بدأت عمليات استهداف القواعد وأماكن تواجد القوات الأمريكية في العراق تأخذ منحًا تصاعديًا لأول مرة منذ أكثر من عام، وذلك بعد تهديد وجهته الفصائل المسلحة في العراق لواشنطن، بأنها "ستتدخل إذا أقدمت على التدخل في الحرب بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي".
تبنت الفصائل العراقية تحت عنوان "المقاومة الإسلامية في العراق" حتى ظهر 22 تشرين الأول 6 هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ
وفي 18 تشرين الأول/أكتوبر، زار الرئيس الأمريكي جو بايدن تل أبيب، وأبدى في تصريحاته دعم واشنطن الصريح للاحتلال الاسرائيلي وعملياته ضد المدنيين في غزة، قائلًا إنه "أراد الحضور لإسرائيل حتى يعرف الناس فيها وفي العالم بأسره أن الولايات المتحدة تقف مع إسرائيل"، مبينًا أنّ "واشنطن تريد أن تتأكد من امتلاك إسرائيل ما تحتاجه للرد على هجمات حركة حماس".
وبالفعل، في ذات اليوم، تم استهداف قاعدة عين الأسد في الأنبار وقاعد الحرير في أربيل بهجومين منفصلين، وتحقيق إصابات فعلية، ولاسيما في قاعدة عين الأسد، قبل أن يتم الإعلان عن وفاة أحد المتعاقدين.
وبعد أول استهداف ضرب قاعدة عين الأسد، صدر بيان باسم تشكيل "الوارثين" قد تبنى العملية، إلا أنّ العمليات استمرت منذ الأربعاء 18 تشرين الأول/أكتوبر بشكل يومي، على القواعد الأمريكية في الأنبار وأربيل وبغداد، وحتى سوريا.
وفي يوم الخميس 19 تشرين الأول/أكتوبر، تم استهداف قاعدة عين الأسد بصواريخ غراد هذه المرة وليس بطائرات مسيرة.
وفي يوم الجمعة 20 تشرين الأول/اكتوبر تم استهداف قاعدة الحرير قرب مطار أربيل بطائرتين مسيرتين، وكذلك استهداف قاعدة فكتوريا في مطار بغداد بصواريخ كاتيوشا، ليطال استهداف قاعدة عين الاسد يوم السبت 21 تشرين الاول/أكتوبر بطائرة مسيرة.
وتبنت الفصائل العراقية، حتى ظهر الأحد 22 تشرين الأول/أكتوبر، 6 هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ في عدة أماكن من العراق.
وتوقفت الهجمات التي بدأتها الفصائل عقب اغتيال قاسم سليماني وجمال جعفر المهندس في هدنة سبقت تشكيل حكومة محمد شياع السوداني صيف 2022، لتعود بعد تهديدات أطلقتها الفصائل الكبرى، بعد محاصرة الاحتلال الإسرائيلي لغزة وقصفها بشكل غير مسبوق منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر حيث نفذت كتائب "القسام" عملية طوفان الأقصى.
وبالنسبة للعديد من المراقبين، فإنّ الملفت بعد التبني الأول لاستهداف "عين الأسد" يوم الأربعاء باسم تشكيل الوارثين، أصبحت جميع بيانات تبني العمليات الأخيرة تصدر باسم "المقاومة الإسلامية في العراق" أو "المقاومة الأسلامية" فقط، في عنوان غير معتاد في تبني العمليات العسكرية والهجمات على المصالح الأمريكية، لتختفي أسماء الوارثين وأصحاب الكهف وغيرها من الأسماء التي كانت ملازمة لعمليات استهداف القوات الأمريكية خلال العامين الماضيين.
هذا العنوان، جاء موحدًا مع العنوان الذي يستخدمه حزب الله اللبناني في عملياته الحالية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تصدر البيانات باسم "المقاومة الإسلامية".
"زخم أكبر"
يرى صحفيون ومراقبون للشأن السياسي، أنّ استخدام الفصائل المسلحة في العراق، المقربة من إيران، لعنوان "المقاومة الإسلامية" واختفاء التسميات الأخرى، هو محاولة لـ"توحيد الجبهات وجعل جميع العمليات تحت عنوان واحد سواء في اليمن ولبنان وسوريا وفلسطين".
ويقول الصحفي والناشط معن أمين في حديث لـ"ألترا عراق" إنّ "استخدام هذه العناوين من قبل الفصائل العراقية، تهدف إلى توحيد الجبهات، خصوصًا وأنها تقاتل تحت هدف واحد مهما تنوع العدو المستهدف أمريكي أو إسرائيلي، فجميع هذه العمليات لم تأتِ لأسباب داخلية بل مرتبطة بمعركة طوفان الأقصى".
وأشار إلى أنه "عندما يكون الهدف واحد، يكون القتال تحت عنوان واحد أكثر تأثيرًا ويعطي زخمًا للعمليات، فضلًا عن كونه يوحي إلى وجود جبهة واسعة واحدة ضد عدو معين، وهذا له أبعاد نفسيّة للعدو وتوحي إلى ذوبان التقسيمات الأسمية وحتى المكانية، وتعطي انطباعًا على أن هناك جهة واحدة تقاتل في كل مكان وتظهر في أكثر من هدف، وهذه جميعها لها آثار على الصعيد العملياتي".
استراتيجية إيرانية.. وصراع على لحظة التحكم
رئيس المركز الأسترالي للدراسات، الباحث أحمد الياسري، استطرد أكثر فيما يخص "توحيد الجبهات وتبعاتها ونتائجها على الصعيد العسكري أو على الصعيد السياسي"، خصوصًا فيما يتعلق بحكومة السوداني.
ويقول الياسري في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "استخدام هذا العنوان الموحد، هو إعلان مسبق لتوحيد الساحات، لذلك فإنّ الحاجة للتخفي خلف العمليات لم تعد مجدية، بل على العكس إظهار الهوية هو المجدي".
وبالنسبة للباحث الياسري، فإنّ "فكرة إظهار الهوية هي فكرة إيرانية لخلق ضواغط عسكرية على إسرائيل وأمريكا الهدف منها وعلى مختلف المستويات، هو تخفيف الضغط على غزة"، مبينًا أنّ "إسرائيل جادة في عمليات الاجتياح البري والقضاء على حماس واستبدالها بسلطة أخرى، وهذه الأسس مرعبة بالنسبة لإيران، لأن إيران تعتبر موضوع الساحات موضوع مهم جدًا في عمليات التفاوض مع أمريكا والغرب، ويجب أن تترسخ، والقضاء على حماس يضرب هذه الأسس الإيرانية التي تريد الحفاظ على التوازن".
ويصف الياسري ما يجري من صراع على الساحات الأخرى، يندرج ضمن "استراتيجية اللحظة الأخيرة"، أي من الذي "يكون قادرًا على احتواء هذه اللحظة، ومن الذي سيفوز بامتلاكها، وإدارة شكل الصراع".
السوداني في موقف محرج
ويتوقع الياسري، أنّ الصراع سواء على الجبهة اللبنانية، أو خصوصًا في العراق "سيتوسع، وستزداد عمليات استهداف القواعد الأمريكية في العراق، وهذا سينعكس سلبيًا على حكومة السوداني، وأمريكا ستشدد من فرض الضوابط في العراق وخصوصًا الاقتصادية".
ويشير الياسري إلى نقطة يصفها بـ"المهمة"، وهي أن "حكومة السوداني من المعروف أنها حكومة الإطار التنسيقي، المرتبط بأغلب التشكيلات الفصائلية في العراق، ما يوحي أو يُقرأ على أن استهداف القواعد الأمريكية يجري بدعم حكومي، رغم إعطاء السوداني وعودًا بحمايتها وسيعقد العلاقة بين السوداني وأمريكا التي هي غير مستقرة أصلًا".
وجه السوداني الأجهزة الأمنية بتتبع العناصر المنفذة للهجمات على القواعد العسكرية مؤخرًا
وفي السياق، أمرت وزارة الخارجية الأمريكية، بإجلاء موظفين من السفارة الأمريكية في بغداد والقنصلية في أربيل، على خلفية تصاعد التوتر إثر الحرب التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على غزة.
ونشرت الخارجية الأمريكية بيانًا يعود تاريخه إلى يوم الجمعة الماضي 20 تشرين الأول/أكتوبر، ينص على إجلاء الموظفين غير الأساسيين من سفارتها في بغداد وقنصليتها في أربيل.
وقالت إنّ الأمر "يعود إلى التهديدات الأمنية المتزايدة التي تطال طواقم الولايات المتحدة ومصالحها".
ويشمل الأمر "أفراد أسر (الموظفين)، والموظفين غير الأساسيين" في البعثة الديبلوماسية الأمريكية في العراق.
ووجه رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، الأجهزة الأمنية بتتبع العناصر المنفذة للهجمات على القواعد العسكرية مؤخرًا.
الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول، قال في بيان اطلع عليه "ألترا عراق"، إنه "في الوقت الذي عبرت فيه الحكومة العراقية بمناسبات عدة، عن إدانتها العدوان الصهيوني على سكان قطاع غزة، وكررت دعواتها لإنهاء الأوضاع المأساوية التي يعانيها أشقاؤنا الفلسطينيون جراء ذلك العدوان، وهو ما يمثل الموقف المبدئي الثابت تجاه نضال الشعب الفلسطيني، فإننا نؤكد كذلك رفضنا الهجمات التي تستهدف القواعد العراقية والتي تضم مقرات مستشاري التحالف الدولي المتواجدين في العراق، بدعوة رسمية من قبل الحكومة؛ لمواصلة عملهم في دعم عمل قواتنا الأمنية من حيث التدريب والتأهيل والاستشارة، وفق آلية واضحة جرى وضعها من قبل القنوات الرسمية والدبلوماسية العراقية".
وقال رسول إنه "لا يمكن التهاون في أمن وسلامة تلك المقرات"، مبينًا أنّ "القائد العام للقوات المسلحة وجه الأجهزة الأمنية كافة بالقيام بواجباتها وتنفيذ القانون وتعقب وتتبع العناصر المنفذة لتلك الهجمات، وعدم السماح بأي حال من الأحوال في الإضرار بالأمن والاستقرار اللذين تحققا بفضل التضحيات الجسام لأبناء قواتنا المسلحة، بمختلف صنوفها وتشكيلاتها".
ويوم أمس، قال وزير الخارجية فؤاد حسين، إنّ شعورًا بالقلق ينتابه إثر تجدد هجمات الفصائل المسلحة في العراق، وأشار في الوقت ذاته إلى أنّ القوانين العراقية والدولية تفرض على القوات العراقية حماية البعثات الدبلوماسية.
وارتفعت حصيلة العدوان الوحشي على قطاع غزة، منذ بدايته في السابع من الجاري، إلى 4651 شهيدًا بينهم 1873 طفلًا و1023 سيدة، إضافةً إلى 14.245 مصابًا بجراح مختلفة بحسب آخر إحصائية صادرة عن وزارة الصحة في قطاع غزة.