04-مايو-2022
البرلمان

مع الدقائق الأولى لنشر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، دعوته إلى المستقلين لتشكيل الحكومة، بدأت نقاشات واسعة من المتوقع أن تستمر أيامًا وليالٍ في محاولة إنضاج موقف من المبادرة.

 

مَن هم "المستقلون"؟

منذ إعلان نتائج انتخابات تشرين الأول/ أكتوبر 2021، درج إطلاق مفردة "المستقلين" على النواب الذي فازوا بعد ترشيحهم بشكل منفرد، خارج القوائم الانتخابية الحزبية، إضافة إلى الأحزاب التي شاركت للمرة الأولى في الانتخابات، وكانت على صلة بحراك التظاهرات مثل حركة "امتداد" برئاسة علاء الركابي، أو حتى تلك التي سبق أن شاركت في عمليات انتخابية سابقة، لكنها تُظهر مواقف معارضة للحكومات المحلية والاتحادية، كحزب "الجيل الجديد" برئاسة شاسوار عبد الواحد.

يمكن الحديث عن نحو 30 نائبًا مستقلاً يتركون مسافة واضحة بينهم وبين الأحزاب والفصائل الحاكمة، ويتبنون بوضوح مطالب إصلاحية

ولا يُظهر جميع النواب المُنفردين، سلوكًا مطابقًا لوصف "المستقلين" بالضرورة، كما في نوابٍ منفردين، ترشحوا خارج الأحزاب والفصائل في محافظة البصرة، لكنهم أظهروا مواقف متماهية مع توجهات سياسية معروفة.

وساهم تربّع البصرة على قائمة جرائم الاغتيال، في هجرة الشخصيات المستقلة أو انكفائها، وابتلع مرشحون على صلة بجهات سياسية حصة جمهور المستقلين في المحافظة التي يحكمها منذ 5 أعوام أسعد العيداني، رئيس حركة "تصميم" المنضوية في الإطار التنسيقي.

النواب المستقلين

وفي المُجمَل، يُمكن الحديث عن نحو 30 نائبًا مستقلاً يتركون مسافة واضحة بينهم وبين الأحزاب والفصائل الحاكمة، ويتبنون بوضوح مطالب إصلاحية، على صلة بالتظاهرات، كمحاسبة المتورطين بجرائم القتل السياسي، والقمع، إضافةً إلى مكافحة الفساد وإيقاف انهيار الواقع الخدمي.

 

الإخفاقات الثلاثة

فشل البرلمان بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية 3 مرات، بسبب عدم اكتمال نصاب الجلسة، في ظل مقاطعة القوى المقربة من إيران وشخصيات أخرى للجلسات.

في 7 شباط/ فبراير، حوّلت رئاسة البرلمان الجلسة التي كانت مخصصة لانتخاب الرئيس إلى تداولية، بسبب عدم تحقق نصاب عقد الجلسة الاعتيادية بـ 165 نائبًا، فضلاً عن نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.

في 23 آذار/ مارس، أعلنت القوى الثلاثة تشكيل تحالف "إنقاذ وطن" العابر للمكونات، الذي يضم التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، وتحالف السيادة بزعامة محمد الحلبوسي وخميس الخنجر، بعدد مقاعد يصل إلى 178 من أصل 329.

واعترضت قوى الإطار الشيعي على المشروع، وطالبت الصدر بالعودة إلى "البيت الشيعي" لحسم ملف الحكومة.

في 26 آذار/ مارس، كاد "التحالف الثلاثي" أن يحسم الأمر، حين وصل عدد الحضور إلى 202 نائبًا، وكان "الثلاثي" حينها بحاجة إلى 18 نائبًا فقط ليشق طريقه نحو حصد رئاستي الجمهورية والحكومة.

وشكّل انضمام نحو 20 نائبًا من المستقلين للجلسة، فارقًا دراماتيكيًا في الصراع بين "الثلاثي" وخصومه، وتحوّل المستقلون بالفعل، إلى "بيضة قبان".

وكان معظم المنضمين ينتمون إلى تحالف "من أجل الشعب" الذي يضم حركتي "امتداد" و"الجيل الجديد".

البرلمان

في الجلسة الثالثة، 30 آذار/ مارس، تدهورت أوضاع "التحالف الثلاثي" مع انسحاب عدد من نواب الأحزاب السنيّة أو ما عُرِف بـ "مجموعة مثنى السامرائي"، التي انضمت إلى جهود الإطار الشيعي في كسر نصاب الجلسات، كما تراجع المستقلون، ليصل عدد الحاضرين إلى 178 يمثلون فقط أعضاء "التحالف الثلاثي"، وحينها أعلن الصدر التوقف عن محاولة جمع النصاب، ومنح خصومه في الإطار التنسيقي 40 يومًا طالبهم خلالها بإبرام تحالفات تمكنهم من جمع 220 نائبًا لإنهاء الانسداد، وهو ما لم يتمكن الإطار من جمعه حتى الآن، مع تبقّي نحو أسبوع على نهاية المهلة.

وخلال أقل من 24 ساعة، تلقى المستقلون دعوتين مفاجأتين، لترشيح رئيس الوزراء في الحكومة المقبلة.

 

المستقلون بين العرضين الصدري والإطاري

عند منتصف ليل الثلاثاء على الأربعاء، قال الإطار التنسيقي إنه يقترح على المستقلين، تقديم مرشح لتشكيل الحكومة المقبلة، على أن "ينال دعم جميع الكتل الشيعية".

وبدت ملامح المناورة وعدم الجدية بشكل واضح في عرض الإطار، الذي قدمه في الفقرة الرابعة، ضمن مبادرة مطوّلة كانت موجهة بشكل أساس لزعيم التيار الصدري وحليفيه.

ولم تتحدث مبادرة الإطار عن أيٍ من اعتراضات المستقلين على قوى وفصائل الإطار، ومن بينها ملفات الاغتيالات والفساد والقمع، وبدت المبادرة خطابًا من طرف واحد، وأخذت لغة التفاهم السائدة بين الأحزاب التقليدية، دون أن ترقى إلى مستوى التفاهم مع قوى احتجاجية معارضة.

بدت ملامح مناورة وعدم جدية في مبادرة الإطار فيما اتسمت مبادرة الصدر بالانفعال 

مساء الأربعاء، تلقى المستقلون عرضًا أكثر وضوحًا لجهة تطرقه إلى مزيد من التفاصيل، حين طالب الصدر المستقلين بتشكيل كتلة لا تقل عن 40 نائباً، ولا تضم أيًا من نواب الإطار التنسيقي.

افترض الصدر أن لدى تحالفه 180 نائبًا، وهو رقم قريب من آخر نصاب حققه التحالف (178)، ليُضاف إليهم 40 مستقلاً في الكتلة المفترضة، مشكلين الأغلبية المطلوبة لانتخاب الرئيس بـ 220 نائبًا.

الصدر المالكي

ووفقًا للصدر، فإن العرض الأخير صدر بعد موافقة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة، وأن التحالف بعناصره الثلاثة، سيصوّت لحكومة المستقلين، التي سيتنازل فيها الصدر عن حصته في الحقائب الوزارية لصالح المستقلين.

 

فراغات في مبادرة الصدر وسيناريو محتمل

لم تكن لهجة المبادرة بعيدًا عن الانفعال، تحت تأثير التعنّت الإطاري على الأرجح، فلم يوجه الصدر دعوة لإبرام تحالف واضح المبادئ مع المستقلين، بل تحدث إليهم بعبارة "على المستقلين الالتحاق بتحالفنا الأكبر"، كما قال في رسالته إنّه "سيبلغ المستقلين ببعض تفاصيل حكومتهم المفترضة في وقت لاحق".

ولم يوضح الصدر ما إذا كان على المستقلين، الالتزام بانتخاب مرشح "الثلاثي" لمنصب رئيس الجمهورية، عضو الديمقراطي الكردستاني، ريبر أحمد، فنص المبادرة تحدث عن "تنازل الصدر عن وزاراته فقط" ولم يتحدث عن تنازل بقية الشركاء عن حصصهم لصالح المستقلين.

وقفزت مبادرة الصدر –كما الإطار- فوق الملفات الإشكالية الكثيرة بين التيار الصدري وجمهور القوى المستقلة، وعلى رأسها ملف القمع في احتجاجات تشرين، والفساد، وغيرهما.

ولم تحمل المبادرة صيغة عرض للتفاهم أو الشراكة، مبنيّ على التفاهم والمراجعة والتعهدات، بل أخذت شكل "صفقة سريعة" تتعلق فقط بعبور مأزق نصاب جلسة انتخاب الرئيس، وهو ما سيصعّب مهمّة المستقلين في تسويق الفكرة إلى جمهورهم، وقد يحتاج الطرفان (المستقلون والتيار) إلى عقد جلسات ومؤتمرات علنية، للغوص أكثر في الملفات الإشكالية بين الطرفين، ومقترحات تجاوزها.

وفيما لو تعامل الطرفان بجدية مع المبادرة، فسيحتاجان إلى عقد تفاهم أيضًا على منصب الرئيس، والإجابة على سؤال: هل تنحصر مسؤولية المستقلين الأربعين بتحقيق نصاب جلسة الرئيس؟ وهل يحق للمستقلين تقديم مرشح لمنصب رئيس الجمهورية، أو دعم مرشح آخر؟ أم أن التفاهم الذي يفترضه الصدر، يشترط دعم المستقلين لريبر أحمد.

وسيكون من الصعب توقّع تنازل الحزب الديمقراطي عن سعيه لنيل منصب رئاسة جمهورية العراق، بعد أن خاض معركة "كسر عظم" مع شريكه الاتحاد الوطني الكردستاني، استمرت أشهرًا، خاصةً وأنّ الحزب يجرب السعي للحضور بهذا المستوى في بغداد للمرة الأولى.

 

ارتباكات المستقلين

حتى الآن، ليس ثمة كتلة مستقلة يمكن تحديدها والتعامل معها بوصفها طرفًا مفاوضًا وازنًا، فالنواب الفائزون لم يخوضوا تجربة النيابة سابقًا، ومنهم مَن يخوض في السياسة للمرة الأولى، وقد جاء كثير منهم من خلفيات بعيدة عن السياسة، ووصلوا إلى مقاعدهم في أجواء مُرتبكة فرضتها حملات القمع والاغتيالات أثناء تظاهرات تشرين وصولاً إلى ما قبل الانتخابات.

وفي أول تجربة لإعلان تحالف مستقلين، وهو "تحالف من أجل الشعب" أخفق المستقلون في الالتئام ضمن تحالف واحد، واقتصر التحالف الوليد على حركتين هما "امتداد" والجيل الجديد"، بينما بقي معظم المستقلين متفرقين أو منضوين في تكتلات صغيرة لا يتجاوز عدد أعضاء بعضها أصابع اليد.

علاء الركابي

كما أن أجواء الثقة بينهم في مستويات متدنية وفق ما تكشفه أحاديثهم الخاصة للصحافة، فيما تهدد أجواء المنافسة والرغبة في التصدر، أي إمكانية لتفاهمات هادئة، تنتج مواقف واضحة إزاء التحديات والاختبارات، ومن بينها العرضان الصدري والإطاري.

ويُمكن القول إنّ كثيرًا من المستقلين، لم يكونوا متهيئين لأجواء المسؤوليات السياسية، خاصة وأنهم وُضِعوا أمام اختبارات صعبة، كالموقف من المشاركة في جلسات انتخاب الرئيس، حيث تشير مشاركة المستقل أو مقاطعته إلى انحيازه نحو أحد طرفي النزاع، الإطار والتيار الصدري.

أخفق المستقلون حتى الآن في الالتئام ضمن تحالف واحد وستتحول فكرة التفاهم مع الجمهور إلى واحدة من أهم التحديات التي ستواجههم

وأثقلت بعض الحركات كاهلها بتصريحات مُتعجلة، وتعهدات مبكرة لجمهورها، كما في إعلان التوجه للمعارضة منذ الساعات الأولى لإعلان النتائج، وقبل أن يتضح مسار الأحداث.

وأظهرت قوى جديدة، كحركة امتداد، ارتباكًا في تسويق مواقفها، حيث شارك بعض أعضاء الحركة في انتخاب رئيس البرلمان، دون الإعلان عن ذلك، وهو ما تسبب لاحقًا بانشقاق قائمة طويلة من أعضاء الحركة، الذين اتهموا رئيسها بالانقلاب على تصريحاته السابقة.

ولم تُفلح القوى المستقلة، التي تبعثرت بين الإطار والتيار، بإبرام تفاهم واضح ومعلن وندّي مع أي من القوى الرئيسية المتصارعة، واكتفت باتخاذ خطوات مجانية، اكتشفت لاحقًا أنّها صبّت في صالح أحد الطرفين المتصارعين.

ومع عدم وضوح عبارة "المستقلين"، سيكون متوقعًا أن تنشغل الأوساط في جدل اصطلاحي، قد يستمر طويلاً، حول التفريق بين النواب والقوى "المستقلة" عن السلطة، والنواب "الذين ترشحوا بشكل فردي".

وكما في السباق بين الإطار والتيار لتحقيق نصاب الجلسات، لن يكون مُستبعدًا أن تخوض عدة أقطاب من داخل القوى المستقلة، سباقًا لكسب زملائهم وتشكيل كتلة الأربعين التي اشترطها الصدر، مهرًا لتنازله عن رئاسة الحكومة.

وعلى الأرجح، ستتحول فكرة التفاهم مع الجمهور، إلى واحدة من أهم التحديات التي ستواجه المستقلين، نظرًا لبيئتهم الانتخابية الاحتجاجية، والتي تنزع نحو أدوار المعارضة، ولا تتقبل فكرة إبرام صفقات مع الأحزاب الحاكمة.

ومنذ إعلان المبادرتين، تشكك أوساط كثيرة قريبة من المستقلين، بمدى جدية الفكرتين، وتعتبرهما فصلاً جديدًا من المناورات بين التيار الصدري والإطار، وتطالب تلك الأوساط بتنحية المستقلين عن التحوّل إلى ورقة مساومات بين كبار قوى السلطة والمال والسلاح، لكن دعوات أخرى تركز على اعتبار المبادرتين، فرصة لتمرين المستقلين على العمل الجماعي، بغض النظر عن الموقف النهائي من العرضين.