11-أبريل-2022
حرية التعبير

مواد كثيرة موروثة من نظام صدام حسين (فيسبوك)

مع كل حادثة تستهدف الصحفيين والنشطاء والمحللين السياسيين في العراق من خلال دعاوى وأوامر إلقاء قبض، يُعاد الجدل حول المادة 226 من قانون العقوبات العراقي الخاصة بـ"إهانة السلطات"، والتي يعتبرها نشطاء ومنظمات حقوقية أنها استمرار لتوظيف بعض المواد المشرّعة في فترة النظام السابق للتضييق على الحريات الصحفية وحق التعبير عن الرأي. 

رأى قانونيون أنّ المادة 226 من قانون العقوبات النافذ لا تنسجم مع الوضع الحالي للبلاد في ظل الدستور العراقي الجديد كون المادة قد شُرعت في زمن نظام صدام حسين

ومؤخرًا أوقفت السلطات بث برنامج تلفزيوني يقدمه الإعلامي أحمد ملا طلال، وأصدرت أوامر بالقبض عليه مع الفنان إياد الطائي، بعد حلقة تحدثت عن الفساد في الجيش العراقي، فيما أنهيت خلال الأسبوع نفسه خدمات الإعلامي صالح الحمداني من شبكة الإعلام العراقي بسبب منشور له على "فيسبوك".

ورأى قانونيون أنّ المادة 226 من قانون العقوبات النافذ لا تنسجم مع الوضع الحالي للبلاد في ظل الدستور العراقي الجديد كون المادة قد شُرعت في زمن النظام السابق، ولكن المحكمة الاتحادية المسؤولة عن مراجعة التشريعات التي يُطعن بدستوريتها لم تنقض المادة واعتبرتها "منسجمة مع مواد الدستور الخاصة بالحقوق والحريات".

وسبق للمحكمة الاتحادية أن ردّت ثلاث دعاوى للطعن بهذه المادة، حيث كان آخرها الدعوى 116/اتحادية/2021 في الأشهر الماضية، والتي ردّت بوصفها مادة لا تتنافى ولا تتقاطع مع الدستور، وفقًا للخبير القانوني حيان الخياط الذي يلفت إلى أنه "كان من الأفضل للمُشرع أن يضع كلمةً أكثر تحديدًا في النص القانوني لأن مفردة إهانة تعبير واسع جدًا ويتحمل الكثير من التأويل".

ويقول الخياط لـ"ألترا عراق": "إذا كنا نُعلي من شأن حرية الرأي، فينبغي إلغاء هذه المادة كونها تقيد حرية التعبير بالنسبة للمواطنين والإعلاميين على وجه الخصوص، لأنّ أي نقد قد يفسر على أنه إهانة والمعيار فضفاض هنا" مشيرًا إلى أنّ "الطريقة الوحيدة المتبقية لمعالجة هذا النص القانوني هي الضغط على البرلمان بأيّ طريقة كانت لإلغائها بتشريع بديل أو إحداث تعديلات على النص نفسه".

وشهدت السنوات السابقة، ولا سيما بعد تصاعد الحراك الاحتجاجي، صدور عدد من مذكرات القبض بحق الناشطين المدنيين والصحفيين وفقًا للمادة الخاصة بـ"إهانة السلطات"، نتيجة لتوجيههم النقد لبعض الظواهر السلبية المتعلقة بعمل مؤسسات الدولة، حيث كان أبرزها مذكرات اعتقال بحق المحلل السياسي إبراهيم الصميدعي والباحث يحيى الكبيسي، فضلًا عن توظيف مواد قانونية مشابهة لفصل عدد من الصحفيين العاملين في مؤسسات الدولة كالشاعر والصحفي أحمد عبد الحسين والإعلامي صالح الحمداني مؤخرًا.

ويرى مراقبون أنّ استمرار العمل بمثل هذه المواد القانونية يعبّر عن استمرار مقصود للذهنية الاستبدادية في التعاطي مع الآراء على الرغم من مرور عقدين على تأسيس ما يسمى بـ"النظام الديمقراطي".

ويقول الباحث والناشط ساطع عمار، إنّ "الكثير من الناشطين السياسيين والمحتجين صاروا ضمن مصيدة المادة 226 خصوصًا بعد اندلاع احتجاجات تشرين، مضيفًا لـ"ألترا عراق"، أنّ "مصير حرية التعبير عن الرأي متعلّقة بهذه المادة بوصفها سلاحًا كاتمًا على شكل نص قانوني". 

وكثفت عدد من المنظمات العاملة في مجال الحقوق والحريات في الفترة الماضية من نشاطها الاحتجاجي لإلغاء المواد التي تتعارض مع مواد الدستور الخاصة بالحريات المدنية والسياسية، بينما انضوت 55 منظمة مجتمع مدني في تحالف سمي بـ"تحالف المادة 38"، وهي المادة الدستورية التي تكفل حرية التعبير عن الرأي وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي في الدستور العراقي. 

وكانت أبرز نشاطات تحالف المادة 38 المطالبة بمعالجة المواد المشرعة منذ صعود حزب البعث إلى السلطة عام 1969، وعلى رأسها المادة 226 النافذة إلى اليوم، فضلًا عن مطالبتها إيقاف تشريع قانون "الجرائم المعلوماتية" الذي وصفه التحالف بـ"الساعي لفترة المخبر السري". 

يقول قانونيون إن الدستور العراقي أعطى الحق في التعبير لكنه لم يعمل على حماية هذا الحق بتشريعات كان من المفترض أن يتم تشريعها

في ذات السياق، يطالب الناشط السياسي ساطع عمار الكيانات السياسية المنبثقة عن احتجاجات تشرين بتوفير دعم سياسي لجهود معالجة المواد المقيدة للحريات، قائلًا إنه "من الغريب أن الكيانات المنبثقة عن تشرين لم تتناول إلى اليوم موضوعة هذه المواد الخطرة على قيم الديمقراطية ولم نرى منها الحراك الجاد في هذا الاتجاه سوى الكتابة في مواقع التواصل الاجتماعي". 

 

وتضييق مساحة حرية التعبير لا يقتصر على المادة 226 من قانون العقوبات، بل يأتي ضمن مجموعة كبيرة جدًا من التشريعات التي تمثل أيديولوجيا حزب البعث المنحل، إذ يحصي المرصد النيابي العراقي أكثر من 4000 قرار وقانون ضمن قانون العقوبات لعام 1969 وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل، وهي برأيه "تحتاج إلى معالجة أو إلغاء"، كما يؤكد أنّ "هذا الكم الهائل من القوانين يواجه فقرًا تشريعيًا كبيرًا من قبل مجلس النواب حيث اقتصرت الدورة السابقة على تشريع 91 قانونًا فقط على مدى أربع سنوات من عمر الدورة".

وعلى الرغم من أنّ الدستور العراقي قد كفل في بعض مواده حرية التعبير بمختلف الأساليب والوسائل، إلا أنها بقيت شبه معطلة، حيث تستطيع السلطات أن توظف الموادة المشرعة في عهد النظام السابق لتجريم أيّ نقد يوجه لها، بحسب قانونيين.

ويقول الخبير القانوني جمال الاسدي إنّ "الدستور أعطى الحق في التعبير لكنه لم يعمل على حماية هذا الحق بتشريعات كان من المفترض أن يتم تشريعها"، مضيفًا أنّ "المادة 38 من الدستور لا تشكل ضمانًا حقيقيًا كافيًا لحرية الصحافة والنشر، فهذه الحقوق مشروطة باحترام النظام العام والآداب، وهذا يحد من النطاق التنفيدي للحق ويتيح للسلطة تقييد أنواع معينة من التعبير". 

أما عن الآليات الأخرى التي قد تتبعها السلطة لتقييد حرية التعبير ولا سيما حرية النشر، فهناك ترسانة كبيرة من المواد القانونية التي تجرّم بشكل واضح الصحافة والنشر وحق التجمع، كما يشير الأسدي إلى أنّ "فقرات قانون العقوبات 111 لسنة 1969 يجعل من الاستحالة ممارسة حرية التعبير دون الوقوع تحت طائلة القانون، مؤكدًا أنّ "بقاء الفقرات المذكورة في قانون العقوبات يبقي الحق في التعبير محفوفًا بالمخاطر حتى مع عدم استخدامها حاليًا حيث يمكن للسلطات أن تعود إلى استخدامها في الوقت الذي تريد".

المادة 38 من الدستور لا تشكل ضمانًا حقيقيًا كافيًا لحرية الصحافة والنشر

ويمكن تلخيص المواد الأكثر خطورة وتعارضًا مع الدستور العراقي بـ17 مادة قانونية، هي المواد 82 و83 و179 و200 الخاصة بتجريم النقد والتي تتراوح عقوبتها بين السجن لسنتين والسجن المؤبد،

بينما تصل عقوبة المواد 202 و227 و215 و225 و226 و229 و305 و327 و372 و404 و434 و435 و437 الخاصة بحرية النشر والفكر والرأي السجن لعدة سنوات وصولًا إلى الحكم بالإعدام، وفقًا للخبير القانوني جمال الأسدي.