14-مارس-2023
الأسواق

جدل حول من يتحمل المسؤولية (فيسبوك)

مثلَ كل عام، تشهد الأسواق المحلية في العراق ارتفاعًا ملحوظًا في الأسعار مع حلول شهر رمضان، وسط عجز حكومي لمنع التجار من التلاعب في الأسواق عند حلول المناسبات المختلفة في البلاد.

ارتفاع الأسعار عمومًا وخاصة المواد الغذائية يأتي بسبب زيادة الطلب ومحاولة التجار استغلال هذه الفرصة

ووفقًا لعديدين، فإنّ الحكومة لم تتمكن خلال السنوات الماضية، من وضع خطة تمنع التجار من رفع أسعار المواد الغذائية مع اقتراب شهر رمضان، رغم إعلانها في مناسبات عدة تشكيلها لجان أمنية لمتابعة الأسعار في الأسواق بعموم المحافظات.

ارتفاع مجنون

يشكو مواطنون من الارتفاع المتكرر في الأسعار، خصوصًا وأن الأسواق لا تزال تعاني من الركود على خلفية القفزة الكبيرة للدولار الأمريكي والتي أسفرت عن موجة غلاء فاحشة.

"أبو مريم"، صاحب الـ 53 عامًا من سكنة منطقة الدورة جنوبي العاصمة بغداد، يقول إنّ "أغلب العراقيين يخشون من ارتفاع جديد في أسعار المواد الغذائية مع قرب شهر رمضان، خصوصًا وهم ما زالوا متأثرين بالارتفاع الذي صاحب أزمة الدولار".

وفي حديث لـ "ألترا عراق"، يشير "أبو مريم"، إلى أنّ "القدرة الشرائية للعائلة العراقية لم تعد قادرة على الزيادة حيث أن رواتب الموظفين أصبحت لا تكفي لسد المتطلبات الأساسية".

ويطالب المواطن البغدادي، الحكومة والجهات المعنية بـ"اتخاذ إجراءات عملية لتحقيق الأمن الغذائي من خلال مراقبة التجار وفرض عقوبات كبيرة للمتلاعبين في عموم البلاد".

الأسواق

في حين، يقول محمد داود، وهو صاحب أسرة جديدة خلال حديثه لـ "ألترا عراق"، إنّ "الأسعار مع اقتراب الشهر الفضيل شهدت ارتفاعًا مفاجئًا حيث بلغ سعر كيلوغرام واحد من لحم الأبقار 18 ألفًا في حين كان سعره الشهر الماضي 14 ألفًا".

وبشأن المواد الأخرى، يضيف داود، وهو من سكنة منطقة الكرادة وسط بغداد، أنّ "جميع المواد الغذائية شهدت ارتفاعًا بين الـ (1000 إلى 3000)، دينار عراقي".

ووفقًا لحديث داود لـ"ألترا عراق"، فإنّ الأسواق العراقية تشهد ارتفاعًا في كل عام، مع استمرار فشل الحكومة في السيطرة على هذا الملف، مؤكدًا أنّ "السلة الغذائية التي تتحدث عنها وزارة التجارة لم تسلم لغاية الآن رغم أنه لم يتبق سوى أيام قليلة على شهر رمضان".

وزير التجارة، أثير داود الغريري، أكد الأسبوع الماضي، إطلاق سلة رمضان الغذائية يوم 20 آذار/مارس الحالي بعد موافقة مجلس الوزراء على إضافة 4 مواد إليها (نصف كيلو نشأ و1 كغم من الشعرية، و5 كغم طحين صفر، وطبقة من بيض المائدة).

تلاعب واضح في الأسعار

"قضية ارتفاع الأسعار مسألة طبيعية وليست غريبة على المجتمع العراقي"، يقول الخبير الاقتصادي عبدالرحمن الشيخلي، ويشير إلى أنّ "ارتفاع الأسعار عمومًا وخاصة المواد الغذائية يأتي بسبب زيادة الطلب ومحاولة التجار استغلال هذه الفرصة للتعويض عن انخفاض قيمة أسعار الدينار في السوق الموازي".

ويفترض ـ والكلام للشيخلي ـ في هذه المرحلة أن "تأخذ الدولة دورها في ردع المتلاعبين بالأسعار ووضع حد لجشعهم ليس من خلال فرض العقوبات وإنما من خلال طرح المواد الغذائية المتكاملة في الحصة التموينية وتحسين نوعيتها وزيادة كمياتها". 

ويقول الشيخلي لـ"ألترا عراق"، إنّ "الحكومة مطالبة بتأسيس جمعيات تابعة تبيع المواد الغذائية التي تحتاجها العائلة العراقية بأسعار مدعومة، وبالتالي تكون أداة تنافس مع أسعار السوق العادي".

ويقرّ الدستور العراقي أن اقتصاد العراق (اقتصاد سوق) وبالتالي لا يجب معاقبة التجار، وفقًا للشيخلي الذي استدرك "ولكن يستطيع وضع منافس بديل يجبر التجار على خفض الأسعار".

اقتصاد العراق

وفي خضم أزمة ارتفاع الأسعار منذ أشهر، أعلنت وزارة التجارة، الشهر الماضي، عن توجهها لافتتاح جمعيات تعاونية كبيرة لبيع المواد الغذائية بأسعار مدعومة.

وذكرت الوزارة في بيان أنّ "وزير التجارة أثير داود الغريري أعلن قرب افتتاح جمعيات تعاونية كبيرة في بغداد والمحافظات بمناسبة شهر رمضان المبارك لتباع فيها جميع المواد الغذائية من اللحوم الحمراء والدجاج والأجبان بأسعار مدعومة وبسعر الكلفة"، إلا أنّ هذه الجمعيات لم تفتح لغاية الآن وفقًا لرصد فريق "ألترا عراق".

ابتزاز علني

يرى الخبير الاقتصادي، صادق البهادلي، أن ظاهرة زيارة أسعار المواد الغذائية والأساسية الضرورية لحياة الفرد العراقي قبل رمضان لها أسباب عديدة، "قد يرى البعض أنها بسبب ارتفاع سعر الصرف للعملة الأجنبية الدولار الأمريكي مقابل العملة المحلية الدينار العراقي وقد يكون جزءًا من الظاهرة لكنها لا تمثل الحقيقة الوحيدة".

ويقول البهادلي لـ"ألترا عراق"، إنّ "قضية ارتفاع الأسعار مستمرة حتى وإن كان هناك استقرار في أسعار الصرف كما هو الحال في السنوات السابقة، بالتالي هي حالة من الابتزاز من قبل التجار من خلال استغلال المناسبات الدينية والاجتماعية من أجل تحقيق الأرباح العالية".

إلى جانب ذلك ـ والكلام للخبير ـ هناك "مسؤولية كبيرة تقع على المجتمعات العراقية خصوصًا وهي تساعد على تفشي هذه الظاهرة من خلال التدافع غير المنطقي لاقتناء المواد الأساسية والغذائية وكأن هناك مهرجان للحصول على الغذاء بالتالي تخضع العملية لقانون الطلب والعرض وزيادة الطلب يعني ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأساسية الضرورية".

ويختم الخبير حديثه قائلًا إنّ "الدولة ومؤسساتها مالكة لوسائل الإنتاج فعليها الدخول إلى الأسواق المحلية كتاجر كبير يوفر المواد الغذائية والأساسية الضرورية بأسعار مدعومة، رغم أن فلسفة الدولة العراقية الحديثة تدعو إلى ضرورة سيطرة القطاع الخاص على النشاط الاقتصادي، مستدركًا "لكن هذا لا يمنع الدولة ومؤسساتها من الدخول للسوق عندما ترتفع الأسعار ويحتكر التاجر المواد الغذائية والأساسية من أجل تحقيق الأرباح العالية".

في المقابل، لا يتفق الباحث الاقتصادي، همام الشماع، مع حديث البهادلي، حيث يؤكد أنّ النظام الاقتصادي في العراق هو من يتحمل مسؤولية الارتفاع والتذبذب الذي يصيب الأسواق المحلية وليس التجار، "كون قضية العرض والطلب هي من الأسباب الرئيسة وراء الأزمة".

وفي حديث لـ "ألترا عراق"، يقول الشماع إنّ "الارتفاع الحالي في السلع الاستهلاكية لا يعد تلاعبًا على اعتبار أن التلاعب التجاري هو احتكار المواد، وهذا غير موجود على أرض الواقع في السوق".

رأى خبير اقتصادي أنّ النظام الاقتصادي في العراق هو من يتحمل مسؤولية الارتفاع والتذبذب الذي يصيب الأسواق المحلية وليس التجار

ويمتلك السوق العراقي ـ بحسب الشماع ـ العديد من التجار الذين يتنافسون فيما بينهم "وعند زيادة الطلب على سلع معينة ينتهزون فرصة رفع الأسعار بهدف الربح"، مؤكدًا أنّ "ارتفاع أسعار صرف الدولار يعد من الأسباب الأخرى التي دفعت التجار نحو رفع الأسعار كونهم يتعاملون بالدولار كما هو موجود في الصيرفات وليس بالسعر الرسمي المطروح من قبل البنك المركزي".