بعد الاحتجاجات المستمرة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019، والتي استقال على إثرها رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، وفشل مكلفان بتشكيل الحكومة، نال مصطفى الكاظمي ثقة البرلمان رئيسًا للوزراء، ليواجه مجموعة ملفات حساسة، قد تحدّد مصير حكومته، بالوقت الذي تعهد في كلمته عقب تصويت البرلمان بأن تكون حكومته "حكومة حل لا حكومة أزمة".
يقع ملف الاحتجاجات على رأس هرم المهام الملقاة على الكاظمي، خاصة مع الدعوات لاستئنافه بعد انتهاء فيروس كورونا
بالرغم من أن الكاظمي لم يأتِ بجديد، بحسب مراقبين، فحكومته ولدت بمسار المحاصصة والتوافقات السياسية المتبعة في حكومات ما بعد 2003، وبذات التركيبة المكوناتية، لكنهم يعتقدون أنها تتميز على سابقاتها بتوافق نيابي من جميع الكتل على دعم الكاظمي، بالتزامن مع التحديات الأمنية المتمثلة بعودة نشاط تنظيم "داعش"، وانتشار السلاح، بالإضافة إلى الأزمة المالية بعد انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، والتي تشكل الأموال المتأتية من بيع الخام نحو 95% من إيرادات الدولة، ويتوجب عليه إيجاد الحلول بعيدًا عن المساس برواتب الموظفين.
اقرأ/ي أيضًا: في ظل "الأزمات الثلاث".. ما مصير الاحتجاجات العراقية؟
فيما يقع ملف الاحتجاجات على رأس هرم المهام الملقاة على الكاظمي، خاصة مع الدعوات لاستئنافه بعد انتهاء فيروس كورونا، وسط الدعوات لمحاسبة قتلة المتظاهرين، فضلًا عن أزمة جائحة كورونا التي تجتاح العالم، وتخفيف تداعياته الاقتصادية، وكذلك الاستعداد لإجراء انتخابات مبكرة والسيطرة على السلاح المنفلت، فضلًا عن تحقيق توازن في العلاقات الخارجية للبلاد، وعدم جعله ملعبًا لتصفية الحسابات بين الخصوم.
عربون أمريكي.. انتظار إيراني
لم يكن الكاظمي الخيار الأول للقوى الشيعية بوصفها صاحبة الحق بتسمية رئيس الوزراء وفقًا للعرف السياسي، بالرغم من أطراف شيعية دعمت ترشيحه منذ أشهر، إلا أنها اصطدمت بتبني قوى نافذة اتهامه بتسهيل اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، ما أخرجه من دائرة الترشيح بعد تكليف محمد توفيق علاوي ثم عدنان الزرفي اللذين لم ينجح أي منهما بتقديم كابينته.
ويبدو أن الكاظمي كان الخيار الأخير، حيث تتعامل القوى السياسية مع الرجل كصديق لأمريكا، وهو المعروف بفض النزاعات ولعب الأدوار في العلاقات الخارجية للبلاد خلال ولاية رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.
ويُستشعر الدعم الأمريكي للكاظمي من خلال التهنئة الأمريكية بتمرير حكومته بعد ساعات، والتي شملت تجديد استثناء استيراد الكهرباء من إيران كمساعدة للحكومة الجديدة لمدة 120 يومًا، حيث أبلغ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، خلال اتصال هاتفي، أن واشنطن ستعطي العراق استثناءً لمدة 120 يومًا لمواصلة استيراد الكهرباء من إيران، تعبيرًا عن رغبتنا في المساعدة في تهيئة الظروف المناسبة للنجاح.
ثم الحق بومبيو الاتصال بتغريدة له، قال فيها "من الرائع التحدث اليوم مع رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي. الآن يأتي العمل العاجل والشاق لتنفيذ الإصلاحات التي طالب بها الشعب العراقي. لقد تعهدت بمساعدته على تنفيذ أجندته الجريئة من أجل الشعب العراقي".
يعتقد الباحث منقذ داغر أن إيران بحاجة لشخص معتدل يكون بوابة للغرب، خاصة وأنهم بظرف لا يؤهلهم للصدام بعد الظروف الاقتصادية
يعتقد رئيس المجموعة المستقلة للبحوث منقذ داغر أن الكاظمي مرحب به من إيران الدولة وليست إيران الثورة، بالوقت الذي لا تخفي فيه أمريكا رضاها عن اختياره بوصفه قادرًا على اجتياز المرحلة ويساهم بتهدئة الشارع ويرسل تطمينات إلى الجيران، ويحقق التوازن المطلوب.
اقرأ/ي أيضًا: واشنطن تمنح الكاظمي "هدية" نيل الثقة.. والسفارة الأمريكية في بغداد تعلق
يرى داغر أن "إيران بحاجة لشخص معتدل يكون بوابة للغرب، خاصة وأنهم بظرف لا يؤهلهم للصدام بعد الظروف الاقتصادية وحادثة الطائرة الأوكرانية، ومقتل سليماني، هذه العوامل ولدت ضغوط عالمية عليها، فضلًا عن الضغوط الداخلية".
فيما يعتبر داغر تمديد واشنطن استثناء استيراد الكهرباء، دليل للقوى السياسية على الرضا الأمريكي على اختيار الكاظمي، بالوقت الذي يعود التمديد بالفائدة على إيران، مستدركًا "لكن طموحها في تحسين العلاقة مع واشنطن أكبر، خاصة وأن أموال استيراد الكهرباء تسجل كديون على العراق ولا تسطيع بظل الحصار استلامها أو استيراد الحاجات الضرورية لها، حيث تأمل إيران من الكاظمي أن يلعب دورًا في التفاهم مع أمريكا بشكل أكبر يصل إلى حد رفع الحصار عنها أو تخفيضه".
في الأثناء، لم يتأخر كثيرًا تحالف الفتح المقرب من إيران في مخاطبة الولايات المتحدة بشكل علني، بشأن الدعم للبلاد وإثبات حسن النية، حيث طالب رئيس كتلة الفتح النيابية محمد الغبان، من الولايات المتحدة دعم العراق وعدم اعتبار تمرير الحكومة انتصارًا لها وخسارة لخصومها في البلاد والمنطقة.
قال الغبان في بيان أطلع عليه "ألترا عراق"، إنه "بعد أن تم تمرير حكومة الكاظمي في مجلس النواب، وحصولها على دعم دولي وإقليمي وداخلي كبير ندعو الولايات المتحدة ألا تعتبر تمرير الحكومة انتصارًا لها وخسارة لخصومها في العراق والمنطقة، بل أن القوى السياسية العراقية غلبت مصلحة العراق على جميع الحسابات الأخرى".
وأضاف الغبان، "بالتالي فأن على واشنطن أن تبرهن على اهتمامها بالعراق بإعطائه أولوية في المساندة والدعم في هذا الظرف الحرج، وأن تؤكد للشعب العراقي جديتها في تقديم المساعدة له، وليس انحيازها لطرف سياسي عراقي ضد طرف آخر، فالموقف الأمريكي على المحك اليوم والعراقيون يراقبون من يقف معهم عمليًا ممن يكتفي بإطلاق المواقف والتصريحات".
مواجهة الساحات
بالرغم من الرفض الواضح لحكومة الكاظمي من ساحات الاحتجاج، إلا أن كثيرين ينتظرون أن يتبلور موقفه من ساحات الاحتجاج بشكل واضح، حيث يعتبر نشطاء محاسبة قتلة المتظاهرين، وإطلاق سراح المحتجين والكشف عن مصير المغيبين أولى براهين حسن النية، فضلًا عن الإعداد لانتخابات مبكرة مع ضمان نزاهتها بالطريقة التي تضمن ترجمتها لخيارات الشعب.
يؤكد المحتج طارق الخفاجي رفض ساحات الاحتجاج للكاظمي وحكومته، والذي عبر عنه المحتجون خلال مسيرات كثيرة منذ تكليفه وحتى تمريره، بالرغم من الإجراءات الوقائية التي يلتزمون بها، ويقول خلال حديث لـ"ألترا عراق"، إن "حكومة الكاظمي حصيلة التفاهمات والآليات المعتادة منذ 2003، ولن يستطيع كسر رغبة القوى التي مررته بالبرلمان، ونحن لا نعول على أي شيء يأتي من الطبقة السياسية الحالية"، لافتًا إلى أنه "أصبح واقع حال بحكم الدستور، لذلك ننتظر منه المباشرة بتنفيذ المطالب الفورية للمحتجين كبادرة حسن نية، وأولها محاسبة قتلة أخوتنا في ساحات الاحتجاج، على أن لا تُختصر على صغار الضباط والمراتب، بالإضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين من المحتجين والكشف عن مصير المغيبين، وإجراء الانتخابات المبكرة وضمان نزاهتها، فضلًا عن فتح ملفات الفساد التي نهبت خيرات البلاد".
متظاهر لـ"ألترا عراق": ننتظر من الكاظمي المباشرة بتنفيذ المطالب الفورية للمحتجين كبادرة حسن نية، وأولها محاسبة قتلة أخوتنا في ساحات الاحتجاج
من جهته، يتفق الخبير الإستراتيجي أحمد الشريفي مع الخفاجي على آلية تولي الكاظمي رئاسة الوزراء، ما يجعله يشعر بالقلق ولا يبدِ تفائلًا في الحلول المنتظرة، ويقول إن "الكاظمي لن يتمكن من كسر هيمنة الأحزاب لأنه مقيد بالمحاصصة التي تبناها في برنامجه الحكومي، فضلًا عن دور البرلمان الذي يقيد قراراته، بحكم النظام البرلماني الذي يمنح السلطة التشريعية التأثير المباشر لما تمتلكه من الفوقية الدستورية من حيث الصلاحيات والمهام".
اقرأ/ي أيضًا: لعبة صراع الخارج وبيادق الداخل.. شهادة براءة تشرين
وبشأن محاسبة قتلة المتظاهرين يعتقد الشريفي خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "الاستهداف الذي تعرض له المتظاهرون لم يكن فعلًا آنيًا أو طارئًا، وإنما هو جزء من متبنيات النظام السياسي الذي لا يقبل بالتداول السلمي للسلطة ويعدها حكرًا له، ويرهن الوصول للسلطة بالمرور عبر بوابة الأحزاب من خلال التنازل عن الإرادة السياسية ليكون مجرد وجه يستبدل، ما يجعل المتبنيات والأداء السياسي مقيدًا ضمن رؤى وتوجهات الأحزاب"، مبينًا أن "التداول السلمي للسلطة شكلي للوجوه فقط، والأداء ثابت بحكم سيطرة الأحزاب على المشهد، والقيادات التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة".
يرى الشريفي أن "الشخصية القادرة على العمل وتحقيق الاستقرار عبر صناعة قرار وطني يجب أن تحظى برأس مال جماهيري، مستدركًا "لكن هذا يتعذر بحكم الانقسام الاجتماعي الذي يأخذ أكثر من بعد، خاصة بظل هيمنة الأحزاب التي تمتلك المال والسلاح التي تضغط على كل من يمتلك رصيد جماهيري تجبره على الدخول تحت عباءتها أو تنال منه سياسيًا أو جسديًا عبر أجنحتها المسلحة".
من جهته، يختلف رئيس المجموعة المستقلة للبحوث منقذ داغر مع الشريفي في قدرة الكاظمي على مد جسور الثقة مع ساحات الاحتجاج، ويقول إن "الكاظمي مهتم جدًا بإرضاء المتظاهرين والاستجابة لهم، لكن حجم الاستجابة يعتمد على عوامل عديدة"، مرجحًا أن "يبدأ بتحقيق المطالب بشكل تدريجي وهادئ، خاصة وأنه من المناصرين للانتفاضة، مستدركًا "لكن متطلبات المنصب قد تفرض عليه بعض المحددات التي سيتجاوزها"، مستبعدًا "حدوث عمليات تغيير جذرية شاملة لأنها تسبب اضطرابات كبيرة ولا تنسجم مع العمل السياسي".
مصير الرواتب
وسط الأزمة الاقتصادية والحلول المقترحة لمواجهتها، يدور الحديث بشكل متواتر عن رواتب الموظفين بوصفها أولى خطوات المعالجة، فضلًا عن آلية الاستقطاع، بالإضافة إلى المخاوف من انضمام شريحة الموظفين إلى المحتجين الذي يلوحون بعودتهم إلى الساحات بعد انتهاء فيروس كورونا.
وكشفت الأمانة العامة لمجلس الوزراء، عن قرار أصدرته الحكومة المستقيلة في ختام أعمالها، بانتظار تعليمات الحكومة الجديدة، حيث أوقفت التمويل بأشكاله كافة من قبل وزارة المالية، لحين قيام الحكومة الجديدة بدراسة الموضوع وأخذ القرارات الملائمة، وشمل إيقاف التمويل رواتب الموظفين والمتقاعدين، حيث قالت هيئة التقاعد في بيان مقتضب، إن "مجلس الوزراء السابق أوقف الصرف ونتتظر استثناءً من الحكومة الجديدة للمباشرة بدفع رواتب المتقاعدين".
يدور الحديث بشكل متواتر عن رواتب الموظفين بوصفها أولى خطوات المعالجة، فضلًا عن آلية الاستقطاع، بالإضافة إلى المخاوف من انضمام شريحة الموظفين
من جهته، علّق رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، على مسألة تأخر صرف رواتب المتقاعدين، مؤكدًا أن الحكومة في خدمة المتقاعدين والفقراء.
اقرأ/ي أيضًا: حكومة الكاظمي "تضعضع" البيت السني.. الإصرار الكردي يغير خارطة الوزارات
قال الكاظمي في تغريدة أطلع عليها "ألترا عراق"، إن "المتقاعدين والفقراء أهلي، إنهم النقطة الأولى في قائمة اهتماماتي"، لافتًا إلى أنه "لن نسمح بأن ينام عراقي ليله مُضامًا قبل أن توفي الدولة التزاماتها".
وأكد رئيس الوزراء أن "رواتب المتقاعدين سوف تدفع، العراق لا يهمل أصحاب الفضل فيه ممن افنوا أعمارهم في خدمة البلد، والحكومة في خدمتهم".
اقرأ/ي أيضًا: