31-مارس-2019

عدد النساء أكثر من الرجال في حالات الانتحار بالعراق (حقوق الإنسان)

تلعب الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السيئة دورًا كبيرًا في تشظي المجتمع وكسر حاجز المناعة التي تجعله يستقبل شتى الأمراض الاجتماعية والنفسية، وبلا شك أنّ ذلك يؤدي إلى فتح باب الموت الإرادي على مصراعيه خصوصًا في البلدان التي عاشت فترات الحروب والإرهاب والكوارث، مثل العراق الذي ما انفك يخرج من حرب أو كارثة ليدخل في أخرى، وهذا بالتأكيد له دور كبير في تحطيم نفسيات المجتمع ويفرغها من طعم الحياة بعد أنْ اعتادوا على طعم الموت الذي عايشوه خلال سنوات طوال بشتى أشكاله.

تخلق الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية أرضًا خصبة للانتحار لأنها ظروف تكسر حاجز المناعة من شتى الأمراض النفسية التي يصاب بها الفرد

وربما المراقب عن كثب للمشهد العراقي ويدرك الظروف التي يمر بها أبناؤه وما عانوه من ويلات الحروب والكوارث المتعاقبة وانهيار المؤسسات التعليمية والصحية وانتشار المخدرات والتفكك الأسري ربما لا يندهش يومًا لو سمع أنّ معدلات الانتحار ترتفع في العراق لأن كل الأسباب المؤدية إلى ذلك شاخصة أمامه، في ظل عدم اهتمام من الجهات المسؤولة في الحد من هذه الظاهرة الآخذة بالنمو والتطور، صحيح أنّ كل مجتمع مهيأ لأن يسهم بقسط محدد من الموتى الإراديين كما يقول ايميل دور كايم في كتابه الانتحار، لكن ليس بهذا الشكل المفزع الذي نراه أمامنا في العراق، إذ أنّ فترات الانتحار تكون متقاربة جدًا، وخصوصًا بين الشباب.

اقرأ/ي أيضًا: خلال أسبوعين فقط.. 17 محاولة انتحار في الرصافة

ويعرف إيميل دوركايم الانتحار، أنه "كل حالة تنجم بنحو مباشر أو غير مباشر عن فعل إيجابي أو سلبي تنفذه الضحية ذاتها، والتي كانت تعلم بالنتيجة المترتبة على فعلها بالضرورة".

وحول موضوع ارتفاع معدل حالات الانتحار في السنوات الأخيرة يرى المتخصص في علم النفس، حميد يونس، في حديثه لـ"الترا عراق" على الرغم من أنّ "الانتحار فعل غارق في خصوصيته، إلا إنه يزداد في المجتمعات باطراد بصورة شبيهة بالظاهرة، ولربما يتفشى كالوباء، إذ وُجد أنّ الانتحار يزداد مع زيادة تسليط الإعلام عليه. فكلما كثرت الحالة "الناجحة" والمشهورة عن حالات الانتحار، ازدادت محاولات المراهقين لاستنساخها"، مشيرًا إلى أن "حالات الانتحار في الوقت الحالي يعود ازدياد  بعضها إلى الأزمات الاقتصادية والمقلقات، الأمر الذي يتفشى في فترة ما بعد الثورات والحروب".

أشار يونس إلى أن "هناك أمر آخر لا بدّ من التنويه عنه، إنّ نسب الانتحار في السنوات 2015-2016، كانت أقل من النسب الحقيقية، وأقل من النسب العالمية أيضًا، مبينًا "أي إنّ حالات الانتحار الحقيقية قد لا تسجل جميعها في شهادات الوفيّات والتقارير الجنائية على أنها حالات انتحار، بسبب الموت المشبوه أو حالات غسل العار مثلاً".

أما في ما يخص تفاوت النسب بين الإناث والذكور، فيقول يونس، إنّ "المرأة تكون أكثر عاطفية وعرضة للضغوطات والهشاشة مقارنة بالرجل، وبسبب القمع المجتمعي والأسري على المرأة أكثر منها على الرجل".

ويتفق معه في الرأي الضابط في الدفاع المدني أزهر شامل، إذ يقول في حديثه لـ"ألترا عراق"، إنه "حصلت معي الكثير من الحالات كشاهد عيان، في إحدى المرات خرجت في حادث حرق فتاة، وعندما وصلت إلى مكان الحادث عرفنا من قبل الأهل أن الحادث كان انتحار، مستدركًا "ولكن بعد التحقيق تبين شيء آخر وهو أن الفتاة احترقت بفعل فاعل وليس انتحار".
أضاف أن "أغلب العوائل ينسبون حالات غسيل العار والمشاكل التي ينجم عنها القتل إلى الانتحار وإنْ لم تكن في الوقع كذلك، هذا بالإضافة إلى أنّ عشرات حالات الانتحار تسجل على أنها حوادث تفاديًا للحرج الاجتماعي".  

وسجلت وزارة التخطيط والاحصاء بحسب تقارير صدرت عنها وتلقى "الترا عراق" نسخًا منها إلى أنّ  607 محاولة انتحار حصلت في سنة 2017، أما في سنة 2018 فالنسبة انخفضت إلى 315.

إحصائية في حالات الانتحار لسنة 2017 (ألترا عراق)
إحصائية الانتحار لسنة 2018 (ألترا عراق)

معاملة المختلف بـ"همجية" هي السبب!

بهذا الصدد أكد الباحث الإسلامي أسامة الساعدي عبر حسابه في "فيسبوك" على أن "الانتحار ينتشر أينما انتشر الإلحاد"، مضيفًا في منشور آخر، أن "قسوة العائلة والمجتمع مع الشباب المختلف معهم فكريًا أو دينيًا، فيعاملونه بهمجية ويرفضونه تمامًا ويقاطعونه، مبينًا "حينها يشعر بالوحدة والغربة فيكتئب وينتحر".

التفكك الاسري والضغوطات النفسية على الطلبة

فيما يرى الأكاديمي ولاء محمد في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "السبب الرئيسي للانتحار هو التفكك الأسري فاليوم هناك هوّة كبيرة بين الأبناء والآباء تؤدي هذه الهوة في نهاية المطاف إلى تنامي الشعور باللاشيء وفقدان الذات والانهيار الداخلي لدى الأبناء مما يجعلهم صيدًا سهلًا لشبح الانتحار" مضيفًا "أنا شخصيًا لمست هذه الأسباب حيث ما يقارب أربعة أشخاص كانوا قد انتحروا خلال شهور قليلة في المنطقة التي أسكن فيها بالإضافة إلى الأسباب الثانوية كالفقر والبطالة و قلة الوعي وسيطرة الجهل على شرائح كبيرة في المجتمع نتيجة الحروب والفوضى العارمة".

أما فيما يتعلق بالضغوط النفسية على الطلبة، خصوصًا المراحل المنتهية حيث تكثر حالات الانتحار من قبل الطلبة بعد تسلم النتائج أو بعد إعلان القبولات الجامعية بسبب الضغط النفسي الذي يسببه الأهل على أبناءهم، خصوصًا إنْ كانت أمانيهم خارج إمكانيات الأبناء.

وفي هذا السياق يرى أستاذ علم النفس في جامعة القادسية، الدكتور ليث التميمي، أن "أغلب حالات الانتحار لدى طلبة المراحل المنتهية خصوصًا المراحل التي تؤهل الطالب لدخول الحياة الجامعية سببها ضغوط الأهل الذين لا يراعون إمكانيات أبناءهم الذهنية ولا يراعون التفاوت في الإمكانيات، مبينًا أنهم "يحسبون الطلاب نسخًا مكررة فإذا لم يحصلوا على المعدل العالي الذي يؤهلهم لدراسة الطب أو الهندسة يلقون باللائمة على أبناءهم ويمارسون الضغط النفسي عليهم ويسفهونهم من خلال  مقارنتهم مع الطلبة الآخرين مما يؤدي بالطالب المسكين ونتيجة للضغط النفسي الى الانتحار".

أغلب حالات الانتحار لدى طلبة المراحل المنتهية خصوصًا المراحل التي تؤهل الطالب لدخول الحياة الجامعية سببها ضغوط الأهل الذين يطلبون من أبناءهم معدلات عالية

أضاف التميمي في حديثه لـ"ألترا عراق"، أنه "يجب أنْ نعيد النظر بوسائل التربية وعلى الآباء أنْ يعقدوا حالات صداقة مع أبناءهم ويكونوا قريبين منهم جدًا حتى يعرفوا مشاكلهم وإمكاناتهم، مشيرًا إلى أنه "كذلك يجب أنْ نعيد النظر بالعادات والتقاليد التي لم تعد تتلاءم مع المجتمع والتي تخنق الناس من ممارسة حرياتهم من قبيل أن المجتمع اليوم يوسم الشخص الذي يتعالج نفسيًا بالمجنون فيحجم المريض عن زيارة الطبيب حتى تتفاقم حالته وتتضاعف ويكون الانتحار خياره الوحيد ربما، لافتًا إلى أن "المرض النفسي يمثل حالة طبيعية فالإنسان عرضة للأمراض البدنية والنفسية".

اقرأ/ي أيضًا: حريق و"انتحار" جماعي في دارٍ للمشردات ببغداد.. من الجاني ومن الضحية؟

ويرى الباحث الاجتماعي مهتدي الأبيض في حديثه لـ"الترا عراق" أن "تقليد الآخرين يلعب دورًا مهمًا، لذا أن كثرة الانتحار هي موضة تقليدية بين الشباب أو  الأفراد حيث يراه أسهل طريق في مواجهة المشاكل الاجتماعية أو  الأسرية، مضيفًا "ولا ننسى الانفتاح على العالم الذي جعل المجتمع يرى التناقض بين واقعه والمجتمعات المرفهة من جميع النواحي، فضلًا عن دخول الثورة التكنولوجية للمجتمع، الأمر الذي جعل من الفرد العراقي يعيش حالة من الضياع وفقدان الهوية والمعنى مما يجعل حياته بلا قيمة أمام نفسه خاصة في ظل الإهمال الحكومي".

أضاف الأبيض، أن "اندماج المؤسسة الدينية والسياسية والعائلية بشكل صحيح وتصحيح الأخطاء والاهتمام بالإنسان وحريته وإعطاء هوية اجتماعية له من خلال توفير فرص الحياة والاقتصاد والتعليم والرفاهية وضمان المستقبل، إضافة إلى "تثقيف المجتمع عن الأضرار الناجمة من هذه الظاهرة وإضفاء معنى للحياة تحد من حالات الانتحار في المجتمع".

أشار الأبيض إلى أنه "يجب تحديث الفكر الديني وإعطاء رؤيه جديدة للدين تعيد مفهوم الموت والآخرة والتعامل مع الواقع بشكل آخر".

بالوقت نفسه، أشار  عضو المفوضية العليا العراقية لحقوق الإنسان، علي البياتي، أن "حلول معاجلة الانتحار تكمن بمعالجة الأسباب وهي تدهور الحالة النفسية للمصاب ووصوله إلى حالة انهيار وفقدان الأمل بالحياة، والأسباب التي تقف وراءها بكل تأكيد اجتماعية واقتصادية ونفسية، مبينًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "لكل مجال عمل إجراءات خاصة ولكن بشكل عام اهتمام الدولة بالمواطن العراقي وتوفير كافة مستلزمات الحياة الكريمة له هو أمر مهم ومسؤولية دستورية ووطنية".

يصف المجتمع الشخص الذي يتعالج نفسيًا بالمجنون فيحجم المريض عن زيارة الطبيب حتى تتفاقم حالته وتتضاعف ويكون الانتحار خياره الوحيد! 

أضاف البياتي "كل المجتمعات التي تمر من حروب ونزاعات مثل العراق يعاني ١٠-٢٠ ٪؜ منهم من مشاكل نفسية نتيجة الصدمات المتكررة لذلك فإعطاء أولوية اليوم للصحة النفسية بشكل عام في كافة المؤسسات التربوية والتعليمية والإعلامية والثقافية وبالطب النفسي بشكل خاص في المؤسسة الصحية أمر أساسي لمعالجة الموضوع".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الشباب وتزايد حالات الانتحار.. نهايات صادمة لواقع معقد

إنه لأمر فظيع أن تقدِم على الانتحار