رغم أنّ الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني، أعلنت القبض على عدد ممّن هاجموا السفارة الأمريكية بالصواريخ في 7 كانون الأول/ديسمبر، لكنها واجهت انتقادات بشأن عدم الكشف عن الجهة، خصوصًا أنها تحدثت عن أن بعضهم على صلة ببعض الأجهزة الأمنية، وهو ما أدى إلى القول بأن السوداني لا يستطيع إيقاف الهجمات، ومع ذلك، فإنّ العديد من المراقبين بدأوا يتحدثون عن مواجهة محتملة بين الحكومة والفصائل، لكنّ آخرين يستبعدون ذلك لأن الحكومة برأيهم تشكّلت من قبل الفصائل نفسها.
رأى باحثون أن إمكانية ضبط السوداني للفصائل ضعيفة لكونه أنتج من قبل "كتلة فصائلية"
وكان المسؤول الأمني لحركة "كتائب حزب الله" أبو علي العسكري، هاجم المعترضين على قصف السفارة الأمريكية من السياسيين والمسؤولين العراقيين، ووصفهم بـ "المنبطحين".
وأكّد العسكري، أنّ العمليات "الجهادية" ستستمر ضد القوات الأمريكية "حتى إخراج آخر جندي له من أرض العراق"، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أنّ "الحكومة العراقية إذا أرادت التفاوض المحتل الأمريكي لإخراج قواته من البلاد، فلا نمانع ذلك، وإن كنا نجزم إنها كذبة أخرى من أكاذيب الأمريكان ولن تنطلي علينا".
الباحث والمحلل السياسي، عقيل عباس، تحدّث عن المواجهة من عدمها بين السوداني والفصائل المسلحة، معتبرًا أنها بـ"مثابة الاختبار الحقيقي لحكومته".
وقال عباس في حديث لـ"ألترا عراق"، إنه "من أجل الحفاظ على الوحدة الظاهرية لقوى الإطار التنسيقي لن يتم حسم موضوع الوجود العسكري الأمريكي أو قوات التحالف، لأن حسمه يعني تفكك الإطار"، موضحًا أنّ "الإطار سيلجأ للحلول الوسط المعتاد عليها كتقليل الضربات وجعلها غير مؤثرة، بما أن الولايات المتحدة الامريكية لا ترد عسكريًا وتوجه ضربات".
والحلول الوسطية ـ والكلام لعباس ـ "ستجعل الحكومة تقول إنها تقدم شيئًا من السعي المتواصل لكبح جماح الفصائل، وهذا يمكنه تخليصها بعض الشيء من الضغط، وأيضًا لكون واشنطن منشغلة بكل الشرق الأوسط ولا تريد تصاعد هذه المشكلة من جانب، والأوضاع في غزة من جانب آخر من خلال ضغطهم على العراق بحال تراجعت عمليات استهداف مصالحها بالحدة والعدد ولا تسقط ضحايا".
ورأى عباس أنّ "هذا الدور الذي يمكن لحكومة السوداني والإطار لعبه سويًا سيجعل الفصائل تستمر بقولها إنها مقاومة"، مضيفًا أنّ "الأمر برمته سينتهي بواحدة من التسويات المعتادة، ولكنها صعبة بنفس الوقت لعدم وضوح منتصف الطريق أو من أين ستمسك العصا بالنسبة لأي طرف بشكل دقيق".
وفي الأثناء، رأى رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات الاستراتيجية، أحمد الياسري، إمكانية السوداني لضبط إيقاع حركة الفصائل المسلحة ومهاجمتها المصالح الأمريكية ضعيفة، وذلك لـ"كونه بمساحة التأثر الآن وليس التأثير".
والسوداني بالنسبة للياسري "شخصية قد أنتجتها كتلة فصائلية ولم يؤسس هو تلك الفصائل".
وقال الياسري لـ"ألترا عراق"، إنّ "السوداني ليس له أي تأثير على الفصائل ولا يشبه شخصية نوري المالكي الذي يعتبر مؤثرًا ومن المؤسسين لها وفقًا لكلامه دائمًا"، مبينًا أنّ "السوداني لا يملك فاعلية كبيرة أمنيًا وسياسيًا، كما يمكن القول إن عملية ضبط إيقاع الفصائل فيه جنبة خارجية وصراع ليس له علاقة فقط بالأمن القومي العراقي، بل بما يحصل بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران".
ووفقًا للياسري، فإنّ "السوداني والإطار ليس بينهما خلاف، بل الخلاف داخلي ومتجذر بين أطراف الإطار نفسه، لكن كان يغطيه وجود المنافس مثل التيار الصدري الذي جعل خلافات الإطار لا تظهر للسطح إلا مؤخرًا".
واعتبر الياسري أنّ "الإطار وقواه السياسية كانت مستمرة كحليف كلاسيكي للنفوذ الأمريكي وأغلبها على دراية بالاتفاق الاستراتيجي بين البلدين الذي حدث في حكومات إطارية دعمتها ذات الكتل البراغماتية الحالية التي شكلت حكومة السوداني، وهي تلعب أيضًا على الثنائية الأمريكية - الإيرانية لكسب المزيد من المصالح".
ومضى الياسري بالقول إنّ "قوى الإطار وبدورها الذي تلعبه بين النفوذين الأمريكي والايراني لن تدفع السوداني لمواجهة الوجود العسكري الأمريكي في العراق بعد المصالح الكبيرة التي حققتها من الرضا الأمريكي وتشكيل الحكومة، وأيضًا باعتبارها على أبواب انتخابات محلية، وهذا لن يحقق نتائجًا إيجابية بظل غياب المنافسين كالتيار الصدري والمدنيين".
والصراع الآن ـ والكلام للياسري ـ "لم يخرج من دائرة قواعد الاشتباك حتى الآن المتفق عليها، لكن هناك عمليات ضغط لأن إيران تضررت منذ بداية حرب غزة، ولأن الأموال الي كان يجب دفعها لإيران قد أوقفها الرئيس الأمريكي وهي بقيمة 7 مليارات، كما يوجد ملياري دولار ونصف المليار مجمدة في العراق، وكلها كان من المفترض وصولها بشهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023 وهذا كله انعكس على الساحة العراقية".
وبحسب الياسري، فإنه "لا يوجد لغاية اللحظة خرق كبير بين أمريكا وإيران لقواعد الاشتباك لكن هذه القواعد بدأت تتهشم بوجود 3 ميادين للمواجهة هي سوريا ولبنان واليمن، إضافة للعراق، ولهذا لا تطور ملفت الآن بين الجانبين".
وفي 7 كانون الأول/ديسمبر تعرضت السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء وسط بغداد إلى هجوم صاروخي، فيما وصف القائد العام للقوات المسلحة، محمد شياع السوداني، استهداف السفارة الأمريكية في العراق بـ"العمل الإرهابي".
وسبق أن أصدر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر، بيانًا، قال فيه إن "الميليشيات العديدة المتحالفة مع إيران والتي تعمل بحرية في العراق تهدد أمن واستقرار العراق وموظفينا وشركائنا في المنطقة".
يتحدث العديد من المحللين عن انقسام في وجهات النظر بين القوى المُشكِّلة للإطار التنسيقي فيما يخص الوجود الأمريكي في العراق
ويشخّص الأكاديمي والكاتب العراقي، سليم سوزة، انقسام حاصل بين قوى الإطار التنسيقي حول بقاء الوجود الأمريكي في العراق، لافتًا إلى أن السوداني "أضعف من أن يواجه الميليشيات".
وقال سوزة، في حديث لـ "ألترا عراق"، إنّ "ثمة انقسام في وجهات النظر بين القوى المُشكِّلة للإطار التنسيقي فيما يخص الوجود الأمريكي في العراق، فقوى مثل النجباء وكتائب حزب الله وحركة سيد الشهداء، وإن كانت داخل الإطار التنسيقي، إلّا أنها بلا تمثيل حكومي، وبالتالي هي من بين القوى المسلحة التي تستمر في استهدافها للمواقع الأمريكية بوصفه جزءًا من سياسات الضغط على أمريكا داخل العراق وانسجامًا مع سرديتها في مقاومة النفوذ الغربي في البلد".
والفصائل المسلحة المذكورة ـ والكلام للاكاديمي ـ "تمضي خلافًا لقوى إطارية أخرى مثل منظمة بدر وعصائب أهل الحق مثلًا، إذ لها حضورهما الواضح في الحكومة العراقية والذي حتَّم عليهما نوعًا من البراغماتية السياسية أن لا يستهدفوا أو يجاهروا بعدائهما لأمريكا طالما سيؤثر هذا على الحكومة العراقية، وربما يطيح بها في حال حصول أي تصادم عسكري مفتوح مع القوات الأمريكية في العراق".
قال الباحث سليم سوزة إن السوداني أضعف من أن يواجه الميليشيات المتغوّلة في العراق
ورأى الكاتب أنّ "السوداني يمشي بحذر بين هذين الخيارين، خيار العصائب وبدر من جهة، وخيار الكتائب والنجباء وسيد الشهداء من جهة أخرى"، مبينًا أنّ "رئيس الحكومة لا يريد الانتصار لإحدى الخيارين على حساب الأخرى، فهو يعي تمامًا أن حكومته نتاج لهذين الخيارين سويةً، لذلك فهو يعمد إلى مسك العصا من المنتصف، فتارة هو يدين هجمات الميليشيات الشيعية على المواقع الأمريكية في العراق، ومن جهة أخرى لا يتخذ خطوات واضحة وعملية في إيقاف هذه الهجمات".
ويعتقد سوزة بأن "السوداني هو أضعف من أن يواجه الميليشيات العراقية المتغوّلة في العراق، بل وهو يراهن فقط على عامل الوقت وعلى تغيير السياسة الإيرانية الموجِّهة للميليشيات العراقية المتطرفة في حال توصّلت إيران إلى تفاهم من نوع ما مع الغرب وأمريكا بخصوص ملفها النووي وسياساتها الخارجية تجاه قضايا الإقليم والحرب الجارية حاليًا في غزة".