أسفر الهجوم الصاروخي على قاعدة (كي وان) في كركوك عن مقتل متقاعد أمريكي وإصابة عدد من العسكريين الأمريكيين وأفراد الخدمة العراقيين، في 27 كانون الأول/ديسمبر 2019.
بعد يومين على قصف قاعدة (كي وان) شنت طائرات أمريكية هجومًا على عدة مقار تتبع لكتائب حزب الله على الحدود العراقية السورية
أكد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة مقتل المتقاعد في بيان له، قال فيه إن "قوات الأمن العراقية تقود الرد على الهجوم والتحقيق فيه"، فيما أشارت مصادر إلى أن "القوات الأمنية عثرت على منصة إطلاق صواريخ كاتيوشا في عربة مهجورة قرب القاعدة".
اقرأ/ي أيضًا: القصة الكاملة للضربة العسكرية الأمريكية ضد كتائب حزب الله.. هل بدأت الحرب؟
لكن جهةً لم تعلن مسؤوليتها عن الهجوم غير المسبوق منذ سنوات على القوات الأمريكية. كما أن الحادث لم ينَل نصيبه في الإعلام العراقي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي المحلية.
بعد يومين على قصف القاعدة في كركوك، شنت طائرات أمريكية هجومًا على عدة مقار تتبع لكتائب حزب الله العراقية، المنضوية في الحشد الشعبي، على الحدود العراقية السورية بمحافظة الأنبار.
تبنى الجيش الأمريكي، في بيان له، الهجمات التي استهدفت خمس منشآت لكتائب حزب الله في العراق وسوريا، منها مخازن أسلحة ومواقع للقيادة والسيطرة، بحسب بيان المتحدث باسم البنتاغون جوناثان هوفمان، الذي قال إن "القوات الأمريكية نفذت ضربات دفاعية دقيقة، ستحد من قدرة كتائب حزب الله على شن هجمات على قوات التحالف مستقبلًا"، مبينًا أنها جاءت "ردًا على هجمات الكتائب المتكررة على قواعد عراقية تستضيف قوات تحالف عملية العزم الصلب".
تضاربت الأنباء حول عدد ضحايا الغارات الأمريكية، وارتفعت حصيلة القتلى والجرحى بحسب آخر تصريح للحشد الشعبي في 30 كانون الأول/ديسمبر، إلى 25 قتيلًا و 51 جريحًا.
قال مدير مديرية الحركات في الحشد الشعبي، جواد كاظم الربيعاوي، إن "أعداد القتلى قابلة للارتفاع، نظرًا لوجود جرحى في حالة حرجة وإصابات بالغة".
السيستاني .. إدانات وتحذير
توالت الاستنكارات من قيادات فصائل الحشد الشعبي والنواب والكتل السياسية، كذلك رئيس الجمهورية برهم صالح، فيما دخل المرجع الديني الأعلى في النجف علي السيستاني على الخط، إذ أدان مصدر مسؤول في مكتب المرجع "الاعتداء الآثم" الذي استهدف المقاتلين المنضوين في القوات العراقية الرسمية. لكن المرجعية لم تكتف بإدانة هذا القصف فحسب، إذ شددت على ضرورة عدم خرق السيادة "بذريعة الرد على ممارسات غير قانونية تقوم بها بعض الأطراف"، فيما تبدو إشارة لاستهداف قاعدة (كي وان) في كركوك ومطار بغداد الدولي قبل ثلاثة أسابيع.
لم تكتف مرجعية النجف بإدانة القصف الأمريكي فحسب، إذ شددت على ضرورة عدم خرق السيادة "بذريعة الرد على ممارسات غير قانونية تقوم بها بعض الأطراف"
كما أكدت أن "السلطات الرسمية العراقية هي وحدها المعنية بالتعامل مع تلك الممارسات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنعها، وهي مدعوة إلى العمل على عدم جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية وتدخل الآخرين في شؤونه الداخلية".
اقرأ/ي أيضًا: تداعيات قصف القائم: بيان من السيستاني.. دعوات إيرانية للثأر و"فرح" إسرائيلي
وتبدو مطالبة المرجعية تكرار لدعواتها السابقة بعدم جعل العراق أرضًا لصراع الولايات المتحدة وإيران، كما جاءت المطالبة هنا واضحة للسلطة التنفيذية أن تضبط الإيقاع وتحصر القرار بيدها.
مواقف دولية
في سياق هذا التحذير، نشر حساب رئيس الوزراء الإسرائيلي على "فيسبوك" أن بنيامين نتنياهو تحدث مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو وهنأه على العملية الهامة التي قامت بها الولايات المتحدة ضد إيران ووكلائها في المنطقة.
فيما قال الحرس الثوري الإيراني، "على الكيان الصهيوني ألا يفرح من هجمات الشيطان الأكبر والقوات الأمريكية الإرهابية في العراق لأن ذلك سيوسع دائرة غضب الأمة الإسلامية من إسرائيل".
وأدان الحرس الثوري الإيراني الضربات التي نفذتها الولايات المتحدة ووصفها بـ "العدوان الإرهابي"، وشدد على أن انتقام من الهجمات والرد عليها حق طبيعي للقوات العراقية والشعب العراقي"، معتبرًا أن "إخراج القوات الأمريكية الإرهابية المحتلة من العراق هو الضامن لتعزيز أمنه واستقراره".
فيما أعربت وزارة الخارجية البحرينية عن تأييد المنامة للقصف الذي شنته الولايات المتحدة ضد منشآت كتائب حزب الله في العراق وسوريا، ووصفت الوزارة الهجوم بأنه جاء "ردًا على الأعمال الإجرامية المتكررة التي تقوم بها هذه الكتائب الإرهابية"، على حد تعبير البيان.
بدورها، قالت وزارة الخارجية الروسية إن "الضربات الجوية الأمريكية على العراق وسوريا غير مقبولة وستأتي بنتائج عكسية"، فيما "حثت جميع الأطراف على تجنب إشعال التوتر في المنطقة".
ويعزز وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس مخاوف الأطراف التي تخشى الصراع داخل العراق، بالقول إن "الهجمات الأمريكية في العراق تمثل نقطة تحوّل في الواقع الإقليمي".
ما دور الاتفاقية الاستراتيجية؟
طرح مراقبون فكرة أن اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين العراق والولايات المتحدة تعطي "الشرعية" للأخيرة في تنفيذ هجمات داخل البلاد.
أُبلغ رئيس الوزراء المستقيل عبد المهدي قبل نصف ساعة من تنفيذ عملية قصف قطعات تابعة للحشد الشعبي في الأنبار
كانت شبكة (سي ان ان) الإخبارية الأمريكية قد كشفت عن إبلاغ وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، لرئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، قبل نصف ساعة من تنفيذ عملية القصف.
اقرأ/ي أيضًا: أبلغوه قبل نصف ساعة من الهجوم.. عبد المهدي يكتفي بمراجعة العلاقات مع واشنطن
أكد ذلك عبد المهدي خلال كلمة في اجتماع مجلس الوزراء، وقال إن "وزير الدفاع الأمريكي أبلغني نية بلاده ضرب كتائب حزب الله قبل تنفيذ الهجوم"، مشيرًا إلى أنه "أبلغ الوزير الأمريكي بأن الأمر خطير، لكنه ـ أي الوزير ـ رفض، وقال إن "الهجوم سينفذ".
تُعزز هذه المعلومة اعتماد الأمريكان على الجانب الشرعي في عمليتهم العسكرية. والجدير بالذكر أن الفقرة خامسًا من المادة الرابعة من الاتفاقية الاستراتيجية، تنص على أنه: "يحتفظ الطرفان بحق الدفاع الشرعي عن النفس داخل العراق كما هو معرف في القانون الدولي النافذ".
هل يرد الحشد؟
رغم أن استهداف مقار الحشد الشعبي جاء ردًا على الضربة التي وُجّهت لقاعدة (كي وان) في كركوك، إلا أن حجم العملية وعدد الضحايا (قتلى وجرحى) قد يجبر الفصيل المُستهدَف على الرد.
قال مصدر في الحشد الشعبي رفض الكشف عن اسمه لأسباب تتعلّق بموقعه، إن "القيادات المعنية حددت القاعدة الأمريكية التي من المفترض استهدافها لاحقًا"، موضحًا أن "الرد لن يكون من الحشد الشعبي كمنظومة، بل من كتائب حزب الله".
أضاف المصدر: "التضامن الشعبي وتحديدًا في ساحات التظاهر مع ضحايا القصف الأمريكي سيتيح توجيه ضربة للأمريكان دون أن يعطي الفرصة لهم أن يردوا على ذلك".
يأتي هذا الحديث، بالوقت الذي توعد فيه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، بعد عملية الأنبار التي استهدفت مقار الحشد، بأن "الرد سيكون قاسيًا على القوات الأمريكية".
مصدر في الحشد الشعبي لـ"ألترا عراق": الرد على القصف الأمريكي لن يكون من الحشد الشعبي كمنظومة، بل من كتائب حزب الله
في السياق، يقول الخبير الأمني سرمد البياتي، إن "الحشد الشعبي يهتم في الوقت الحالي بتشييع جثامين الشهداء والاهتمام بالجرحى، فيما تعمد القيادات العليا إلى عقد اجتماعات مطولة منذ ليلة القصف لبحث الطريقة المناسبة للرد، لكن الجو العام يسود عليه التريث والهدوء"، كما بيّن أن "الألوية المستهدفة هي تابعة لهيئة الحشد الشعبي ما يجعل الحكومة هي المسؤول الأول عن الرد والتعامل مع الملف" .
اقرأ/ي أيضًا: الصدر يعاتب الفصائل المسلحة.. ويطرح آلية مغايرة لـ "طرد" القوات الأمريكية
يرى البياتي في حديث لـ"ألترا عراق" أن "الحشد يمتلك إمكانيات كبيرة من حيث الأسلحة ورصد الأماكن الحساسة الممكن استهدافها"، مبينًا أن "القواعد العراقية التي تتواجد بها القوات الأمريكية مقسّمة جغرافيًا الى نصفين، لكل قوة، ما يمنع اختلاط الطرفين، وجعل القوات العراقية درعًا بشريًا، ويسهل من إمكانية استهدافها".
وعن احتمالية رد الحشد، قال البياتي: "ليس بالضرورة أن يكون الرد عسكريًا، هناك طرق عديدة للرد من خلال آليات سياسية".
ورغم دعوة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الأطراف إلى التعاون معه لإخراج القوات الأمريكية بالطرق القانونية والسياسية، إلا أن البياتي استبعد "تحشيد جبهة برلمانية لتشريع قانون إخراج القوات الأمريكية".
وفي الأثناء، نظّم الحشد الشعبي تظاهرة أمام مقر السفارة الأمريكية داخل المنطقة الخضراء وسط بغداد، احتجاجًا على القصف.
وأظهرت صور اطلع عليها "ألترا عراق" زعيم تحالف الفتح هادي العامري والأمين العام لحركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، ورئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض وأبو مهدي المهندس، والنائب عن كتلة "صادقون" حسن سالم، وهم يشاركون في المسيرة إلى داخل المنطقة الخضراء باتجاه السفارة الأمريكية، بعد الانتهاء من تشييع ضحايا القصف، فيما هاجم عناصر من داخل التظاهرة إحدى بوّابات السفارة الأمريكية وقاموا بإحراقها، لتطلق السفارة صافرات الإنذار والقنابل المسيلة للدموع لـ"تفريق المحتجين".
خبير أمني لـ"ألترا عراق": ليس بالضرورة أن يكون الرد عسكريًا على أمريكا من قبل الحشد الشعبي، هناك طرق عديدة للرد من خلال آليات سياسية
وعلى خلفية محاولة اقتحام السفارة الأمريكية، قال رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، إن "المراسم المهيبة لتشييع الشهداء جزء من الوفاء لدماءهم الزكية الغالية، مستدركًا "لكن بعيدًا عن الاحتكاك بمباني السفارات التي تقع مسؤولية حمايتها وتأمينها على الحكومة العراقية، لذلك نطلب من الجميع المغادرة فورًا بعيدًا عن هذه الأماكن"، وبيّن "نذكر أن أي اعتداء أو تحرش بالسفارات والممثليات الأجنبية هو فعل ستمنعه بصرامة القوات الأمنية وسيعاقب عليه القانون بأشد العقوبات".
اقرأ/ي أيضًا: صراع أمريكا وإيران.. هل يمكن مسك العصا من المنتصف؟
من جانبه، طالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، العراق باستخدام قواته لحماية السفارة الأمريكية في بغداد، في أول تعليق على اقتحامها من قبل محتجين.
وقال ترامب في تغريدة ترجمها "ألترا عراق"، "قتلت إيران مقاولًا أمريكيًا، وأدى الهجوم إلى إصابة الكثير"، مبينًا "لقد استجبنا بقوة، وسوف نفعل دائما"، وأضاف "الآن تقوم إيران بتنظيم هجوم على السفارة الأميركية في العراق. وسوف يتحملون المسؤولية الكاملة"، مشددًا بالقول "نتوقع أن يستخدم العراق قواته".
وفي السياق، تداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي صور التظاهرة أمام مقر السفارة، حيث ثارت تساؤلات عن كيفية اقتحام المنطقة الخضراء بهذه السهولة وبشكلٍ مفاجئ، دون اعتراضهم من قبل القوات المكلفة بحماية المنطقة الخضراء، والتي كان لها "أداء قمعي" في صد وقمع المتظاهرين طوال السنوات الماضية.
اقرأ/ي أيضًا:
أول تعليق إيراني على الاستهداف الأمريكي لمقرّات الحشد الشعبي
رسائل إيرانية جديدة إلى واشنطن عبر أجواء العراق.. من قصف "عين الأسد"؟