كان تاريخ المرأة حافلًا بالكثير من التغييرات طوال المسيرة الإنسانية، فمن سلطة الإله العليا إلى التهميش وفرض السلطة الذكورية عليها، حتى ظهور الموجة النسوية التي تطالب بحقوق المرأة والمساواة بينها وبين الرجل، وفي كل مرحلة من المراحل التي مرت بها، كان موضوع تأثيرها ضمن السياقات والظروف الموضوعية التي تمر بها الشعوب في أنظمتها سياسيًا ودينيًا وثقافيًا واجتماعيًا.
نرى رحلة بعض النسويات في استعادة هيبتها كانت مثابة حرب مع كل الرجال وهو الأمر الذي يضيع فيه سؤال الحقوق
ولم يكن الأمر مقتصرًا على المساواة فقط، فبعض النسويات ـ وعلى سبيل المثال ـ يحاولن استعادة النظام الأمومي، والبعض الآخر تريد القضاء على الرجل كونها تمسك زمام الأمور في التحكم بقضية الإنجاب، ولكونها قادرة متى أرادت أن تجعل الرجل ينقرض!
اقرأ/ي أيضًا: صور| المرأة العراقية في 100 عام.. ماذا تعرف عن إسهاماتها في تطور البلاد؟
وبالرغم أن مكانة المرأة متغيرة عبر العصور والأنساق الثقافية والدينية التي توضع فيها، لكن صراعها مع الرجل متجدد، لا سيما أنها تعول على النظام الأبوي في اضطهادها، لذلك نرى رحلتها في استعادة هيبتها بمثابة حرب مع كل الرجال، خاصة في صياغة بعض النسويات.
وليس هناك من شك في أن المرأة تعرّضت للكثير من الظلم، وهو ما يخبرنا فيه الماضي والحاضر ويعرفه القاصي والداني، مثل ما كان يمر بها فيما يسمى بـ"العصور الجاهلية"، حيث كانت المرأة تشكل عارًا على القبيلة ولذا كانت تدفن حية، أو تستخدم لأغراض التجارة والدعارة، لكن هل استمرار الحرب مع الرجل سيعيد لها مكانتها وحقوقها؟! أم هي مسألة ثأر قديم عليها الأخذ به؟!
لقد اتفق أغلب المؤلفين الاشتراكيين مع آراء ماركس فيما يتعلق بمشاكل النساء واضطهادهن، فالرأسمالية كما رآها ماركس نظامًا يساهم في اضطهاد المرأة، ولا يمكن أن تتحقق المساواة في ظل وجود الرأسمالية والطبقية، وهنا، تتلخص قضية المرأة في اقتصاد المجتمع، ووجود الطبقية التي تجعل المجتمع مقسمًا لعدة طبقات، ولكل طبقة امتيازاتها وحقوقها بحسب النسب والأصل!
وكان من رأي ماركس وانجلز بأنه حتى وإن تحررت اقتصاديًا وزال المجتمع الطبقي، لا بد من نضال فكري وثقافي يعيد للمرأة مكانتها، وتتمكن من إثبات فاعليتها على الأرض، وهي فكرة، أحسب أنها تضرب الذين ينظرون لمشاكل المرأة في استقلالها الاقتصادي فقط.
في مشهد من فيلم "الباب المفتوح"، ظهرت فيه البطلة ليلى "فاتن حمامة" تحث الطالبات على الخروج للتظاهرات، ومن ثمّ صرّحت الناظرة (مديرة المدرسة): "إن وظيفة المرأة هي الأمومة ومكان المرأة هو البيت، أن السلاح والكفاح للرجال"، فجاء رد ليلى على الناظرة: "إن حضرة الناظرة تقول إن المرأة للبيت والرجل للكفاح، وأنا أقول: إن الاستعمار حين استعمرنا لن يفرق بين المرأة والرجل، وحين ثبت الرصاص على قلوبنا لن يفرّق بين الرجل والمرأة فدعونا نعبر عن شعورنا، دعونا نعبر عن مشيئتنا وافتحوا لنا الأبواب".
شاركت المرأة في الاحتجاجات العراقية مع الرجل جنبًا إلى جنب، وقالت كلمتها وقامت بالأدوار المختلفة، وقدمت نموذجًا للمرأة المتحررة في العالم
في هذا المشهد تحدت فاتن حمامة سلطة الناظرة ودافعت عن صوتها وحقها بالاحتجاج، وقدمت مثالًا عن النضال الفكري والثقافي الذي يجعلها مؤثرة بالشأن العام، فمثلًا لو أخذنا نظرة عن أبرز النساء اللواتي ظهرن بهذا الوقت، لوجدنا موجة كبيرة من النساء تحولن إلى "مودل"، ولو تحدثنا مع أغلب النسويات العربيات لاقتصرت أحاديثهن على حريتهن في إظهار أجسادهن، وهذا أيضًا محترم وجزء من الحقوق، لكنه ليس هو جذر المشكلة! ولا شك أنها حرة، لكن موجات هشة كهذه لا يمكن أن تستمر، ففي ظل عمليات التجميل التي باستطاعتها تحويل الرجل إلى أنثى، يجب أن تُدق مطالب المرأة على لوح خشبي لا أن تكتب على حفنة من الرمل!
اقرأ/ي أيضًا: المرأة العراقية أمام "استحقاقات" الاستبداد.. حلقات من تاريخ لم يتوقف
في سياق النضال الديمقراطي الحقوقي للنساء، باستطاعة المرأة أن تحفظ كرامتها، وتمهد لمجتمع متكافئ الفرص من خلال إيصال صوتها إلى مواقع التشريع، وصناعة القرار، فمثلًا لا تزال مشاركة المرأة في البرلمان أمرًا صعبًا بسبب وجود "نظام الكوتا" الذي يخصص حصة لمشاركة النساء لا تقل عن الربع من عدد أعضاء مجلس النواب، فضلًا أن وجودها وكأنه إسقاط واجب ولا تصل عن طريق العتبة الانتخابية، وكأنها تعيش في المريخ، وهذا يعود لأسباب كثيرة، منها عدم وجود تنظيمات نسائية ضاغطة تدخل في إطار المنافسة السياسية.
إن إيصال المرأة إلى مواقع صناعة القرار، وتعزيز رأيها بالشأن العام ومحاولة تدخلها في إصلاح الأنظمة السياسية يعد أمرًا مهمًا، فمن الضروري أن تطالب المرأة بكسر القوانين التي تخالف معايير المساواة والتمييز التي ينص عليها الدستور، كما أن دخول النساء الفاعلات في تنظيم يكون بداية للتمرد على وجودها الخجول في العملية السياسية ودخول قواعد اللعبة والمنافسة، وهذا هو النضال الذي يجعل حريتها نتيجة حتمية، لا الحديث بالأمور التي لا تشتبك مع جذور مشاكلها كما أسلفنا سابقًا.
إن تسطيح مشاكل المرأة ودفعها لتصديق بأن أسباب الاضطهاد تعود للاختلافات البيولوجية، يعني أن الرجل ولد عدائيًا للمرأة ومتسلطًا، والتصديق بهذا الاعتقاد يعني أن اضطهاد المرأة وتهميشها لا يمكن أن يختفي إلا باختفاء الرجال والقضاء عليهم، فهذه العدائية مع الرجل ستشعل الحرب الأبدية وتحكم على المجتمع بالصراعات المستمرة بين الجنسين، فحتى لو انتصرت المرأة فيما بعد، ونالت السلطة العليا وهمش الرجل، لن تختفي الحروب لأنها صارت هي القضية، بالإضافة إلى أنه ستكون هناك حرب مضادة من قبل الرجال للقضاء على تهميشهم واستعادة مكانتهم الاجتماعية ويستمر الصراع، ويغيّب حوار الحقوق ولا يُنظر للأسئلة المتعلقة بالنهضة.
في العراق مثلًا، شاركت المرأة في الاحتجاجات العراقية مع الرجل جنبًا إلى جنب، وقالت كلمتها وقامت بالأدوار المختلفة، وقدمت نموذجًا للمرأة المتحررة في العالم، لكنها مع ذلك، تعرضت للاضطهاد والخطف والقمع كحال الرجل تمامًا، وهو أمر كما يبدو، يعود أولًا إلى أزمة النظام السياسي في العراق، ويعني أن نضالها هنا مع الرجل واحد. كما يشير من جانب آخر إلى أن الرجل وإن كان لينًا مع المرأة، أو مشابهًا لها بالدور، لن تحقق المرأة حريتها إن لم يكن هناك نظامًا سياسيًا يكون رادعًا ضد التميز وضامنًا للمساواة بالحقوق.
اقرأ/ي أيضًا: