16-مارس-2023
التعليم

من أسباب ضعف التعليم في العراق (فيسبوك)

تعاني الأسر العراقية ذات الدخل المحدود من ظاهرة التدريس الخصوصي التي أخذت تزداد بشكل ملفت في العراق، حيث تشكل ثقلًا مضاعفًا يرهق ميزانية هذه الأسر، ويحرمها من جملة الحوافز التي يقدمها التدريس الخصوصي مقارنة بالتدريس الحكومي. 

تقول التربية إن ظاهرة التدريس الخصوصي هي واحدة من التحديات التي تواجهها

وتحسبًا عن التخلف في السداد يشترط المدرسون والمدرسات الخصوصي على تسديد الأجور مقدمًا، ما يدفع الكثير من الأسر العراقية، أما اللجوء للاقتراض أو العزوف عن التدريس الخصوصي، والنتيجة هي زيادة معدلات الرسوب في صفوف الطلاب من ذوي الدخل المحدود.

وتفيد بعض الأسر  بأنه كلما "كان مدرس المادة في المدرسة الحكومية هو من يشرف على الدرس الخصوصي، كان النجاح يسيرًا"، ما يدفعها إلى أن تسجيل الأبناء عند المدرسين الذين يقومون بتدريس أبناءهم في المدارس الحكومية بالوقت نفسه. 

ماذا تقول التربية؟

في 14 أيار/مايو من العام الماضي، قالت وزارة التربية إنها نظمت قبل 4 أعوام، دورات تقوية صيفية في مدارس المتميزين ولجميع تلاميذ المدارس، قائلة إنها خطوة لـ"الحد من ظاهرة التدريس الخصوصي".

التدريس الخصوصي في العراق

وترى وزارة التربية أن ظاهرة التدريس الخصوصي من "التحديات المهمة"، التي تواجهها منذ سنوات طويلة، كما تعترف بأنها تتمدد وموجودة حتى هذه اللحظة، خاصة للمراحل المنتهية.

ويزعم المتحدث باسم الوزارة، كريم السيد، أنّ "الوزارة كانت لديها في سنوات سابقة ضوابط صارمة بالنسبة لهذه الظاهرة، مبينًا "كانت تستقبل الشكاوى التي يكون فيها الابتزاز بين المعلم وطلبته، خاصة ممن يقومون بفرض الأموال أو إجبار الطلبة على التدريس الخصوصي في قبال الساعات التي هم مكلفون بالأصل بها".

لكن السيّد يبرّر تفاقم الظاهرة بقوله، إنّ

 "اللجان التحقيقية التي شكلت رغم كثرتها ربما لم تكن رادعًا لهذه الظاهرة". 

ويقول السيد لـ"ألترا عراق"، إن الوزارة "لديها قرارات مهمة للغاية بالأشهر الثلاثة الماضية، مرجعًا ذلك إلى إيقاف "الإجازات للمدارس والمعاهد الأهلية، وتشكيل لجان للمراجعة لأجل تقويمها وتقويتها لتكون بديلًا وساندًا للتعليم الحكومي، بالإضافة إلى توفير خيار آخر للتدريس الخصوصي يكون بإشراف وزارة التربية وضمن سقف التعليمات والأنظمة".

والقضاء على ظاهرة التدريس الخصوصي، يحتاج ـ والكلام للسيّد ـ إلى جهود كبيرة جدًا سواء على مستوى المراقبة من جهاز الإشراف أو البدء بعمل جدي وحقيقي بهذه الفترة وطرح برنامج حكومي"، مضيفًا "لدينا مجسّات حقيقية وغرف طوارئ لمتابعة هذه الحالات ونحن حريصون جدًا على مكافحة مثل هذه الظواهر". 

وتقر التربية بأن التدريس الخصوصي يشكل "ضاغطًا أساسيًا على التعليم فضلًا عن إرهاق كاهل الإسرة".

حلول غير مجدية

وتصدر وزارة التربية في كل عام توجيهات واضحة لجميع مديرياتها بإلزام المعلمين والمدرسين بعدم قيامهم بإعطاء الدروس الخصوصية، لكنّ الباحث والكاتب د.مزهر جاسم الساعدي، يرى عدم وجود التزام بهذه التوجيهات. 

ويقول الساعدي لـ"ألترا عراق"، إنّ "العديد من المعلمين والمدرسين لا يلتزمون بهذا التوجيهات ويمارسون ما اعتادوا عليه في كل عام، بل إنّ بعض المدرسين لا يترددون في نشر أوقات التسجيل لحضور هذه الدروس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يعني أن التوجيهات، أيًا كانت، إن لم تلحق بجهد رقابي تبقى مجرد توجيهات".

وعلى ما يبدو، فإنّ بعض أولياء الأمور، بحسب جاسم "قد اعتادوا على هذه القضية كونها جزءًا من ثقافة مجتمعية عامة، وصارت شائعة حتى أنها صارت مقبولة ويُبَرَّرُ لها".

وتعاني أغلب مدارس الأطراف والمدارس النائية من مشكلات عديدة، من بينها وفقًا للساعدي "الأعداد الكبيرة في الصف الواحد، فضلًا عن الشواغر التي تحصل في بعض الاختصاصات، وهذا بدوره يتطلب اهتمامًا خاصًا من الوزارة بتوفير الملاكات التربوية ليأخذ الطالب أو التلميذ استحقاقه الطبيعي من الدرس وفهمه".

وحول وجود العديد من الأسر الفقيرة ومحدودة الدخل في المناطق المذكورة أعلاه، يعتبر الساعدي أنّ "وزارة التربية تنظر  إلى هذه المدارس كما تنظر بالعين ذاتها إلى مدارس المدن التي تتوافر على الحدود المقبولة، وتساوي بين طلبة وتلاميذ تلك المدارس مع طلبة وتلاميذ المركز من حيث التنافس على الجامعات، أو مدارس المتميزين، وهذا بدوره قد يضعف فرص الطلاب أو التلاميذ في الالتحاق بالجامعات أو مدارس المتميزين. لذلك ظلت المعالجات في أغلبها غير مجدية ولم تحقق الفراق النوعي الذي يخدم الطلبة والتلاميذ".

اكتظاظ

 

وفي هذا المجال، كتبت العديد من الدراسات والبحوث، يقول الساعدي، ويستدرك "لكنها ظلت دون اهتمام من صانع القرار، مفترضًا أن "الإرادة النافذة والجدية في متابعة التعليمات الوزارية هي الأصل في حل جزء من هذا الموضوع، فضلًا عن تطوير أساليب التعليم وإدخال التقنيات التربوية الحديثة، ووصولها إلى المدارس جميعها، كل هذا قطعًا سيسهم في اختفاء هذه الظاهرة بشكل تدريجي".

ويقترح الساعدي "توفير البدائل التعليمية وتطوير مهارات المدرسين والمعلمين، من خلال اتباعهم طرائق جديدة قد تفضي إلى فهم المواد الدراسية، مبينًا "ولعل الأهم من ذلك هي الكيفية التي تربط بين استحقاق المعلمين والمدرسين لامتيازاتهم المالية، وربطها بنسب النجاح للصفوف التي بعهدة المعلم والمدرس".

وزارة التربية متورطة أيضًا

هناك جهات في وزارة التربية تعلم جيدًا أن أحد أسباب تدهور التعليم هو التدريس الخصوصي، بحسب التدريسي خالد المسعودي. 

لكن هذه الجهات، يرى المسعودي أنها "ضعيفة بسبب الفساد وقدرة الفاسدين بالتأثير على القرارات التي تصدر، لأنّ الكثير من المتنفذين بوزارة التربية لديهم معاهد للتدريس الخصوصي".

وخلال حديثه لـ"ألترا عراق"، يقترح المسعودي عدة إجراءات رادعة، منها "منع أي شخص يعمل في التدريس الحكومي بالعمل في التدريس الخصوصي أو الأهلي، مع صدور عقوبات صارمة في غلق معاهد التدريس الخصوصي لكل من يعمل بالمدارس الحكومية وأهمها الغرامات، ولا تترك أي ثغرة بالقانون الصادر في المنع".

بعض التدريسيين يتعمدون تقديم مادة دراسية ضعيفة من أجل إجبار الطلاب على أخذ الدروس الخصوصية

ويقترح خالد المسعودي كذلك "جعل زيادة في رواتب المدرسين في الاختصاصات العلمية خاصة، الذين يقومون بدورات في مدارسهم لطلاب المراحل المنتهية فقط في العطلة الصيفية".

وحل هذا الأمر ـ والكلام للمسعودي ـ بـ"تشكيل لجنة من 3 مشرفين في كل ناحية، وخمسة مشرفين في القضاء، وسبعة مشرفين في مركز المحافظة، وهؤلاء يتحملون مسؤولية من يعمل بالمعاهد الاهلية (وهو يدرس بالمدراس الحكومية)، ويقدمون تقريرًا شهريًا لمديريات التربية بأسماء العاملين في المعاهد الأهلية".

تجاهل للقانون

ولدى وزارة التربية، إعمام صادر من دائرة المفتش العام مرقم بـ963 في 12 كانون الثاني/يناير 2017، وكذلك أعيد إعمامه في 2019، وينص على "منع أي من الكوادر التدريسية من العمل بالتدريس الخصوصي". 

ويوضح القانوني، ساطع المسعودي، أنّ 

"الإعمام طالب إدارات المدارس بأخذ تعهدات في بداية كل عام دراسي من الملاكات التدريسية لمنعهم من هذا السلوك، إضافة إلى أنّ الجزاءات المفروضة خاضعة لقانون انضباط موظفي الدولة".

وينص الإعمام الصادر من الوزارة، كما بحسب المسعودي بأنّ "بعض التدريسيين يعمدون إلى تقديم مادة دراسية ضعيفة من أجل إجبار الطلاب على أخذ الدروس الخصوصية".

ويشير المسعودي إلى "تجاهل مديريات التربية وإدارات المدارس هذا الإعمام بشكل فاضح كما أن الوزارة والجهات الرقابية لم تمارس دورها في تتبع أثر هذا الإعمام".