في 19 كانون الأول/ديسمبر 2018، استُجوِب محافظ النجف لؤي الياسري من قبل مجلس المحافظة بشأن تورطه بـ "شبهاتِ فساد" إداري ومالي وتخصيصَ قِطع اراض في مقبرة وادي السلام وبمساحاتٍ كبيرة لذوي الجاه والنفوذ، وتَحوّل بيـِع مساحاتٍ في المقبرة إلى تجارةٍ رائجة، إضافة إلى هدر المال العام في مشروع إيواِء النازحين والموقـع البديل للمشروع وقضايا أخرى، من بينها تصاعُد ظاهرة تعاطي وتجارة المخدرات وزيادة جرائِم السطو المسلح بشكل ملحوظ خلال توليه المنصب.
شغل محافظ النجف الرأي العام بقضية الإساءة إلى الإمام الكاظم وقانون "قدسية النجف" عن شبهات الفساد التي تلاحقه وأوقف حراك إقالته
أجوبة الياسري على هذه التهم لم تقنع المجلس، فقرر إقالته من منصبه، لكن محكمة القضاء الإداري أبطلت القرار في 23 كانون الأول/ديسمبر 2019، وأعادته إلى المنصب من جديد، ليبدأ حراك لإقالته مرة أخرى "بناءً على تهم جديدة وأدلة تُدينه، لم تقدم في جلسة الاستجواب الأولى" بحسب عضو مجلس محافظة النجف جواد الغزالي.
اقرأ/ي أيضًا: "زلة لسان" تحول شاب إلى "داعشي" وشرطة النجف إلى مسرح للسخرية!
مع مرور الأيام، تصاعد الحراك ضد المحافظ واشتد شيئا فشيئًا، وعندما وصل إلى ذروته، فتح شاب يعمل بأحد مقاهي المحافظة يُدعى علي سرور أو "علوش جرمانة" بثًا مباشرًا على فيسبوك، مساء الأول من نيسان/ أبريل، مثل فيه "طوق نجاة" للياسري من الإقالة الوشيكة وربما المحاكمة، حين سب الإمام الكاظم في الوقت الذي كان فيه الآلاف يسيرون على الأقدام لزيارة مرقده في الكاظمية شمالي بغداد إحياءً لذكرى وفاته.
في اليوم التالي، أعلن محافظ النجف اعتقال "جرمانة" من قبل شرطة المحافظة وإغلاق مقهاه بـ"توجيه منه"، مشددًا على أن "ما بدر من هذا الشخص إساءة للمذهب والشعائر، وأن الدستور العراقي والقانون والأعراف تأمرنا باحترام رموزنا الإسلامية وقادتنا الموصى بهم".
وبعد تفاعل مواقع التواصل الإجتماعي مع الحادثة وتطوراتها بشكل واسع، خاصة مع إعلان شرطة النجف اعتراف "علوش جرمانة" بالانتماء لتنظيم "داعش"، ظهر المحافظ لؤي الياسري على شاشات التلفاز، متحدثًا عن "ضرورة تشريع قانون قدسية النجف"، لينشغل مجلس المحافظة وسُكانها بذلك، فضلًا عن تحول إقرار هذا القانون والجدل حوله إلى قضية رأي عام في البلاد، موقفًا بذلك الحراك الساعي لإقالته، إذ لم يتحدث عنها أحد منذ الحادثة وحتى اليوم.
الياسري استند في دعوته لتشريع قانون "القدسية"، إلى التظاهرات التي شهدتها النجف بعد أيام على تسجيل "جرمانة" لبثه المباشر وتداوله بشكل واسع على مواقع التواصل، والتي قادها بنفسه من مجسر ثورة العشرين في المحافظة بإتجاه ساحة الميدان، رفقة رئيس ديوان الوقف الشيعي علاء الموسوي، المتهم هو الآخر بملفات فساد.
10 ملفات فساد بعد عام على تكليفه
كان رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي كلف الموسوي في شباط/فبراير 2015، بإدارة الوقف بـ"درجة وزير"، مستعيضًا عن عدم امتلاكه شهادة أكاديمية بـ"كونه عالمًا حوزويًا"، فيما أحالت لجنة النزاهة في البرلمان السابق أكثر من 10 ملفات فساد تخصه الى هيئة النزاهة، في 11 آذار/مارس 2016، يتضمن أحدها "صرفه 66 مليون دينار عراقي من أموال الوقف الشيعي على إقامة حفل بولادة الامام الحسين، حيث اكتشفت اللجنة أنه كان حفلًا وهميًا"، وفق مقرر اللجنة النائب جمعة البهادلي.
من بين تلك التهم أيضًا، "صرف علاء الموسوي قوائم وآلاف الفواتير لشراء العسل والقيمر واللحم المثروم لديوان الوقف، فضلًا عن ملايين الدنانير الأخرى لشراء الكاهي وجبن العرب والفواكه في وقت كان العراقيون يعيشون فيه أزمة التقشف"، حسبما قال النائب كاظم الصيادي في 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2016، فضلًا عن اتهامات أخرى بتعيين مقربين منه بصفة مستشارين دون إمتلاكهم شهادات أكاديمية.
أشار الصيادي، الذي حاول أكثر من مرة استجواب الموسوي في البرلمان وجمع تواقيع لأجل ذلك، أيضًا الى قيام الموسوي بـ"تنصيب رئيس لجامعة الإمام الكاظم التابعة للوقف الشيعي بالرغم من عدم امتلاكه خدمة فعلية، وهو أمر مخالف للقوانين"، مؤكدًا "تلقيه شكاوى من موظفي الوقف بشأن سوء إدارة علاء الموسوي الذي يستنكف مقابلتهم".
بناءً على هذه التهم والملفات، حاول نواب في البرلمان السابق، ولعدة مرات في 2016 و2017، استجواب الموسوي، لكن الاستجوابات كانت تتعطل عندما تصل إجراءاتها الى المراحل النهائية، مُصطدمة بـ"ترشيح" المرجعية الدينية للموسوي لإدارة الوقف الشيعي و"تدخل" رئيس تيار الحكمة عمار الحكيم لـ "إيقاف واحد منها" بحسب الكاتب وعضو حزب الدعوة في بدايات تأسيسه سليم الحسني.
تلاحق رئيس ديوان الوقف الشيعي اتهامات بالفساد من بينها انفاق عشرات الملايين على حفل "وهمي" للإمام الحسين، لكن محاولات استجوابه في البرلمان فشلت حتى الآن
وبعد تحديد البرلمان السابق 28 كانون الثاني/يناير 2018، موعدًا لإستجواب الموسوي من قبل "3 نواب مُهمين" أكد عضو البرلمان فائق الشيخ علي في حينه، أن "استجوابهم لرئيس ديوان الوقف الشيعي سينتهي بالتصويت على إقالته"، أوفد الأخير نفسه إلى قبرص بداعي المشاركة في مؤتمر فكري هناك، فؤجل الاستجواب.
إضافة إلى تهم الفساد التي تلاحقه حتى الآن، يُتهم رئيس ديوان الوقف الشيعي بالتحريض على المسيحيين في العراق، إذ افتى في آيار/ مايو 2017 بـ "وجوب قتال النصارى حتى يدخلوا في الإسلام أو يدفعوا الجزية"، كما هاجم احتفالاتهم بأعياد رأس السنة الميلادية 2019، قائلا: "المسيحيين لا يتركون رذيلة إلا ويرتكبونها في مولد المسيح، من شرب الخمر والعربدة وغير ذلك من فضائع في شرق الأرض وغربها"، مستنكرًا "تأثر بعض المسلمين بهم ومشاركتهم في احتفالاتهم الفاسدة".
المئات من العوائل المسيحية رفعت حينها دعاوى ضد علاء الموسوي، وأعربت عن تخوفها من أن تعرضهم تصريحاته لانتهاكات شبيهة بالتي وقعت عليهم من قبل تنظيم "داعش" عقب سيطرته على مناطقهم بمحافظة نينوى في حزيران 2014، مستندة الى فتاوى مشابهة.
تخويل لرد إساءة "جرمانة"!
بعد "قيادته" لتظاهرات الاحتجاج على اساءة "علوش جرمانة" للإمام الكاظم، قال إعلام الوقف الشيعي إن "ملايين" من أهالي النجف ومدن أخرى "خولوا" رئيسه علاء الموسوي بـ "تمثيلهم للرد على التجاوزات التي صدرت بحق الإمام الكاظم في ذكرى استشهاده".
ونشر إعلام الوقف صورًا للموسوي أثناء التظاهرات، التي ألقى خلالها خطبة، أعلن فيها "تبرؤه إلى الله من كل فاجر وفاسق يتجرأ على حرماته ويتجاسر على مقام أولياءه، ويساعد على نشر الفساد والتحلل بين الشباب وينشر ثقافة الغرب الفاسدة بين أوساطنا، متذرعا بعناوين خادعة كحرية الرأي والتجدد والانفتاح والتحضر وما إلى ذلك من عناوين كاذبة"، محذرًا جامعة الكوفة منها.
وفي واحدة من تلك الصور، ظهر علي النجفي، نجل المرجع بشير النجفي الداعم لتشريع قانون "القدسية" يقف خلف رئيس ديوان الوقف الشيعي الذي أكد بيان الوقف على مسألة "تخويله مجتمعيًا".
قبل حادثة "الإساءة للامام الكاظم"، بأيام قليلة، كانت كتل برلمانية في مقدمتها سائرون، أكدت أنها "ستفتح قريبًا جميع ملفات الفساد في كافة مؤسسات الدولة والهيئات والملفات التي تم انجازها، والأخرى المرسلة إلى الادعاء العام ومحكمة النزاهة"، فضلًا عن تشكيل مجلس مكافحة الفساد من قبل رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي، وتوعد أعضاء المجلس بأن "الأيام القادمة ستكون قاسية على الفاسدين".
يتعمد السياسيون والمسؤولون إثارة الرأي العام عبر الخلافات الطائفية والسياسية لشغله عن تحرك ممكن لمحاسبتهم أو إدانتهم بالفساد والتقصير الذي أدى إلى مقتل مئات الآلاف وهدر مئات مليارات الدولارات
من ضمن الملفات التي تعتزم سائرون فتحها، بحسب رئيسها حسن العاقولي ملف سقوط الموصل الذي يتضمن اتهامات بالتورط لرئيسي الحكومة الإتحادية الأسبق نوري المالكي، وإقليم كردستان السابق مسعود بارزاني، واللذين رآى، الكاتب "صبرائيل الخالدي" أن إعلامهما "نجح بإشغال الرأي العام (في تلك الفترة) عن تورطهما في هذا الملف، عبر إدخاله في معارك جانبية تؤجل الأسئلة التي قد تُدينهما الإجابة الحقيقية عنها، فضلا عن تحويلهما إلى قادة ضرورة لا وقت لمحاسبتهما".
اقرأ/ي أيضًا: