تزويرًا صريحًا لأن هذه الثورة لم تكن ثورة "بصرية" بل عراقية استقلالية مناهضة للتفريس والتتريك معًا، وقد ورد في المذكرة "المضبطة" التي وجهها الشيوخ الثلاثة باسم قبائلهم إلى الباب العالي في إسطنبول بلغة تلك الأيام ما يلي "فإنه لا يصلح لولاية العراق عمومًا ولوزارة بغداد وتأمين الطريق إلا الشيخ ثويني العبد الله فإنه هو الأسد الذي يحميها من العجم"، فأين أولئك الشيوخ العراقيون العرب الميامين من تخليطات بيادق المحاصصة الطائفية التابعين للأجنبي.
اقرأ/ي أيضًا: شبح الأقلمة.. سياسيون وإعلاميون وصهاينة يستغلون بؤس البصرة!
ومثلما صفق واحتشد الصهاينة بالأمس لتأييد محاولة مسعود البارزاني الانفصالية من أمثال المحرض الصهيوني برنار ليفي، يحتشد اليوم لتأييد إقليم البصرة أمثال زميله المحرض الصهيوني إيدي كوهين الذي راح يغري البصريين بأنهم "على طريق الرفاه والازدهار مثل إمارة دبي" إذا أقاموا إقليمهم. ويكفي دعاة الإقليم عارًا أن من هرع لتأييدهم هو هذا الشخص.
أما التابع إلى تركيا، أثيل النجيفي فقد راح يتلمظ ويستعيد ذكريات ودروس وعبر حلمه في "إقليم الموصل" وهو المتهم بتسليمها الى عصابات التكفير الداعشية ومطلوب إلقاء القبض عليه من نظامه وراح ينثر النصائح المريبة تحت شعار "لا تلوموا أهالي البصرة على المطالبة بالإقليم"! وهناك أصوات مشجعة لهذه الجريمة الوشيكة حتى من بعض الساسة الفاشلين في المنطقة الغربية والذين أفشلت جماهير الأنبار وصلاح الدين مساعيهم لإقامة الإقليم السني قبل سنوات قليلة، لهذا فأصواتهم أكثر خفوتًا الآن.
والواقع، فإن التأثير الأكبر والدور الأفعل في الحملة الراهنة هو لساسة الأحزاب الشيعية الطائفية في البصرة والذين اجتمع ممثلوهم في جلسة طارئة واستثنائية، وكأنهم ينفذون انقلابًا أو مؤامرة سوداء رغم أن أغلبهم متهمون بالفساد، في المجلس المحلي وجمعوا عشرين توقيعًا تأييدًا لبدء مشروع الأقلمة عمليًا. وهذه هي المحاولة الثالثة في عهد ما بعد الاحتلال. ومن نواب ومسؤولي الأحزاب المؤيدة للمشروع ذكرت وسائل الإعلام: النائبة زهرة البجاري من حزب آل الحكيم صاحب مشروع الإقليم الشيعي في الجنوب والوسط بعد الاحتلال مباشرة في عهد رئيسه عبد العزيز الحكيم، و عبد السلام المالكي عن ائتلاف "دولة القانون"، وكأن عار مجزرة سبايكر وسقوط الموصل بيد داعش لا يكفي هذا الائتلاف وقادته، ومن تحالف الفتح النائب عدي عواد، أما الأطراف الأخرى فمنها من ينتظر الأوامر والتعليمات من الخارج ومنها ما ينتظر اللحظة الحاسمة لينتهزها انتهازًا. ومن الأفراد والشخصيات يأتي في المقدمة النائب السابق المتهم بالفساد محمد الطائي والقاضي والوزير في عهد بريمر وائل عبد اللطيف وأعضاء مجلس البصرة العشرون وفي مقدمتهم كريم الشواك.
عادل عبد المهدي لم يعلق بشيء رسمي حتى الآن، ولكن دعاة الإقليم يروجون لمواقفه وتصريحاته القديمة المؤيد للأقلمة ويذكرونه بها، ومن ذلك بيانه في سنة 2007 حين كان نائب رئيس حزب المجلس الإسلامي الأعلى، والذي قال فيه، إن "المجلس الأعلى يحث كافة القوى السياسية على العمل جاهدة للتوصل إلى اتفاق نهائي في تشكيل الأقاليم لكي يستقر الوضع في البلاد... فبدون النظام الفيدرالي لن يكون بمقدور العراق التقدم... نحن نصر على أن الفيدرالية مطلب شعبي ودستوري". وهم يعتبرون وجود عبد المهدي اليوم في قمة الهرم السلطوي فرصة لا تعوض لتحقيق المشروع البريطاني القديم، ويهددون باللجوء إلى التصعيد إذا تم إهمال وعرقلة محاولتهم هذه كما حدث من قبل.
يقول عبد المهدي و يكرر معه البعض من حسني النية "ولكن المطالبة بإقامة الإقليم مطلب دستوري"! نعم، هو مطلب دستوري، ولكن أي دستور تقصدون؟ وبأية شروط وآليات؟ إنه دستور دولة المكونات الطائفية والعرقية الذي تمت فبركته في عهد الحاكم الأميركي بول بريمر من قبل بعض الجهلة بالدستور وعلومه وبدعم من جهات طائفية لها أهدافها الخاصة وبتدخلات مباشرة من قبل الصهيوني نوح فيلدمان والمرتشي بيتر غالبريت. "وقد عاد غالبريث اليوم – ويا للمصادفات وهي كثيرة ومنها رفع علم إقليم البارزاني في لقاءه مع ملك الأردن عبد الله الثاني وأخيه فيصل وإهمال رفع علم العراق ورغم أن البارزاني لا يحمل أية صفة رسمية سوى أنه زعيم حزب سياسي محلي – وقد أعلن غالبريث في ندوة نقاشية نظمت في واشنطن بإشراف الخارجية الأمريكية وأعلن أن موقف الخارجية الأمريكية القائم على احترام وحدة أراضي العراق خطأ استراتيجي ويجب الوقوف ضده بعنف".
لم يعلق عبد المهدي بشيء رسمي حتى الآن، لكن دعاة "الأقلمة" يروجون لمواقفه القديمة المؤيدة لقيام الأقاليم بتبرير أنه "مطلب دستوري"، الدستور الذي كتبه بريمر وأعداء وحدة العراق!
وهذا دليل آخر على أن كل الشرور تأتي من هذا الدستور المتفجر بالكوارث والمصائب ولا مستقبل للعراق باستمرار وجوده. لقد أصبحت عملية فبركة الإقليم من أية محافظة فأكثر أسهل كثيرًا من تشكيل فريق للعبة "المحيبس الرمضانية" في أية محلة بغدادية وكل هذا بهدف تسهيل تفتيت العراق وإزالته من الوجود بأيادي أبنائه! غير أن الحذر مطلوب هنا، فليس كل مواطن في محافظة البصرة يطالب بالإقليم مشبوه أو عميل يريد تقسيم العراق، إذ أن الملايين من المواطنين في الجنوب يعانون الأمرين من إهمال وفساد الحكومة الاتحادية والمحلية والمحافظين اللصوص، والذين سرق أحدهم وكان من حزب آل الحكيم ما سرق ثم هرب الى البلد الذي يحمل جنسيته "أستراليا" ونعني ماجد النصراوي. وبين المنادين بالإقليم كثيرون من المضللين والمغرر بهم والذين يجهلون جذور وأهداف المشروع الحقيقية والذين أضر بهم النظام وألقى بهم في شوارع البطالة والفقر والمرض، وهؤلاء أهلنا ويجب الإصغاء إليهم وتوعيتهم بأن الحل ليس في تطبيق الدستور الاحتلالي المشؤوم الذي أوصلهم إلى هذه الحالة بل في الشطب عليه وإعادة كتابته وإنهاء نظام المحاصصة ودولة المكونات وإقامة دولة المواطنة الحقيقية. ولكن ماهي الخلفية التاريخية لدعوة الإقليم والانفصال في البصرة ومتى وكيف بدأت؟.
لأخذ فكرة واضحة ومبسطة عن مشاريع فصل البصرة عن العراق بصيغة إمارة مستقلة أو شبه مستقلة أو إدارة منفصلة عن بغداد مع بقائها ضمن العراق في صيغة قريبة من الإقليمين في دولة واحدة آنذاك، وعن موقف الاستعمار البريطاني المنافق والذي لم يتجرأ على فصل البصرة تمامًا وهو الخارج لتوه من معامع ثورة العشرين الكبرى ملطخًا بالدماء والهزائم فاتخذ موقفًا مركبًا يرفض التقسيم وفصل البصرة لفظيًا ويستعمل الانفصاليين كبعبع ضد الدولة العراقية كما تؤكد الوثائق التاريخية، هذه رؤوس أقلام سريعة من دراسة حول الموضوع للباحثين العراقيين د.علي عظم الكردي من جامعة الكوفة و د. محمد الجزائري، مع تسجيل تحفظي على بعض ما ورد فيها، وخصوصا عدم التوقف التفصيلي عند ردود الفعل الشعبية ضد الإقليم والتي رصدها باحثون ومؤرخون آخرون، والتي تؤكد أن مؤامرة فصل البصرة قبرت بفعل ردود الفعل الشعبية البصرية الهائلة ضدها:
1- في 20 آذار/مارس 1920 وجه التاجران عبد اللطيف منديل وأحمد الصانع واللذان كان على علاقات مهمة بالبريطانيين من قبل، مذكرة إلى المندوب الاستعماري البريطاني بيرسي كوكس طالبا فيها بالإبقاء على لواء البصرة تحت الحكم البريطاني المباشر وليس تحت حكم الدولة العراقية المزمعة.
2- في 25 تشرين الثاني/نوفمبر 1920 شكل البريطانيون أول حكومة عراقية برئاسة عبد الرحمن النقيب ومنحوا وزارة التجارة فيها لمنديل وعينوا زميله الصانع وزيرًا للدولة.
3- عاد المنديل والصانع لطرح موضوع انفصال البصرة وجعلها تحت إدارة مستقلة مرتبطة ببريطانيا مباشرة على كوكس بدعم من ناجي السويدي، وقدما سنة 1921عريضة مع 4500 توقيع من أهالي البصرة إلى رئيس محاكم البصرة البريطاني سدني إبراهامز. وحدث ذلك بعد يوم واحد من توجه فيصل بن الشريف حسين إلى العراق ملكًا مُعَيَّنًا من بريطانيا. وسمحت القوات البريطانية في المقابل لمعارضي الانفصال بجمع كمية أقل من التواقيع الرافضة للمشروع لتكون "المسرحية الديموقراطية" متكاملة الديكور وأعلنوا بعدها أن غالبية سكان البصرة يؤيدون الانفصال، والدليل إضافة إلى التواقيع الأربعة آلاف وخمسمائة، أنهم استقبلوا القوات البريطانية سنة 1914 بالترحاب ورفضوا أن تنسحب هذه القوات من البصرة "ما أشبه اليوم بالبارحة"، متناسين الدماء العراقية التي سالت غزيرة في حرب المقاومة التصدي في معركة "الشعيبة" التي واجه فيها العراقيون من جميع المحافظات ومنها البصرة القوات البريطانية الغازية. ولكن المنديل والصانع أقيلا من وزارتيهما بأمر من الملك فيصل الأول بعد خلافاته مع عبد الرحمن النقيب الطامح السابق لعرش العراق وكان الرجلان من المحسوبين عليه.
4- اقترح الانفصاليون آنذاك أن يتكون العراق من ولايتين هما العراق والبصرة وأن تكون أموال الضرائب وعائدات الزراعة والتجارة المينائية في البصرة لأهل البصرة "لم يكن النفط قد أصبح بضاعة تجارية بعد"، وأن يتم تشكيل جيش وشرطة من أهالي البصرة للدفاع عنها مع الجيش العراقي ولكن أحلام المنديل والصانع والسويدي ذهبت أدراج الرياح ولم تستجب الحكومة البريطانية، وعلى لسان تشرشل نفسه "والذي كان وزير الدولة لشؤون المستعمرات آنذاك" لمطالبهم، ولكنها أبقتهم كالبعبع على قيد الحياة للاستفادة منهم مستقبلًا كلما شعرت بتهديد جدي لمصالحها الاستعمارية، كما يؤكد الباحثان الكردي والجزائري، وأيضًا بهدف كسر حركة مقاطعة النظام الملكي الجديد التابع لبريطانيا والتي دعا إليها علماء الدين المسلمون الشيعة وكانت حركة شاملة وجذرية لم يتمرد عليها إلا الساسة من أسرة الجلبي، ومنها جاء العميل الأمريكي لاحقًا أحمد الجلبي وشخصيات قليلة أخرى.
5- في سنة 1928 حركت بريطانيا دعاة الانفصال الذين كان يقال إنهم يحظون بتعاطف رئيس الوزراء – الذي مات منتحرًا لاحقًا – محسن السعدون. وشاعت أخبار مفادها أن الحكومة البريطانية وافقت فعلًا على انفصال البصرة ونشرت أخبار ذلك في عدد من الصحف المحلية ترتبط إحداها بالمدرسة الإسرائيلية. غضب الملك فيصل من ذلك وخاطب مكتبه بكتاب سري مكتب رئيس الوزراء، قائلًا، إنه "يستبعد أن يكون من بين أبناء البلاد من ينحط إلى هذا المستوى من الخيانة". وطالب الملك بإحالة الانفصاليين إلى المحاكم ولكن محافظ البصرة ووزير الداخلية ناجي شوكت ورئيس الوزراء السعدون رفضوا ذلك وتعللوا بعدم وجود أدلة قوية ضد الانفصاليين ولأنهم لا يريدون أن يشغلوا الرأي العام "بقضية تافهة كهذه" وأغلق الملف.
6- وعن أسباب فشل مشروع فصل البصرة عن العراق أو تحويلها إلى دولة متحدة مع العراق يكتب علاء لازم العيسى في دراسة أخرى "ومن الأسباب الأخرى التي أدت إلى دفن مشروع الانفصال في لحد عميق، وتحويله إلى ظاهرة هامشية، هي كون العريضة المذكورة – التي قدمها المنديل والصانع بدعم من السويدي- لم تحظ إلا بدعم قلة من المتنفذين البصريين تساندهم فئة من التجار من أصول أجنبية كاليهود والأرمن والإيرانيين لا يدعمهم سند شعبي، كما أنها جوبهت بمعارضة قوية من قبل شخصيات بصرية متنفذة سياسيًا واجتماعيًا، كان أبرزها محمّد أمين عالي باش أعيان، والمحامي محمّد زكي، وعبد الكاظم الشمخاني، وأحمد حمدي الملّا حسين، وحبيب الملّاك، وغيرهم، وأثار المعارضون دعاية واسعة ضد حركة الانفصال بعد أيام قليلة من تقديم العريضة المذكورة إلى المندوب السامي، حتى أنهم استغلوا مناسبة استقبال الأمير فيصل عند مجيئه كمرشح للعرش، وعلقوا شعارين معاديين للحركة وضع الأول منهما عند مدخل منطقة العشار جاء فيه "لتحيى الجامعة العراقية"، ووضع الثاني عند مدخل البصرة وقد كتب به "لتحيى البصرة جزء من العراق"، ثمّ شكلوا وفدًا سافر إلى بغداد وقابل المندوب السامي فيها برسي كوكس، في شهر آب/أغسطس من السنة نفسها، وطرح وجهة نظره المعادية للانفصال، وبالرغم من أنّ كوكس لم يتخذ موقفًا حاسمًا تجاه القضية، لكنه أكد لهم تفهمه لأبعاد موقفهم".
اقرأ/ي أيضًا: غزو العراق.. تفتيت الهوية وإفقار الشعب في رحلة الكذب الأمريكي
7- تجدد طرح فكرة الأقلمة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي سنة 2003 وإقامة الحكم المحاصصاتي المكوناتي التابع. وكانت المحافظات الكردية الثلاث أربيل والسليمانية ودهوك خارجة فعلًا عن سيادة العراق وتحت الحماية الجوية الأمريكية في عهد نظام صدام حسين ومنذ 1991، وقد تكرس انفصالها الفعلي بعد الاحتلال، ثم انتقلت الزعامات الكردية إلى الهيمنة على القرار العراقي ككل بسبب خنوع الأحزاب والقيادات الشيعية وحاجتها لحليف بوجه خصمها الطائفي التقليدي! وقد تحرك حزب آل الحكيم ورفع شعار إقامة إقليم الوسط والجنوب وهو إقليم ذو طبيعة ديموغرافية شيعية غالبة وأهداف طائفية رجعية واضحة، ولكن الفشل كان مصير هذه المحاولة وبعدها بدأ الترويج لإقامة أقاليم في البصرة وفي الأنبار وصلاح الدين وفي نينوى ولكنها لم تحرز تقدمًا ثم جاءت محاولة البارزاني لإعلان الاستقلال عن العراق وانتهت محاولته إلى الفشل، وها هي المحاولة الجديد والثالثة لإشعال الحريق الانفصالي في البصرة من قبل قوى وشخصيات موغلة في الفساد والطائفية والتبعية لدولة الاحتلال والدول الإقليمية.
إن العلة الأساسية في استمرار بروز خطر الأقلمة كمقدمة لتقسيم العراق تكمن في مواد دستور فترة الاحتلال النافذ والذي لم يتجرأ أحد على المطالبة بتعديله تعديلًا يتناسب وحجم التغييرات التي شهدها العراق "نحو الأسوأ طبعا"، بمواده التي تسهل تلك المهمة على مريديها، ولا حل أمام العراقيين الاستقلاليين والديموقراطيين سوى بإعادة كتابة هذا الدستور على أسس دولة المواطنة والمساواة وإنهاء نظام ودولة المكونات.
غير أن المسؤولية في ما حدث وما سيحدث مستقبلًا وخصوصًا إذا تقدمت محاولة أصحاب مشروع "إقليم البصرة" إلى الأمام لا تقع على عاتق الدستور فقط بل هي تقع وبقوة على عاتق من أوصلوا عادل عبد المهدي وهو الأشد تأييدًا لأقلمة العراق بين ساسة النظام إلى كرسي الحكم. والذين أوصلوا عبد المهدي إلى الحكم وما يزالون يحمونه ويدعمون حكومته أو يسكتون على ارتكاباتها الجسيمة معروفون للشعب العراقي: في مقدمتهم التيار الصدري وحليفه الحزب الشيوعي العراقي "المخطوف" والمرجعيات الدينية - وتفرعاتها العائلية - التي سكتت هي الأخرى عن هذا التحدي الخطير لوحدة العراق مع إنها لا تترك صغيرة أو كبيرة إلا وتدخلت فيها من إصلاح مضخات المياه في محطات التصفية في البصرة وليس انتهاء بما يسمونه "الانفلات الإعلامي" و"الفوضى الاجتماعية والأخلاقية وكثرة الملاهي وتعاطي الموبقات" متناسين أن من يدير هذه الملاهي ويتاجر بالموبقات والسموم هي أحزاب النظام الفاسدة ذاتها!.
الدستور الذي كتبه بريمر هو البؤرة التي تنطلق منه كل التهديدات لوحدة وبقاء العراق فيما يقوم نظام المحاصصة الطائفية في دور الذراع التنفيذي لهذه التهديدات والأخطار
إن دستور فترة الاحتلال النافذ هو البؤرة التي تنطلق منه كل التهديدات لوحدة وبقاء العراق ويقوم نظام المحاصصة الطائفية ومؤسساته التي تمرست في أعمال التزوير والفبركة بدور الأذرع التنفيذية لتلك الأخطار، فإما العراق وإما النظام الطائفي التابع للأجنبي وسيكون العراق طويل العمر هو الخيار الأكيد، فهو الأبقى من كل الفاسدين واللصوص والغزاة وأدلاء الغزاة الزائلين.
اقرأ/ي أيضًا: