09-أكتوبر-2020

قالت وزارة المالية إن الضغط المالي سيستمر (Getty)

يغلق حسن جاسم هاتفه ويفتحه بأوقات متباعدة ويتحاشى الرد على "الديانة" بحسب وصفه، فراتبه الشهري تأخر لأسبوعين في الأزمة التي شهدتها البلاد، والكثير من المستحقات المالية التي يجب أن يسددها ويسميها "ثابتة الدفع" مر على موعدها أيام، مثل إيجار المنزل وخط النقل، واشتراك الإنترنت والمولد، وأقساط الأجهزة الكهربائية والإلكترونية.

كان التبادل التجاري يصل إلى نحو 70 مليار دولار سنويًا، لكنه انخفض في 2020 إلى النصف بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطنين

ويقول جاسم لـ"ألترا عراق"، إن "ميزانية الموظف مبوبة شهريًا، لمستحقات ثابتة الدفع، بالإضافة إلى فاتورة المواد غذائية، والتي تكون حسب الشراء، ومرور يوم 30 من الشهر دفع الجميع المطالبة بديونهم، فيما لا يملك معظم الموظفين دخلًا غير الراتب، ما يجعلهم في حيرة من أمرهم"، مبينًا أن "العرف جعل تسديد الديون عند استلام الراتب، وبعضهم يصبر على التأخير بعض أيام، لكن تأخره لهذه الفترة والتي قد تطول وتتكرر، يجعل أصحاب الديون يقفون لنا بالباب".

اقرأ/ي أيضًا: صرف الرواتب بعد "بيان الإفلاس".. من أين أتت الحكومة بالأموال؟

من جهته، يعتبر وسام عبد علي، ليس موظف وحده يعتمد على الراتب وإنما الجميع، ويقول لـ"ألترا عراق"، "حتى ما يسمى بالقطاع الخاص، وهو السوق يعتمد بشكل أساسي على راتب الموظف، وهذا واضح من خلال عملنا، إذ ينتعش سوق العمل من يوم تسليم الرواتب وحتى الأيام العشرة الأولى، فيما تكون فترة الكساد بعد منتصف الشهر".

ويتابع عبد علي وهو تاجر أجهزة كهربائية، "حاليًا السوق متأثر بشكل واضح بتأخر الرواتب، إذا اعتمد عملنا بقوة خاصة بعد عام ٢٠١٤ على البيع بالأقساط، في محاولة لضمان استمرارية العمل"، مبينًا أن "العديد من التجار رأس مالهم (دوّار) يعتمد على بيع الأقساط مثل محلات الأجهزة المنزلية والهواتف ومحال الغذائية الجملة، التي تبيع لتجار المفرد الذي يتعاملون بالتسديد الشهري".

عبد علي يواجه مشكلة التسديد منذ عشرة أيام ويوضح: "بالوقت الذي لدي مستحقات مالية على الموظفين تصل إلى نحو 25 ألف دولار، أنا كذلك علي مستحقات إيجار معرض الأجهزة الكهربائية والمخازن، بالإضافة إلى رواتب العمال وتسديد الشركات في العاصمة بغداد، وبعضها خارج العراق"، مشيرًا إلى أن "التأخير يخسرنا خسارة كبيرة، بالمقابل الموظف لا يملك دخل غير الراتب، وهو مصروف مقدمًا، ما يجعله مضطرًا للشراء بالدين".

لكن وزير المالية علي علاوي، فاجئ الجميع بإطلاق رواتب الموظفين لشهر أيلول/سبتمبر عقب تأكيدات سابقة بعدم توفر الأموال الكافية في بيان يرقى لأن يكون "إعلان إفلاس" صريح، وهو الأمر الذي يطلق المخاوف بشأن تكرار سيناريو التأخير وعدم حل أزمة الرواتب مع البرلمان، وبالتالي تكرارها في شهر تشرين الأول/أكتوبر الحالي، خاصة وإن وزارة المالية نبهت في بيان إطلاق الرواتب إلى أن "الضغط المالي في البلاد سيستمر في المستقبل المنظور"، فيما ينقل عن خبراء قولهم إن "ضريبة استيراد المشروبات الكحولية، وزوار العتبات المقدسة إذا فرض عليهم الحجز الفندقي الذي تعمل بموجبه معظم دول العالم تكفي لتأمين رواتب الدولة العراقية".

لا توجد منافذ لضخ الأموال في السوق غير إنفاق الدولة من خلال الرواتب، بحسب الخبير الاقتصادي صالح الهماشي، والذي يقول إن "أكثر 100 مليار دولار تُضخ سنويًا من الدولة على شكل رواتب  ومشتريات حكومية، تعتمد عليها معظم النشاطات الاقتصادية، تعثرها يعني توقف عمليات البيع والشراء، خاصة وأن الفوضى التجارية في الأسواق وعدم وجود قانون تجاري ينظم سوق العمل تسببت بكساد"، مبينًا أن "نشاطات تجارية فعالة شهريًا مثل خطوط النقل الموظفين والبضائع والوكالات التجارية داخل البلاد ستتوقف نشاطتها بسبب تأخر الرواتب، وهذا ما يدعو الحكومة إلى استشعار خطورة تأخر الرواتب".

وأضاف الهماشي لـ"ألترا عراق"، أن "غياب المنافذ المساعدة لسوق العمل مثل الاستيراد والتصدير، والسياحة، والتعاملات الصناعات والزراعية الخارجية، يجعل السوق مرهونًا بحركة الرواتب"، لافتًا إلى أن "التبادل التجاري بدأ يتأثر بشكل واضح، إذ كان يصل إلى نحو 70 مليار دولار سنويًا فيما انخفض في 2020 إلى النصف بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطنين".

وتابع الهماشي، أن "العراق لا يملك اقتصاد، وإنما مالية، وهذا واضح من خلال التعامل مع الأزمات الاقتصادية، التي لا تتجاوز الاقتراض أو التقشف، بينما الاقتصاد يعتمد على مجموعة أنشطة متداورة فيما بينها، مثل النشاط الصناعي والتجاري والزراعي، وهذه القطاعات مشلولة أو متوقفة، فيما يبقى قطاع النفط فعال لكنه ليس مؤثرًا فجميع العاملين به لا يتجاوزن 100 ألف".

النظرية الاقتصادية في العمل تصنف الوظائف إلى مباشرة وغير مباشرة، والأخيرة تعتمد على الأولى، بحسب الهماشي، ويقول إن "وجود مصنع فيه 30 عاملًا مثلًا يتقاضى كل منهم راتب محدد شهريًا، يجعل حول كل منهم أنشطة تجارية تعمد على دخله في سوق العمل، من بائع السجائر وحتى إيجار المنزل".

بدوره، قال عضو اللجنة المالية النيابية أحمد حمه، إن "لجنته لا زالت تجهل سبب تأخر الرواتب بالرغم من وجود إيرادات للخزينة العامة"، معتقدًا في حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "وجود رسائل عديدة من خلال تأخر الرواتب تحاول الحكومة إرساله للبرلمان للتصويت على قانون الاقتراض، وإلى الكتل السياسية لمساندة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وإلا نحن نذهب إلى أزمة اقتصادية كبيرة، وآخرها موجهة إلى الإقليم أن الحكومة الاتحادية تمر بأزمة مالية خانقة ولا يمكنها إرسال المبالغ المخصصة".

يرى خبير اقتصادي أن العراق لا يملك اقتصاد، وإنما مالية، وهذا واضح من خلال التعامل مع الأزمات الاقتصادية، التي لا تتجاوز الاقتراض أو التقشف

وعن المخاوف من تكرار أزمة رواتب أيلول/سبتمبر، يرهن عضو اللجنة المالية جمال كوجر تكرار تأخر الرواتب برغبة الحكومة وفعاليتها في دفع الرواتب للموظفين، بظل تنوع وارداتها وأهمها المنافذ الحدودية، مبينًا لـ"ألترا عراق" أن "قانون الاقتراض لم يصل للبرلمان لغاية الآن، وقرار المالية بدفع الرواتب لم يرتبط بالقانون في هذا الشهر". وهو الأمر الذي أكده الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي في تصريح لـ"ألترا عراق"، بالقول "حسب معلوماتي الخاصة، فإن الرواتب قد أطلقت من حساب وزارة المالية"، دون أن يكشف المزيد من التفاصيل.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

ضرائب الدخل: أموال المواطن "الخاصة" على موعد مع السلاح الأبرز في رهان المالية

معلومات "تضلل" الوعي المالي للشارع العراقي.. 3 قضايا "جدلية" خلال أسبوع