18-فبراير-2019

مؤتمر وارسو (الأناضول)

أقيم مؤتمر السلام والأمن للشرق الأوسط المنعقد في العاصمة البولندية وارسو برعاية الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركة عشر دول عربية من أصل 60 دولة، وجهت لها الدعوة للمشاركة كانت أبرزها اسرائيل، وشهد المؤتمر مقاطعة كل من  فرنسا وألمانيا وروسيا ومسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي على خلفية "التحفظ" الأوروبي على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران.

يأتي مؤتمر وارسو بين مساعٍ أمريكية لـ"ناتو عربي" ودعاية انتخابية لنتنياهو أبطالها وزراء عرب 

يأتي مؤتمر وارسو في إطار استكمال عملية عزل النظام الايراني عن المجتمع الدولي التي بدأتها الولايات المتحدة في أيلول/ سبتمبر الماضي بفرض حزمتين من العقوبات الاقتصادية على إيران، حيث شاركت الولايات المتحدة في المؤتمر الذي انعقد بين  12-14 شباط/ فبراير بوفد رفيع المستوى ضم وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ونائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، إضافة للمبعوث الخاص للرئيس ترامب "غرينبلات".

بوصلة أمريكا تتجه نحو طهران

تمحورت نشاطات المؤتمر حول التهديد الذي يمثله النظام الإيراني لاستقرار منطقة الشرق الأوسط وكيفية الحد من هذا "الخطر". هذا ما أكدته تصريحات بومبيو ونتنياهو في المؤتمر الصحفي المشترك بينهما، حيث صرح وزير الخارجية الأمريكي، بقوله، إن "من المستحيل تحقيق استقرار في الشرق الأوسط دون مواجهة إيران".

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: مؤتمر وارسو.. دلالات المكان والأهداف والخلفيات

أضاف بومبيو، أننا "اجتمعنا هنا لسبب واحد هو مناقشة التهديدات الحقيقية لشعوب الشرق الأوسط"، معبرًا عن ارتياحه للتقارب العربي الإسرائيلي "لقد جلس القادة العرب والإسرائيليون في نفس القاعة وتشاركوا وجبة الطعام و تبادلوا وجهات النظر".

أشار الى ذلك أيضًا رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو"، حيث قال في ذات المؤتمر الصحفي "اعتقد أن ما جرى بالأمس استثنائي ونقطة تحول، حيث التقينا بوزراء عدة دول عربية بوضوح وفهم كامل لحقيقة أن الخطر الرئيس لأمن وسلام الشرق الأوسط يتجسد في إيران"، مواصلًا حديثه بالقول، إنه "بإمكاننا التوحد في مواجهة تهديد مشترك ويمكننا العمل معًا لتكوين مستقبل مشترك"، مختتمًا حديثه، أنه "كان هناك تضامن لا أذكر مثيله في حياتي واعتقد أن هذا تغيير هائل يبشر بالخير للشرق الأوسط".

وفي سياق متصل سربت الصحافية الإسرائيلية "نوعا لاندوا" بعض من فقرات خطاب نتنياهو في المؤتمر، الذي أشار إلى أن "مؤتمر أوسلو جاء كجزء من تدريب الرأي العام العربي للتطبيع مع إسرائيل، مضيفة أن "نتينياهو طالب بمزيد من العقوبات على فيلق القدس الإيراني، كما طالب بعقوبات تتجاوز الجناح العسكري لحزب الله لتصل إلى الجناح السياسي أيضًا".  

اللقاء الذي جمع وزراء عدة دول عربية بنتنياهو قال عنه: كان هناك تضامن لا أذكر مثيله بحياتي

وفي انسجام واضح مع ما أدلى به بومبيو ونيتنياهو جاءت كلمة المبعوث الأمريكي، لتكمل الرؤية الأمريكية الإسرائيلية المطروحة على طاولة وارسو لإعادة رسم خريطة الصراعات والتحالفات التي يراد لها أن تطبق في المنطقة، حيث شدد غرينبلات على الحضور بقوله، إننا "نأمل أن تنشأ شراكات جديدة من محادثات اليوم، لا نحتاج إلى الالتزام بالماضي عندما يتطلب مستقبل مشرق تعاونا جديدًا"، في إشارة منه لسعي الرئيس الأمريكي للمضي بصفقة القرن تمهيدًا للتوجه نحو  الملف الإيراني، موضحًا أن "رياح التغيير يمكن الشعور بها في الشرق الأوسط، هذا المؤتمر هو شهادة على حقيقة أن حقبة جديدة قد بدأت".

اقرأ/ي أيضًا: الدعوة إلى "التطبيع".. أسئلة النموذج والدولة

أضاف غرينبلات، أنه "اتفق القادة من جميع أنحاء المنطقة على أن التهديد الأكبر للسلام والأمن في الشرق الأوسط هو إيران".

حفل بهيج على شرف السادة الوزراء!

بدأ حفل التطبيع في وارسو بزيارة وزير الخارجية العماني لرئيس الوزراء الإسرائيلي، كان أبرز ما جاء فيها تصريح "يوسف بن علوي" أن "الناس في الشرق الأوسط يعانون لأنهم عالقون في الماضي"، تصريح رآه مراقبون إدانة لتمسك بعض الأطراف العربية بموقفها الرافض لإسرائيل وسياساتها التوسعية في المنطقة التي كان الشعب الفلسطيني أول ضحاياها.

خرج بن علوي بعدها متسلًلا من مقر إقامة نتنياهو هربًا من الإحراج الذي قد تسببه له تساؤلات الصحفيين العرب، لكنه فوجئ بكاميرات الصحافة الإسرائيلية التي كانت بانتظاره في الباب الخلفي للفندق، في مشهد وصفه نشطاء بسخرية، أنه يؤكد أن بعض الدول العربية لا زالت تعامل إسرائيل كـ"عشيقة".  

حيث أن العلاقات و الشراكات الإستراتيجية التي تجمع العرب بإسرائيل بقيت على طول الخط  تحت الطاولة، على ما يبدو أن هذا لم يعد يلبي الرغبة الإسرائيلية، ولكي يظهر ذلك للأصدقاء والأعداء معًا، سرب نتنياهو فيديو من جلسة سرية لقادة المؤتمر، أظهر الفيديو المسرب وزراء خارجية السعودية والبحرين والإمارات، وهم يناقشون مع الحضور أهمية توحيد الجهود نحو إيران بعد أن هاجموها بقوة، من بين ما جاء في الفيديو المسرب، جزء من مداخلة خالد بن حمد التي قال فيها، إنه "لقد اصبحنا معتادين على معالجة الأزمات الناتجة عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لكننا رأينا ان هناك تحديًا أكثر أهمية وأكثر خطرًا هو إيران"، وشاركه ذات الرأي عادل الجبير في تغريدة على حسابه الشخصي، ذكر فيها أن "التحديات التي تواجهنا يتصدرها الدور الإيراني في زعزعة أمن و استقرار المنطقة"، لكن عبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، كان البطل الثاني في الفيديو الذي سربه مكتب نتنياهو، حيث قال، إنه "لدى كل دولة الحق في الدفاع عن نفسها حين تتعرض لخطر دولة أخرى"، بهذه العبارة برّر بن زايد الاعتداءات الإسرائيلية على فلسطين وبعض الدول العربية على مدى العقود السابقة.

برر محمد بن زايد الاعتداءات الإسرائيلية على فلسطين والدول العربية على مدى العقود السابقة

وفي لقطة وصفها المبعوث الأمريكي بـ"الطريفة" بدت نوايا التطبيع واضحة على وزير الخارجية اليمني خالد اليماني، حين قدم ميكروفونه لنتنياهو، بعد ان تعطل ميكرفون الأخير، كعربون صداقة يراد لها أن تتجذر على حساب دماء أطفال اليمن الذين تقصفهم الطائرات الإسرائيلية سرًا تحت غطاء حزم محمد بن سلمان.

اقرأ/ي أيضًا: كيف رد اليمنيون على تطبيع وزير الخارجية مع نتنياهو؟

فضيحة سباق التطبيع الذي سارع إليه المسؤولون العرب لم يتوقف عند الفيديو المسرب، بل استمر ليشمل تصريحات أدلى بها وزير الخارجية البحريني في معرض إجابته لتساؤل مراسل قناة "13 الإسرائيلية" حول إمكانية حدوث اختراق في العلاقات مع إسرائيل وموعد الإعلان عن زيارة نتنياهو للبحرين، قال إن "هذه الأمور ستحدث عندما يحين وقتها". وعلق "باراك رافيد" مراسل القناة "13 الإسرائيلية" على تصريح الوزير البحريني، أن علاقة البحرين بإسرائيل تمتد لربع قرن من الآن وإن خالد بن حمد أبلغ نظيرته الإسرائيلية السابقة ليفني في شباط/ فبراير 2017، أثناء انعقاد مؤتمر الأمن في ميونخ، أن ملك البحرين مهتم بتقدم العلاقات مع إسرائيل وقد أوصلت ليفني هذه الرسالة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية.

قبل هذا كان "رافيد" قد التقى على هامش مؤتمر أوسلو بالأمير تركي الفيصل "الرئيس الأسبق للاستخبارات السعودية" دار بينهما حوار قصير انتهى بأمنيات الفيصل في زيارة تل أبيب إذا قرّر الصحفي الإسرائيلي استضافته في منزله!

"حملة الليكود المبكرة"

في ظل انشغال الأمريكان في عملية خلق أرضية صلبة بين العرب وإسرائيل تنطلق منها جبهة مضادة لـ"الخطر الإيراني" ينشغل نتنياهو في استثمار جهود الأمريكان في مؤتمر وارسو لصالح حملته الانتخابية استعدادًا للانتخابات المقرر اجراؤها في أيلول/ سبتمبر المقبل، هكذا فُسرت تحركات زعيم حزب الليكود من قبل الخصوم في الداخل الإسرائيلي.

ففي تغريدة على الحساب الشخصي لتسيبي ليفني رئيسة حزب الحركة "هاتنوعا" وزعيمة المعارضة في الكنيست، وبخت بين طياتها رئيس الحكومة بسبب تسريبه مقطع فديو لجلسة "عشاء القادة" في وارسو، معتبرة ذلك دعاية مبكرة للانتخابات القادمة، وذكرت أنها لم تقم مثل هذا التصرف لسنوات حين كانت على اتصال "هادئ" مع القادة العرب!.

لم تكن ليفني وحدها، فصحيفة هآرتس هاجمت نتنياهو هي الأخرى عبر مقال للكاتب تسفي برئيل، جاء تحت عنوان "قمة وارسو لن تنتج حلفًا قويًا ضد إيران ولكنها قد تعزز علاقات إسرائيل والدول العربية".

ذكر برئيل في مقاله، أن "وارسو فرصة لالتقاط الصور مع زعماء عرب لا تجمعهم علاقة رسمية مع إسرائيل، صور ستزين بالتأكيد لافتات الليكود"، مضيفًا "يمكن الآن توقع محتوى رزمة الهدايا التي سيعود بها من وارسو، ستتضمن كلمات عالية وتصريحات فارغة دون أي إنجاز حقيقي في ملف إيران".

على الجانب الآخر رفض مؤيدو الليكود الاتهامات التي وجهت لزعيمهم، متذرعين بتصريحات "كوشنر" مستشار الرئيس الأمريكي المكلف ببلورة "صفقة القرن"، حيث أكد كوشنر أن ملف عملية السلام سيطرح بعد الانتخابات الإسرائيلية في أيلول/ سبتمبر القادم، في إشارة إلى عدم إدخال قضايا إسرائيل المحورية في سباق التنافس الانتخابي.  

وبين مؤيد ومعارض ارتفعت أسهم نتنياهو الانتخابية في الشارع الإسرائيلي على صدى مؤتمر وارسو، هذا ما أكدته استبيانات الرأي حسب ما نقله الباحث الإسرائيلي ايدي كوهين الذي أبدى اندهاشه من كمية التجاوب العربي مع إسرائيل وانعكاساتها على الناخبين حيث وصف بعض وزراء الخارجية العرب بأنهم "صهيونيون أكثر من بن غوريون".

لم ير كيان الاحتلال الإسرائيلي هرولة بعض الدول العربية نحوه كما هرول "عرب وارسو" الذين تفرغوا لقضايا يحددها ترامب وصهره

قد يكون كوهين صادقًا بتوصيفه هذا، فلم يرَ كيان الاحتلال الإسرائيلي منذ أن رأى النور هرولة للعرب نحوه كما هرول "عرب وارسو" الذين عادوا فرحين بعد أن القوا في بولندا حمل القضية الفلسطينية التي أثقلتهم أعباءها متفرغين لقضايا أخرى يحدد أولوياتها، من واشنطن، ترامب وزوج ابنته!.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

إسرائيل تستضيف سباق "طواف إيطاليا".. الإمارات والبحرين تفوزان بجولة التطبيع

إمارات التطبيع.. وزيرة إسرائيلية في أبوظبي قريبًا