10-أبريل-2019

الشاب الذي ظهر في بث مباشر واتهمته السلطات بـ"الإساءة" للإمام الكاظم (فيسبوك)

بعد اعتقال الشاب علي سرور المسؤول عن إدارة مقهى شناشيل في محافظة النجف بتهمة الإساءة للرموز الدينية تعرضت قيادة الشرطة في محافظة النجف لانتقادات واسعة لعدم احترامها لكرامة الإنسان بعد أن قامت بنشر صورة مهينة للمتهم سرور المكنى بـ"علوش جرمانة" وقد تم حلق ذقنه ورأسه. لم يكن أمام هذه القيادة من سبيل لتدارك ذلك غير الخروج ببيان يضاعف من تهمة جرمانة على أساس أن يقلل ذلك من تعاطف الشارع معه، لكن البيان أثار علامات استفهام كثيرة سرعان ما تحولت إلى واحدة من أكبر حملات السخرية الواسعة التي قام بها العراقيون على وسائل التواصل الاجتماعي، استهزاء وتندرًا من قرارات مؤسسات الدولة وشخصيات البلد السياسية والدينية والحاكمة.

بعد أن تعرضت شرطة النجف لانتقادات واسعة بسبب عدم احترامها لكرامة الناس خرجت ببيان يضاعف من تهمة الشاب وإنه ينتمي إلى "داعش" عسى أن تتدارك الأمر!

وقالت قيادة شرطة محافظة النجف في بيانها، إن "التحقيقات مع المتهم كشفت أن خلفه قضية خطيرة جدًا تستهدف اختراق الشباب فكريًا واستدراجهم للعمل في صفوف تنظيم داعش بعد غسل أدمغتهم واستهداف القيم الاخلاقية لديهم"، مبينة أن "المتهم اعترف على ثلاثة متهمين آخرين يعملون لصالح التنظيم".

اقرأ/ي أيضًا: بعد 16 عامًا من "الديمقراطية".. صدام حي في مراكز الشرطة!

أضافت أن "المتهمين الثلاثة اعترفوا بانتمائهم للتنظيم الإرهابي منذ سنتين وأنهم كانوا يتقاضون مبالغ مالية مقابل الإساءات للرموز الدينية والدعوة لانحراف الشباب وإثارة المجتمع وخلق الفتن والفوضى"، مشيرة في ختام بيانها إلى أن "القاضي المختص قرر توقيفهم وفق المادة أربعة من قانون مكافحة الإرهاب".

ناشطون في وسائل التواصل تحروا خلال ساعات قليلة عبر معارفهم في المدينة وعمل جولة استكشافية في حساب الشاب المتهم، ليجدوا أنه مقاتل في الحشد الشعبي، شارك في معارك كثيرة، كما عثروا له على صور في مجلس عزاء حسيني يشارك في واحدة من أكثر شعائر العزاء تطرفًا، ألا وهي "التطبير"، المتمثلة بعملية ضرب للرأس بسكين مشحوذ بما يكفي ليريق الدم بشكل منظور.

الصحفي مصطفى ناصر علق على اعتراف سرور بالانتماء لتنظيم داعش، قائلًا، إنه "سنصدق روايتكم عن شاب الكوفي بالنجف الذي شتم الإمام، بشرط أن تؤكدوا لنا أنه لم يتعرض للتعذيب من أجل سحب اعتراف مزيف عنه، واعرضوه على مفوضية حقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية الأخرى، ثم اعرضوه على قاض يخاف الله ويحكم بالحق، حينها سنصدق أن هذا الشاب الذي شارككم التطبير والتعبئة في المناسبات سابقًا، هو جاسوس داعش"، مرفقًا مع منشوره صورة لعلي سرور مضرج الرأس بالدماء بعد ممارسته "التطبير".

حفلة سخرية

بعد ساعات قليلة من البيان، توالت ردود الأفعال الساخرة من قبل مدونين وصحافيين وناشطين، لم يصدق أي منهم ما قالته قيادة الشرطة محافظة النجف.

الناشطة والصحفية حنين الخليلي قالت في منشور لها على فيسبوك، إن "شرطة النجف تقول إن من سب الكاظم اعترف أنه داعشي، ويستلم المال منذ سنتين مقابل سب الرموز الدينية، هذا يعني أن علوش جرمانة عمله الأساسي هو سب الرموز، والمقهى الذي يعمل فيه هو نوع من التمويه، والبنات العاملات عنده خدعة للتمويه أيضًا، لكن البث المباشر على حسابه في فيسبوك كشف مخططاته".

الخليلي أضافت ساخرة: "لو أن البث تأخر أكثر من ذلك بقليل، لاكتشفنا من قتل الحسين، ومن ضيع فلسطين، ومن طلَّق أم محمد دون أن يدفع لها النفقة".

ونشر حسن السراي صورة للمثلين عادل إمام ومصطفى من إحدى مشاهد مسرحية الزعيم، عندما يقوم عادل إمام تحت التهديد والتعذيب بالاعتراف بتهم غير منطقية على الإطلاق، مستشهدًا بإحدى عبارات الزعيم، بتصرف ليجعلها تتناسب مع الموقف "خروج السعودية من كأس العالم معتقل النجف مسؤول عليه".

وعلق الناشط والتشكيلي عامر موسى على خبر اعتراف جرمانة بالانتماء لداعش، قائلًا، إن المعتقل "سيعترف بتسميم الكاظم إن بقي في السجن حتى العصر".

مهزلة في المحافظة

تحول قضية الشاب المتهم بداية بسب الرموز الدينية إلى تريند على الفيسبوك العراقي، دفع وسائل الإعلام إلى تغطية هذه القضية، فكان محافظ النجف لؤي الياسري ضيفًا لإحدى القنوات المحلية عندما قال، إن "المتهم لا ينتمي لتنظيم داعش بل لتنظيم جديد يستهدف شريحة الشباب". تصريح الياسري وضع قيادة الشرطة في مأزق كبير، فإلحاقًا بموجة السخرية الكبيرة التي تعرضت لها على وسائل التواصل الاجتماعي، وجدت المحافظ الذي عادة ما كان حليفًا للشرطة يكذب أقوالها المشكوك في دقتها مسبقًا.

هذا التخبط أشعر طبقة أخرى من الناشطين النجفيين على وجه التحديد بالأسى والخجل لما يجري في مدينتهم.

الناشط الحقوقي علي السنبلي كشف في منشور مطول له على فيسبوك، التسلسل الزمني للتخبط لدى المكاتب الإعلامية في المحافظة وتصريحاتهم المتناقضة، فيما نقل عن والدي سرور مناشدة لرؤية ابنهم المعتقل.

وتداول ناشطون مقطع فيديو، لوالد ووالدة علي سرور، يكشفون فيه عن تعرض ابنهم للتعذيب وإجباره على الاعتراف بالانتماء لتنظيم داعش، مؤكدًا والده خلال الفيديو أن "ابنه البالغ من العمر 21 عامًا يستحق العقاب لتجاوزه على الرموز الدينية لكنه لا ينتمي لتنظيم داعش، فيما أشار إلى أن "الطريقة التي عومل فيها ولده لن تدفعه للهداية بل إلى الكفر".

أما رجل الدين الشاب، والناشط في وسائل التواصل الاجتماعي حسين علي والشهير بـ"حسين تقريبًا"، طالب السلطات أن "يرحموا محافظة النجف، مدينة أمير المؤمنين، من المهازل التي تجري"، مشددًا أن "التخبط والتشظي ونشر بيانات غير دقيقة حول النجف إلى موضوع للنكتة والمسخرة".

لكن الأغرب من ذلك كله، إن المحافظ لؤي الياسري عاد مرة أخرى ببيان ثانٍ، لينفي تصريحه الأول ويؤيد طرح قيادة شرطة محافظته حول انتماء جرمانة وثلاثة من أصحابه إلى تنظيم مرتبط بتنظيم داعش.

في ذات السياق وجه محافظ النجف بتشكيل لجنة تحقيقية لمحاسبة الذين قاموا بتسريب صور المتهم الذي أساء "للإمام الكاظم"، فيما قالت عوائل الموقوفين في تصريحات صحفية، إن "علوش جرمانة ورفاقه تعرضوا لأبشع حالات الضرب والتعذيب لهدف كسرهم ودفعهم إلى الانهيار عبر عملية التحقيق، كي يقبلوا ويقتنعوا بكل ما يقوله المحقق، ثم يقومون بالتوقيع طواعية على جرائم لم يرتكبوها".

وتثير قضية سرور قلق ناشطين في حقوق الإنسان ومجال الحريات العامة، بعد أن تم نزع اعتراف جرمانة وأقرانه بالانتماء لداعش تحت التعذيب، معربين عن خوفهم أن تتحول هذه الممارسة إلى سلوك تتبعه قوى الأمن لتكميم الأفواه وخنق الحريات عن طريق تلفيق تهمة جاهزة لا تذوي ولا يفوت موعدها، ألا وهي تهمة الإرهاب.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بيان لشرطة ومحافظ النجف بشأن الجهة التي تقف خلف المتهم بالإساءة للإمام الكاظم

قانون جرائم المعلوماتية.. لماذا يخاف السياسيون مواقع التواصل الاجتماعي؟