هناك في شرقي بغداد يقع مفاعل نووي قصف في ثمانينيات القرن الماضي، تاركًا الآثار الملوثة بالإشعاعات النووية، حيث تعرّض أهالي المناطق القريبة منه إلى إشعاعات تسببت بانتشار السرطان والإنفلونزا وغيرها الكثير من الأوبئة، وسط عجز حكومي عن إيجاد الحلول لهذه الأزمة.
تعاني منطقة جسر ديالى من انتشار مرعب لمرض السرطان جراء المخلفات التي انتشرت من بقايا المفاعل النووي
ويقع المفاعل النووي الذي قصفته طائرات الكيان الصهيوني خلال العام 1981، قرب منطقة التويثة التي أصبحت الآن بؤرة لمرض السرطان الذي انتشر بين المواطنين بسبب استخدامهم لأدواته الملوثة باليورانيوم المنضب الذي تعرّض للسرقة أثناء أحداث العام 2003.
قصص صادمة
ويقول أحد سكنة منطقة جسر ديالى وتحديدًا بالمناطق القريبة من المفاعل، إنّ "ابنه أصيب بمرض السرطان في الدماغ، وحالته في تدهور مستمر"، مبينًا أنّ "منطقتهم تعاني من انتشار مرعب لمرض السرطان جراء المخلفات التي انتشرت من بقايا المفاعل النووي".
وفي حديث لـ"ألترا عراق"، يضيف المواطن أنّ "أهالي المنطقة ناشدوا الحكومة والجهات المعنية، لكن دون جدوى أو تحرك حقيقي"، مشيرًا إلى "عجزه عن دفع التكاليف الخاصة بالأدوية التي لا تتوفر بالمستشفيات الحكومية".
في حين، تقول أم لابنة مصابة بالسرطان أيضًا، إنّ "القوات الأمريكية بعد العام 2003 جاءوا إلى المنطقة وأجروا العديد من البحوث عليها، وأقدموا على تحديد المنطقة بشريط أصفر وأكدوا للمواطنين أن منطقتهم أصبحت غير صالحة للعيش لكن الجميع تجاهل كلامهم".
وتحدثت أم الطفلة التي تبلغ من العمر 9 أعوام، لـ"ألترا عراق"، قائلة إنّ "ابنتها أصبحت نحيلة وتعاني من تساقط الشعر بشكل مستمر جراء تلقيها للعلاج الكيميائي الذي أصبحت لا تستجيب له"، محملة الحكومة "ما يحدث من مأساة إنسانية في المنطقة".
إلى ذلك، يقول مواطن آخر لـ"ألترا عراق"، إنّ "مرض السرطان دخل إلى كل بيت في المنطقة ولم تسلم أي عائلة منه"، مضيفًا أنّ "زوجته أجرت عملية استئصال للثدي بسبب إصابتها بالسرطان، وهي تحتاج للعلاج المستمر بتكلفة مرتفعة وهذا ما يعانيه أغلب المواطنين في تلك المنطقة".
وحصل موقع "ألترا عراق"، على العديد من الصور والتقارير الطبية التي توجز ما يحدث في تلك المنطقة، التي أصبحت فعلاً منكوبة جراء انتشار مرض السرطان بشكل مخيف.
وبحسب التقارير الطبية، فإن أبرز أنواع السرطان التي انتشرت في المنطقة هو سرطان الثدي وسرطان القولون وسرطان الدم، فيما بات المرض ينتشر سريعًا عبر الولادات التي زادت فيها نسبة التشوهات حيث يولد الأطفال وهم يعانون من نقص في الأعضاء الداخلية، الأمر الذي يعتبره مختصون أنها مؤشرات تدل على ارتفاع نسبة اليورانيوم المنضب في المنطقة.
كما حدث مع "مفاعل تشيرنوبل"
وفي هذا الصدد يقول الخبير البيئي، شكري الحسن، إنّ "القصف الغربي للمفاعل النووي العراقي الذي يوجد في منطقة جسر ديالى (جنوب شرق بغداد)، في ثمانينيات القرن الماضي أسفر عن نشر انبعاثات نووية محدودة، إلا أنّ المواطنين عقب العام 2003 توجهوا إلى المنشآت الملوثة إشعاعيًا وقاموا بسرقة المعدات والأدوات كالخزانات وغيرها".
واستخدام هذه الأدوات التي تحتوي على مواد نووية نشطة أدى إلى نشر مرض السرطان بين سكان تلك المنطقة، وفقًا لحديث الحسن لـ"ألترا عراق"، الذي أشار بدوره إلى أنّ "هذه الإشعاعات تسببت بتشوهات لخلايا الإنسان والـ DNA وبالتالي أصبحت هذه المنطقة منكوبة إشعاعيًا".
وبحسب الخبير البيئي، فإنّ المنطقة التي تتلوث بالإشعاعات تحتاج إلى إخلاء فوري من السكان، لكن هذا لم يحدث واستمرت الحياة في المدينة ما أدى إلى انتشار المرض الخبيث بأنواعه (لوكيميا، الغدد اللمفاوية، وسرطان الثدي لدى النساء).
وفي مطلع العام الجاري، كشفت منظمة الصحة العالمية، عن ارتفاع أعداد المصابين بمرض السرطان في العراق، مؤكدة أنّ "هناك 35 ألف مصاب بالسرطان و57% منهم نساء".
وشبه الحسن، الحادث بـتفجير مفاعل تشيرنوبل الروسي، الذي لا تزال المناطق القريبة منه غير صالحة للعيش ومهجورة من البشر، في حين يؤكد أنّ "غياب القوانين في العراق أسفر عن ترك هؤلاء المواطنين يستمرون في العيش بالمنطقة والأمر الذي أدى إلى هذه المأساة".
والحكومة مطالبة بوضع خطة طارئة للسيطرة على النشاط الإشعاعي في المنطقة وإخلائها من السكان، من أجل منع انتشار مرض السرطان في هذه المنطقة، بحسب الخبير البيئي.وبحسب تقارير صادرة عن وزارتَي الصحة والبيئة اطلع عليها "الترا عراق"، فإنّ المعدل السنوي للإصابة بأمراض السرطان في العراق يبلغ 2500 حالة إصابة كل عام، لكن هذه الأرقام لا تسجل فعليًا في المستشفيات وأن هناك المئات غيرها لم تكشف إلى الآن.
بيئة مدمرة
ويعاني العراق من ارتفاع نسب الإصابات الجديدة بأمراض السرطان بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، كما تزايد عدد الوفيات بهذا المرض بشكل كبير أيضًا، دون أي حلول حكومية لإيقاف انتشاره في جميع المحافظات.
وبنفس السياق، يقول أحمد صالح، وهو خبير في مجال البيئة لـ"ألترا عراق"، إنّ "العراق لا يزال قابعًا بزاوية متأخرة جدًا من زوايا الحفاظ على البيئة من غالبية الملوثات وأخطارها النووية، الأمر الذي يتزامن مع الملوثات المائية والهوائية والسمعية والبصرية".
وحول مساعي الحكومة تجاه هذا الملف، يرى صالح أنّ "الحكومة لا تعير الأهمية الكافية التي تتناسب مع الأخطار المحدقة بالإنسان والحيوان وكل التنوع البيولوجي في العراق".
ويستطرد المتخصص في مجال البيئة، قائلًا إنّ "الملف في العراق يتعدى قضية التلوثات إذ إن البلاد دائمًا ما تستورد ما لا يخضع للفحص الكامل من الملوثات مما أحدث فجوة كبيرة بالثقة بين المواطن والحكومة".
المعدل السنوي للإصابة بأمراض السرطان في العراق يبلغ 2500 حالة إصابة كل عام
ويعزو المتخصصون أسباب انتشار مرض السرطان في العراق إلى كثرة الحروب التي جرت خلال السنوات الماضية، مع ترك المخلفات الحربية التي حولت التربة والأراضي إلى مستنقع ملوث ينتشر منه العديد من الأمراض