11-أغسطس-2021

معظم المهاجرين الجدد عبر بيلاروسيا من العراقيين (فيسبوك)

يشهد العراق موجات من الهجرة الشرعية وغير الشرعية إلى دول العالم المختلفة لم تبدأ بعد عام 2003، ولم تقف عند حدٍ وإن كانت قد ازدادت بعد الاحتلال الأمريكي إلى العراق وتردي الأوضاع الأمنية والمعيشية والخدمية، وكل ما هو مرتبط بأساسيات الحياة بالنسبة لأي مواطن في القرن الحادي والعشرين.

كانت أشهر الهجرات "الجماعية" خلال العام 2015 و2016 حيث تدفقت جموع العراقيين عبر تركيا إلى أوروبا إبان الحرب على "داعش"

أسفرت تلك الهجرات عن ملايين العراقيين المقيمين في أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا وغيرها من الدول عبر الموجات المتعاقبة، ولا توجد إحصائية دقيقة معتمدة من قبل الحكومة العراقية تُفصّل أعدادهم، في بلاد تشهد عودة عكسية للنازحين (داخليًا) من مناطقهم التي عادوا إليها نحو المخيمات التي نزحوا منها كما تعترف وزيرة الهجرة والمهجرين إيفان فائق، بفعل انعدام الخدمات والبنى التحتية في المناطق المحررة فضلًا عن المشكلات العشائرية.

اقرأ/ي أيضًا: إرهاب النشطاء وترويعهم.. ماذا تعرف عن مسلسل الهجرة العراقية الثالثة؟

كانت أشهر الهجرات "الجماعية" خلال العام 2015 و2016 حيث تدفقت جموع العراقيين عبر تركيا إلى أوروبا إبان الحرب على تنظيم الدولة (داعش) ورغم أن جزءًا منهم عادوا إلى البلاد، إلا أن الجزء الآخر استقر هناك بعد الحصول على الإقامة أو الجنسية في الدول التي وصلوا إليها.

أسباب الاندفاع للهجرة

تُعد الأوضاع الأمنية غير المستقرة كالحروب المتتالية وعدم الشعور بالأمان الشخصي واحدة من أهم أسباب اندفاع العراقيين نحو الهجرة. إذ شهد عراق ما بعد 2003 حروبًا أهلية وطائفية وقتل على الهوية وتفجيرات متواصلة، وسقوط محافظات عدّة بيد تنظيم "داعش"، واحتجاجات شعبية متقطعة تخللتها اغتيالات وقمع.

انعدام المساواة والعدالة الاجتماعية والاستقرار السياسي أسباب "كامنة" وراء تدفقات الهجرة من العراق إلى أوروبا بالإضافة إلى انعدام الاستقرار الاقتصادي في جميع المواقع كسبب ثانوي نسبة إلى المخاوف الأمنية في بغداد، بحسب تقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة في العراق، والذي أشار إلى أن "اختيار المهاجرين إلى أوروبا كوجهة للهجرة يأتي لأسباب عدّة من بينها أن الطريق المفتوح أقل خطورة وتكلفة"، إضافة إلى "اعتقاد" بوجود سياسات ترحيب بالهجرة من قبل الدول الأوروبية.

ليتوانيا.. نصف المهاجرين عراقيون

جاءت فرصة أخرى لمن لم تسعفه الظروف للهجرة قبل خمسة أعوام بفعل سماح الحكومة في بيلاروسيا للعراقيين بالهجرة إلى ليتوانيا - إحدى دول البلطيق - بغض بيلاروسيا الطرف عن مراقبة الحدود مع ليتوانيا بحسب وزير الداخلية الليتواني أرنولداس أبرامافيسيوس، وذلك كورقة ضغط على أوروبا ردًا على عقوبات فرضها الأوروبيون على مينسك بسبب قمع احتجاجات اندلعت قبل عام من الآن.

تضاعف عدد العراقيين المهاجرين إلى ليتوانيا منذ بداية العام الحالي مقارنة بالعام 2020 ما دق ناقوس الخطر لدى دول الاتحاد وطالبوا بغداد بإيضاح موقفها من كثرة المهاجرين العراقيين. لكن الأخيرة وعبر وزير خارجيتها فؤاد حسين أكدت "شرعية" سفر المواطنين وعدم قدرتها على منعهم.

بعد ذلك، اجتمع الممثل الأعلى للسياسة والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مع وزير الخارجية العراقي وقال إن "من المصلحة المشتركة منع استغلال المهاجرين وحمايتهم من التعرض للاستغلال من قبل العصابات الإجرامية".

موجات الهجرة الجماعية ترتفع دائمًا عقب انتهاء الاحتجاجات الشعبية التي تسعى للتغيير وتنتهي على نحو لا يلبي طموحات الشباب

سجلت ليتوانيا في الفترة الأخيرة وصول أكثر من ألفي مهاجر جديد معظمهم من العراق، عبروا الحدود مع بيلاروسيا بشكل غير قانوني، وبوصول قرابة ثلاثة آلاف مهاجر كان العراقيون يشكلون أكثر من 1500 منهم.

اقرأ/ي أيضًا: الهروب الجديد: تطورات حادثة مقتل عراقي بـ "قسوة" عند حدود ليتوانيا

رافقت ذلك، ضجة في مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مقاطع فيديو تداولها ناشطون أظهرت مهاجرين عراقيين عالقين بين حدود بيلاروسيا وليتوانيا معرضين لظروف قاسية من انخفاض حاد في درجات الحرارة وانعدام الطعام وسط مناشدات لإنقاذهم، كما شهدت هذه الهجرة مقتل مهاجر عراقي في بلدة حدودية.

 

 

مؤخرًا، أعلنت وزارة الخارجية العراقية، إيقاف السفر مؤقتًا إلى بيلاروسيا مع استمرار رحلات العودة منها إلى بغداد وقالت إنها تصدر جوازات سفر للعراقيين الذين أتلفوها هناك من أجل العودة.

التظاهرات.. آمال ضائعة

مع توفر الظروف الموضوعية كالتسهيلات التي منحتها تركيا في الأعوام السابقة ومنحتها بيلاروسيا مؤخرًا للهجرة عبر العراق، من الملاحظ أن موجات الهجرة الجماعية ترتفع عقب انتهاء احتجاجات شعبية تسعى للتغيير وتنتهي على نحو لا يلبي طموحات الشباب الساعين إلى حياة كريمة وفرص عمل وأمن واستقرار وسكن.

يقول رئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة في العراق توماس لوثر فايس إن قرابة 85 ألف عراقي وصلوا إلى اليونان عن طريق البحر فقط خلال النصف الثاني من العام 2015.

واندلعت احتجاجات في تموز/يوليو 2015 بعد عام تقريبًا من سقوط مساحات شاسعة بيد تنظيم "داعش"، لكن سرعان ما خفّ بريقها وانسحب العديد من المحتجين الذين يُطلق عليه وصف "المدنيين" ما شكّل حالة الإحباط المعروفة بعد كل احتجاج لا يحقق مبتغاه، إذ يقول أحمد حسن (33 عامًا) في حديث لـ"ألترا عراق" إن "احتجاجات الصيف في ذلك العام رفعت من مستوى آمالنا بالخلاص من الطبقة الحاكمة والجماعات المسلحة والفاسدين، لكن هؤلاء أفشلوا التظاهرات، وما إنْ فُتح مجال للهجرة عبرتُ مع شباب آخرين ووصلت إلى ألمانيا".

كان حسن يعتقد أن الإجراءات أسهل من المتوقع وهو ما يوافق تقرير المنظمة الدولية للهجرة، ثم الشاب العراقي عاد إلى بلاده بعد اتضاح الحقيقة وشارك في الاحتجاجات الأخيرة ليهاجر مرةً أخرى "وهذه المرة دون عودة" كما يؤكد.

مجددًا، عقد الكثير من الشباب آمالهم على حراك تشرين الأول/اكتوبر عام 2019 والتي شهدت احتجاجات كبرى عمّت محافظات الوسط والجنوب، ورغم أنها شهدت استقالة حكومة عادل عبد المهدي لكن مآلاتها لم تكن بالمستوى الذي كانوا يطمحون إليه.

كانت "انتفاضة تشرين اللحظة الوحيدة التي شعرنا بها أننا في بلد اسمه العراق. حمّلتنا الانتفاضة مسؤولية استرجاع العراق من اللصوص والقتلة لكن محاولاتنا كانت شبه مستحيلة"، هذا ما قاله ميمون أحمد (26 عامًا) الذي عقد العزم على مغادرة البلاد التي يشهد فيها "كل يوم داومة عنف جديدة وكل سنة لا تقل جحيمًا عن السنة التي قبلها وأنا أرى عمري ينقضي مع حكم القتلة واللصوص".

عقد الكثير من الشباب آمالهم على حراك تشرين لكن مآلاته لم تكن بالمستوى الذي كانوا يطمحون إليه

تعرض الكثير من الشباب للتهديد والقمع حتى توصلوا إلى رأي واحد مفاده أن "التظاهر والاحتجاج أصبح لا يجدي نفعًا خصوصًا بعد عدد الضحايا الكبير وعمليات الخطف والتغييب القسري بحق الناشطين، من دون أن يُحاسب أحد من المسؤولين على الدماء التي هدرًا"، حسب ما يقول أحمد في حديث لـ"ألترا عراق" ويضيف: "حينها أدرك الشباب أن لا مجال للإصلاح وهذا أحد الأسباب التي جعلتنا أنا وغيري نسعى للهجرة باحثين عن وطن نلملم فيه عمرنا الضائع وأحلامنا المهدورة".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

وقف الهجرة أم وقف الحروب؟

الخارجية توضح إجراءاتها بشأن العراقيين المهاجرين عبر بيلاروسيا