بعد أن قرّرت رئاسة مجلس النواب العراقي، في الجلسة الأولى للدورة البرلمانية الخامسة فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية لمدة 15 يومًا وهي المدة الدستورية لاستلام الترشيحات، بادرت عدة شخصيات بتقديم أوراقها للمنصب، بينهم سياسيون ومواطنون عرب وكرد.
يرى رئيس مركز التفكير السياسي أنّ تقاسم السلطة هو من يقرّر رئيس الجمهورية وليس الكفاءة أو الخبرة أو المميزات التي يتمتع بها الأشخاص
لكنّ المستغرب بالأمر هو انعدام فائدة الترشيح من قبل مواطنين وسياسيين ليسوا من ضمن دائرة الحزبين الكرديين الأكبر في إقليم كردستان، وهم الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، كون العرف السياسي في العراق منذ 2005 لم يخرج عن قاعدته بمنح القوى الكردية هذا المنصب، وفقًا لمبدأ "المحاصصة" بين الشيعة والسنة والكرد.
شاهد: تغطية لهذا الملف والملفات الإخبارية الراهنة عربيًا ودوليًا على شاشة التلفزيون العربي أخبار
ومنذ أول تشكيل دستوري لنظام ما بعد 2003 وإلى الآن، يستمر الأمر بحصر رئاسة الحكومة لـ"الأحزاب الشيعية" التي تشكل الكتلة الأكبر، أو تنبثق منها، فيما يكون منصب رئاسة البرلمان حصة لـ"الأحزاب السنية"، ورئاسة الجمهورية لـ"الأحزاب الكردية".
وعلى مدى الدورات الانتخابية الأربع الماضية، تعاقب 3 رؤساء للجمهورية من الكرد، جميعهم من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، حيث شغل الأمين العام للحزب جلال الطالباني المنصب لدورتين متتاليتين، ثم خلفه القيادي بالحزب نفسه فؤاد معصوم في العام 2014، ويليه في 2018 الرئيس العراقي الحالي برهم صالح، بعد منافسة محمومة مع منافسه، مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني فؤاد حسين.
والحزبان الكرديان يتنافسان الآن على المنصب نفسه بعد انتخابات العاشر من تشرين الأول/أكتوبر بتمسك حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في التجديد لبرهم صالح، فيما قدم الحزب الديمقراطي الكردستاني، وزير الخارجية والمالية الأسبق، القيادي هوشيار زيباري، مرشحًا منافسًا، بيد أن الأمر لم يحسم بعد نتيجة المفاوضات القائمة.
اقرأ/ي أيضًا: الاتحاد الوطني: لا توافق إلى الآن بين الحزبين الكرديين بشأن رئاسة الجمهورية
وبحسب الأمين العام لمجلس النواب العراقي سيروان سيريني، في تصريحات صحافية، تابعها "الترا عراق"، فإنّ عدد المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية هو أقل من 30 مرشحًا، 11 مرشحًا منهم من الكرد.
وفتح الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية يعد نصًا دستوريًا كفله الدستور العراقي لجميع المواطنين، بحسب رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري الذي يستدرك "لكنّ أن يكون محسومًا بين الحزبين الكرديين هذه نقطة تختلف عن الدستور"، مبينًا أنّ "منصب الرئيس ليس حقًا مكتسبًا لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني أو الديمقراطي الكردستاني، لكون المنصب تم منحه للمكون الكردي وفقًا للعرف السياسي في العراق منذ 2003 ضمن تقاسم السلطة بين القوى والأحزاب السياسية التقليدية".
واختيار المرشحين للرئاسات الثلاث يتطلب ائتلافًا حاكمًا لحسم ترشيحهم، وهو ما يدلّ ـ بحسب الشمري ـ على استمرار المحاصصة بين "السنة" و"الشيعة" و"الكرد"، وبالمقابل يجعل الأحزاب الكردية تهيمن على المنصب كما هو حال الأحزاب السنية لمنصب رئيس البرلمان والشيعية لرئاسة الحكومة".
ويقول الشمري لـ"ألترا عراق"، إنّ "الترشيح هو حق لكل شخص، وليس لأي جهة أو حزب حق وصلاحية منع أي مواطن يرغب بالترشح، خصوصًا وأن نص الترشيح يختلف كثيرًا عن ترشيح رئيس البرلمان الذي يشترط فوز المرشح بعضوية المجلس، فضلًا عن أن المرشح لرئاسة الحكومة يجب أن يكون من الكتلة الأكبر حصرًا".
ولفت الشمري إلى أنّ "تقاسم السلطة هو من يقرّر رئيس الجمهورية وليس الكفاءة أو الخبرة أو المميزات التي يتمتع بها الأشخاص، ما يعني أن حسم المنصب دائمًا محصور بدائرة الحزبية فقط".
ووفقًا للدستور العراقي، فإنّ الشروط المثبتة للمرشح لمنصب رئيس الجمهورية أن "يكون عراقيًا بالولادة ومن أبوين عراقيين، كذلك أن يتمتع بكامل الأهلية، وأتم الأربعين سنة من عمره، كما يجب أن تتوفر في المرشح سمعة حسنة وخبرة سياسية، وأن يكون من المشهود له بالنزاهة والاستقامة والعدالة والإخلاص للوطن".
ومن الشروط أيضًا أن "لا يقل تحصيل المرشح الدراسي عن الشهادة الجامعية الأولية المعترف بها من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق، كما يجب أن يكون غير محكوم بجريمة مخلة بالشرف"، كما يجب "ألا يكون من المشمولين بأحكام إجراءات قانون المساءلة والعدالة، أو أية إجراءات تحل محلها".
ويتفق الكاتب والمحلل السياسي، سامان نوح، بأن فتح الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية هو حق كفله الدستور لأي مواطن تتوفر فيه الشروط، مبينًا أنّ "هناك نحو 30 مرشحًا قام بتقديم أوراقه للمنصب وهذا يدل على ضرورة إيجاد ما يمكن تسميته بمنع أي شخص من الترشح لمجرد وجود الشروط فيه".
ويقول نوح لـ"ألترا عراق"، إنه "يجب وضع مسطرة لشروط الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية وتتكفل لجنة تقوم بفرز المرشح المقبول من عدمه"، لافتًا إلى أنّ "المنصب يعتبره حزب الاتحاد الوطني الكردستاني حصته ضمن العرف السياسي القائم لتقاسم السلطة وساريًا منذ تكليف رئيسه جلال طالباني منذ عام 2005 وحتى وفاته".
وبينما أشار نوح إلى أنّ "المشكلة الآن تتمثل بعدم حصول حزب الاتحاد الكردستاني على عدد مقاعد كبير يمكنه من الظفر بالمنصب، على عكس الحزب الديمقراطي الذي حقق مقاعدًا كبيرة يعتقد أنها تجعلها الأحق بالحصول على منصب رئيس الجمهورية هذه الدورة"، أكد أنّ هذا "الطرح غير واقعي تمامًا، لأنه سيقصي الاتحاد الوطني وحرمانه من أي منصب قيادي سواء في حكومة بغداد أو كردستان ولن يكون لديه أي موقع فعال".
وبحسب نوح، فإنّ "الإقصاء لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يملك المال والسلاح والمقاتلين والأراضي الكبيرة سيجعله بعيدًا عن المشاركة بصنع القرارات، ما سيغضبه بشدة وهو ما يجعله لن يتنازل بسهولة"، معتقدًا بأن "هذا الوضع سيدفع الاتحاد الوطني للاتجاه نحو تعكير التوازن الحاصل في كردستان واتخاذ خطوات تصعيدية لتعزيز حالة الإدارتين في الإقليم وتقوية مكانته المادية والسياسية والإدارية مستقبلًا بالشراكة مع الديمقراطي الكردستاني، بل بالإمكان اتجاه الاتحاد نحو ولادة إقليم جديد يضم السليمانية وكركوك وحلبجة وهي مناطق يسيطر عليها بقوة".
وكان الحزبان "الديمقراطي" و"الاتحاد الوطني"، قد أعلنا عن اتفاق لخوض مفاوضات تشكيل الحكومة والمناصب في بغداد من خلال وفد مشترك، لكن الاتفاق سرعان ما انهار مع أول جلسة للبرلمان، عندما قاطعت كتلة الاتحاد (17 مقعدًا) الجلسة أثر تقديم كتلة الحزب الديمقراطي (31 مقعدًا)، مرشحها لمنصب نائب رئيس البرلمان.
وأي اختلال بين الحزبين الكرديين في بغداد سينتح وبشكل مباشر اختلالًا أكبر في إقليم كردستان وسيلقي بآفاق سلبية على الإقليم، وفقًا لنوح الذي يشير إلى أنّ "الصراع بين الطرفين سيفضي لتقديم مرشح تسوية حيث سيكون ذلك بانسحاب مرشح الحزب الديمقراطي هوشيار زيباري في اللحظات الأخيرة، بمقابل انسحاب مرشح الاتحاد الوطني برهم صالح، ليتمّ طرح مرشح التسوية لطيف رشيد أو حاكم رزكار، وسيفوز أحدهما برئاسة المنصب".
ويؤكد نوح أنّ "اتفاق التسوية سيؤدي لاستمرار الحزبين بأضعاف بعضهما بترشيح شخصيات ضعيفة لمناصب مهمة فقط من أجل المصالح الحزبية الضيقة"، لافتًا إلى أنّ "خسارة الحزبين لترشيح شخصيات قوية من الصف الأول مثل برهم صالح وهوشيار زيباري، يعد خسارة وضعف تمثيل كبير للمكون الكردي في بغداد يختلف عن المرحلة السابقة لعدم حضور الكاريزما والتأثير وقدرة مسك الخيوط السياسية، كما يمكن أن يفعلها صالح أو زيباري مقارنة بضعف رشيد ورزكار".
يرى سامان نوح أنّ أي اختلال بين الحزبين الكرديين في بغداد سينتح وبشكل مباشر اختلالًا أكبر في إقليم كردستان
وأضاف نوح أنّ "القوى الكردية دائمًا تحركها مصالحها الحزبية التي نفسها قد جعلتها تخسر إدارة محافظة كركوك في السنوات الماضية خلال وجود مجالس المحافظات، حيث لم يحصل أي اتفاق كردي على مرشح لمنصب المحافظ بعد 2017 حين أنهيت خدمات المحافظ السابق نجم الدين كريم، بسبب موقفه من استفتاء انفصال كردستان"، مشيرًا إلى أنّ "ما حصل هو رفض كل حزب لمرشح الحزب الآخر ليستمر الوضع عالقًا إلى أن تم تكليف راكان الجبوري، ما يشير لاستمرار خسائر الأطراف الكردية بسبب الصراع الدائم حول رئاسة الجمهورية بشكل أساسي".
اقرأ/ي أيضًا:
اليكتي يتمسك بولاية ثانية لبرهم صالح.. لماذا يعترض حزب بارزاني؟
تأجيل البت بدعوى الطعن في جلسة البرلمان الأولى إلى 25 كانون الثاني