مئات الآلاف من الأسماك النافقة على حافات المياه، بهذه الصورة ظهر "نهر العز" في محافظة ميسان ليبيّن حجم الأضرار المأساوية التي تعيشها الأنهر العراقية، وكذلك الأهوار، والتي سبّبها انخفاض مناسيب نهري دجلة والفرات بسبب قلّة التدفقات المائية القادمة من إيران وتركيا.
وتزامن حدوث حالة النفوق، مع إعلان وزارة الموارد المائية عن حملة لإزالة أحواض تربية الأسماك المتجاوزة على نهر دجلة، ضمن إجراءات التخفيف من حدّة الشحة المائية وتوفير الكميات المطلوبة بعيدًا عن الهدر.
لجنة تحقيق
وفور إعلان حالة النفوق السمكية، أعلنت دائرة البيطرة في وزارة الزراعة، تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة أسباب حدوث هذه الحالة في محافظة ميسان، قبل أن تعلن الدائرة نتائج التحقيق بعد ساعات.
وتبيّن من خلال التحقيق، أنّ "هناك انخفاضًا في نسبة الأوكسجين مع إطلاقات مائية قليلة وارتفاع نسبة الأملاح، ما أدى إلى نفوق الأسماك".
ويعيد نهر العز إلى الأنظار مشهد عاشته محافظة بابل عام 2018، حين ضربت موجة نفوق الأسماك نهر الفرات بسبب انتشار فيروس "تعفن الغلاصم"، بعد أيام قليلة من إعلان العراق تحقيق الاكتفاء الذاتي من الثروة السمكية.
مياه قليلة قبال الزيادة السكانية
ويعزو وزير البيئة السابق، جاسم الفلاحي، نفوق الأسماك في ميسان، إلى انخفاض مناسيب مياه نهري دجلة والفرات، مشيرًا إلى وجود قلّة في التخصيصات المالية قبال زيادة كبيرة في السكان مما يؤدي إلى "قتل الأراضي الزراعية" مستقبلًا.
نحو 40 بالمئة من الأراضي الصالحة للزراعة في العراق معرضة للتدهور والتصحر
ويصنف العراق من أكثر الدول تأثرًا بالتغيير المناخي، نتيجة الارتفاع غير المسبوق لدرجات الحرارة، إضافة إلى "سياسات دول المنبع فيما يتعلّق بزيادة الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات"، بحسب الفلاحي.
ويقول الفلاحي لـ"ألترا عراق"، إنّ "نفوق الأسماك في جنوب العراق حصل نتيجة الانخفاض في الحصص المائية وارتفاع نسبة الملوحة، وهذا أدى إلى قلة الأوكسجين المذاب، فضلًا عن أن هذا كله "نتيجة التراجع في الإطلاقات المائية".
ويحذّر وزير البيئة من تأثير حجم الزيادة السكانية في البلاد مستقبلًا مع تقلّص مساحات الأراضي الصالحة للزراعة، فيما يبيّن أنّ "هناك نحو 40 بالمئة من الأراضي الصالحة للزراعة معرضة للتدهور والتصحر".
وبحسب الفلاحي، فإنّ 33 بالمئة من نسبة سكان العراق مهددون نتيجة الجفاف، موضحًا أنّ "تلك النسبة تمثل السكان الذين يسكنون الريف ويعملون في مجال الزراعة وتربية الحيوانات".
هل هناك "حلول دبلوماسية"؟
المتحدث باسم وزارة البيئة، أمير الحسون، قال في حديثه لـ"ألترا عراق"، إنّ "وزارته حذرت منذ سنوات طويلة ولأكثر من عقد، من تأثر العراق بين حين وآخر بمشاكل التغير المناخي وهذه الأمور تتفاقم على مستوى الكوكب".
وتتفاقم المشكلة ـ بحسب الحسون ـ بشكل أكبر على مدن الجنوب والأهوار العراقية، إذ أنّ "ملايين من العراقيين يحتاجون إلى هذه الأهوار للزراعة والصيد وأمور كثيرة".
وطالب السلطات التركية بـ"النظر مرة أخرى للعراق وأن تراعي الجانب الإنساني والبيئي".
ولفت الحسون إلى أنّ "وزارته ناشدت وزارة الموارد المائية لإطلاق حصص مائية طارئة لأهوار الجنوب، منها أهوار الحويزة الأكثر تأثرًا لمحاولة من الاستفادة من الخزين القليل المتوفر لوزارة الموارد لإنعاش هذه المنطقة".
ويتحدث الحسون عن "معالجة أزمة المياه قريبًا عبر الطرق الدبلوماسية مع تركيا"، كما زعم أنّ "هذه الحكومة ستنجح بمعالجة مشكلة الإطلاقات المائية من الجارة التركية مثلما نجحت في الملفات الأخرى".
لكنّ "مرصد العراق الأخضر"، تحدث عن تحذيراته للمعنيين بملف المياه، بأن "صيف العراق المقبل سيهلك الثروة المائية والحيوانية للبلاد"، مستدركًا لكن "السلطات العراقية تاركة قضية المياه لحلول السماء وليس التفاوض مع دول الجوار".
قد نضطر لشراء الماء
ويدعو الخبير البيئي حيدر معتز، إلى الإسراع في وضع الحلول للجفاف القادم قبل تفاقم الأمور إلى حد "شراء الماء الصالح للشرب"، على حد تعبيره.
ويقول معتز لـ"ألترا عراق"، إنّ "التصحر والجفاف المائي ونفوق الأسماك ظواهر تضر بالبيئة ومن الممكن أن تهدد الأمن الغذائي العراقي، وأيضًا وتؤثر سلبًا على الجانب الاقتصادي، مع التنوع الحيوي".
وبدأ التغير المناخي في العراق منذ قرابة 20 عامًا دون حلول له، إذ يرى معتز ضرورة أن يتم توقيع بروتوكولات دولية مع الدول الجوار، سيما إلزام تركيا مع إيران بزيادة الإطلاقات المائية".
وحذر من أن الجفاف قد يدفع بأبناء العراق إلى الاضطرار مستقبلًا لـ"شراء الماء الصالح للشرب إذا ما استمر الوضع المائي الحالي".
وينتقد معتز "عدم وجود أي تحرك حكومي حقيقي نحو دول الجوار للاتفاق على معالجة أزمة المياه وزيادة إطلاقات نهري دجلة والفرات".