14-مايو-2022
تشكيل الحكومة العراقية

لم يشهد العراق ولادة معارضة حقيقية (فيسبوك)

مع ما يطلق عليه بـ"الانسداد السياسي" الذي يسود مراحل تشكيل الحكومة العراقية، تظهر تساؤلات لدى الشارع حول أسباب رفض الكتل السياسية التوجه صوب المعارضة النيابية، بعد الفشل في الحصول على مقاعد كافية تؤهلهم لأن يكونوا "الكتلة الأكثر عددًا"، وبالتالي هم يشكلون الحكومة، حيث أنّ العملية السياسية في العراق يريد الفائز والخاسر فيها أن يكون في السلطة، وهو الصراع القائم منذ أكثر من 6 أشهر. 

تعتقد الكتل السياسية في العراق أن وجودها يرتبط ارتباطًا مباشرًا في ممارسة المهام التنفيذية وتحديدًا عبر وجودها في السلطة

وخلّفت هذه التساؤلات العديد من الأسباب بعضها معروفة لدى العراقيين وأخرى لا تزال طي الكتمان، في وقت تظهر تصريحات متفاوتة التوقيتات للأطراف المتنازعة على تشكيل الحكومة "تحالف إنقاذ وطن"، و"الإطار التنسيقي" بشأن إمكانية التوجه صوب المعارضة داخل قبة البرلمان، إلا وإنهما يعودان مرّةً أخرى إلى مساعيهما لتشكيل الحكومة.

وبحسب مراقبين، فإنّ "ملفات الفساد"، و"السطوة التنفيذية"، يعدان من أبرز الأسباب التي تدفع أغلب الكتل السياسية لعدم التوجه نحو المعارضة، رغم أهميّة وعلوية هذا الدور في الديمقراطيات الحديثة. 

المعارضون

تعتقد الكتل السياسية في العراق أن وجودها يرتبط ارتباطًا مباشرًا في ممارسة المهام في الشق التنفيذي (الحكومة)، وهذا لا يتحقق عندما تكون هذه الطبقات في صف المعارضة، وفقًا لكلام النائب المستقل عدنان الجابري.

وبحسب الجابري، فإنّ بعض الكتل السياسية ترى أيضًا أن "السلطة التنفيذية تكون قريبة من الجماهير، وبالتالي فإنّ تحقيق متطلباتهم سواءً بتوفير الخدمات أو التعيينات أو غيرها تكون قد حققت أهدافها".

وفي حديث لـ "ألترا عراق"، أشار النائب المستقل إلى أنّ "هناك بعض الكتل تسعى للبقاء في الصف الأول المقرب من السلطة التنفيذية لأغراض خاصة (مصالح شخصية)، وهي دائمًا تسعى إلى عدم فقدان هذه المرتبة".

وبشأن وجود المعارضة في البرلمان الحالي، تحدث الجابري، قائلًا إنّ "النواب المستقلين حتى بعد تشكيل الحكومة الجديدة سيذهبون إلى المعارضة الدستورية داخل قبة مجلس النواب"، مبينًا أنّ "هذه الدورة من عمر مجلس النواب ستشهد ولادة نواة معارضة نيابية حقيقية، ويمكن أن تتطور خلال السنوات المقبلة لحين الوصول إلى ثقافة المعارضة النيابية في كل برلمان جديد".

ويبرز لدى الذهن السياسي وعلى مدار 19 عامًا ولادة العديد من القوى السياسية والأحزاب الكبيرة، ذابت بفعل العديد من العوامل وهو ما يجعل هذا السيناريو مثالًا تتجنبه الجماعات السياسية الآن في العراق.

ومنذ إجراء الانتخابات التشريعية، دخل العراق في سلسلة أزمات سياسية وأمنية بدأت برفض القوى المقربة من إيران نتائج الانتخابات، بعد حلولها متأخرة بفارق كبير عن "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر (الذي تصدر النتائج بحصوله على 73 مقعدًا في البرلمان)، مرورًا بالطعن بإجراءات عدّ وفرز الأصوات الانتخابية، وليس انتهاءً باعتصامات قامت بها قوى الإطار التنسيقي في المنطقة الخضراء وشهدت مواجهات عنيفة.

وعلى سبيل المثال، عرقلت قوى "الإطار التنسيقي" انعقاد ثلاث جلسات برلمانية مخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية، من خلال مقاطعتها الجلسات التي تتطلب حضور ثلثي الأعضاء لاستكمال النصاب القانوني المطلوب لانتخاب الرئيس.

"لا معارضة حقيقية"

في المقابل، تقول ريزان شيخ دلير، وهي نائبة سابقة عن حزب الاتحاد الكردستاني، إنّ "المعارضة في البرلمان العراقي عمومًا، رغم قلة عدد نوابهم إلا أنّ أغلبهم غير مستقلين ويتبعون أحزابًا أخرى بالخفاء"، ووفقًا لدلير، فإنّ العملية السياسية في العراق منذ عام 2003 إلى الآن لم تشهد ولادة معارضة حقيقية تسلك سلوكيات الجبهة السياسية المعارضة في مجلس النواب.

وتقول النائبة السابقة في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "المعارضة تحتاج إلى توافر عديد المتطلبات من أجل تحقيقها، أبرزها أن يكون النواب أو الجهات السياسية لديهم قوة وإرادة لتغيير الواقع السياسي في البلاد".

وحول برلمان الإقليم، ترى دلير، أنّ "المعارضة النيابية لم تنجح حتى في برلمان إقليم كردستان رغم وجود كتل معروفة تسلك هذا الاتجاه".

يرى مراقبون أنّ جميع النواب دائمًا ما يتخوفون من الدخول في المعارضة لعدم خسارة دعم الأحزاب السياسية لهم

وتعتبر المعارضة النيابية واحدة من سمات الديمقراطية في أي نظام يتخذ الديمقراطية مسارًا له، وحيث أنّ "النظام السياسي في العراق وشكل الحكم فيه نيابي وديمقراطي اتحادي"، وفقًا لما جاء في ديباجة الدستور النافذ لعام 2005.

أين حكومة الظل؟

وشهدت هذه الانتخابات صعود كتل سياسية معروفة بـ"توجهات المعارضة" على الأرض، وهو تحول ـ رآه مراقبون ـ له تأثيره في الحياة السياسية في البلاد.

ويقول الباحث في الشؤون السياسية سعد الزبيدي، في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "جميع البرلمانات في العالم تشهد وجود أغلبية كبرى للأحزاب الداعمة للحكومة وأغلبية صغرى تكون معارضة وتشكل حكومة ظل للحكومة الحقيقية".

وأضاف الزبيدي أنّ "دور المعارضة يكون تقويميًا للسلطة التنفيذية على مدار عمرها الدستوري، كما تعمل على رصد كافة المخالفات ومحاسبة المخطئين".

لكنّ العملية السياسية في العراق غير ناضجة - بحسب الباحث السياسي- وجميع النواب دائمًا ما يتخوفون من الدخول في المعارضة لعدم خسارة دعم الأحزاب السياسية لهم، مبينًا أنّ "التخوف جاء على خلفية إمكانية إقصائهم من المناصب في السلطة التنفيذية في حال أخذ دور المعارضة في مجلس النواب، وبالتالي سيكونون بعيدين عن الأنظار مما يولد لديهم التخوف الآخر من خسارة الانتخابات في السنوات المقبلة".