27-ديسمبر-2018

وُثقت 13 حالة اتجار بالبشر في العراق، خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي فقط (Getty)

ضحايا غالبيتهم من الأطفال والنساء، يقعون فريسة سماسرة وتجار وشخصيات نافذة في الحكومة العراقية، ليُستعبدوا أو يُستغلوا جنسيًا، أو تسرق أعضاؤهم، وذلك ضمن شبكات من عصابات الاتجار بالبشر، تنتشر في كل أنحاء البلاد، وتنشط بشكل فاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي دون رادعٍ حقيقي.

ضحايا معظمهم أطفال ونساء يقعون فريسة سماسرة وتجار ونافذين في الحكومة العراقية، ليُستعبدوا أو يُستغلوا جنسيًا، أو تسرق أعضائهم!

وكان البرلمان العراقي قد أقر قانون مكافحة الاتّجار بالبشر رقم 28 لعام 2012، نتيجة اتساع دائرة هذه الجريمة بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003، لكن القانون لم يحد بشكل فاعل من الجريمة التي تعرف أيضًا بـ"تجارة البضاعة الناعمة".

شاهد/ي أيضًا: فيديو: معلومات صادمة عن الاتجار بالبشر حول العالم 

ويحدد القانون الاتجار بالبشر بأنه "كل عمل يقصد به تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بوساطة التهديد بالقوة، أو استعمالها، أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع، أو استغلال السلطة، أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر، بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو العمل القسري أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية".

الدعارة وسرقة الأعضاء

وخلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي فقط، وُثقت في العراق 13 جريمة اتجار بالبشر، بحسب التقرير الأول للمرصد العراقي لضحايا الاتجار بالبشر، الذي تأسس حديثًا لـ"تسليط الضوء على حجم الخطر التي تمثله الظاهرة"، كما قال مدير حسن الشنون لـ"ألترا صوت".

وكشف المرصد في تقريره، أن الأطفال ممن هم دون الـ16، والنساء، يمثلون ثلثي الضحايا، إذ يتم استغلالهم ماديًا، أو إجبارهم بواسطة ذويهم، أو بواسطة تجار وسماسرة تحت التهديد. كما أكد المرصد في تقريره على تورط "سماسرة وتجار وشخصيات نافذة في الحكومة، في إيقاع ضحايا في شباك الاتجار، مستغلة بذلك نفوذها في مؤسسات أمنية، تسهل عليها التملص من المساءلة القانونية والإفلات من العقاب".

تقع 40% من جرائم الاتجار في البلاد ضمن العاصمة بغداد، وتديرها ثلاث شبكات وثقها المرصد حتى الآن، تعمل على استدراج الضحايا من خلال صفحات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، يديرها سماسرة "يقتنصون ضحاياهم بأساليب تنطوي على نصب واحتيال لانتزاع أعضائهم مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين سبعة إلى عشرة ملايين دينار عراقي، أي حوالي 840 دولارًا أمريكيًا.

تُجري الشبكات الثلاثة عمليات سرقة الأعضاء البشرية في مستشفيات في كل من بغداد والسليمانية، وفي العاصمة السورية دمشق، بحسب تقرير المرصد، وذلك بالتواطؤ مع أطباء في هذه المستشفيات، فيما تدير شبكات أخرى عمليات مماثلة في أربيل وأيضًا في السليمانية شمال العراق.

وثق المرصد أيضًا حالتي الاستغلال للتسول وشبكة للدعارة في بابل والديوانية. ويدير شبكة الدعارة في بابل، نازح من محافظة نينوى، وضحيتها هي زوجته التي يجبرها على ممارسة الجنس مع أشخاص آخرين تحت التهديد بالقتل، فيما تدير الشبكة الثانية في الديوانية امرأة تشتري فتيات عذراوات من أسرهن مقابل مبالغ مالية كبيرة.

لا توجد إحصائية رسمية بعدد الضحايا على مستوى البلاد، لأسباب أمنية، ولخوف كثير من ذوي المجني عليهم من الإعلان عن ذلك، خضوعًا لبعض الأعراف الاجتماعية، لكن السلطات العراقية سبق أن أعلنت انخفاض جرائم الاتجار بالبشر خلال عام 2017، بتسجيل 266 حالة مقابل 314 حالة في 2016، في حين أكد المرصد أن العشرات من حالات الاتجار بالبشر في بغداد والمحافظات تحصل بشكل يومي ومتزايد، ما ينذر بالخطر.

تقصير حكومي يهدد بعقوبات دولية

يزيد من تلك الخطورة، التقارير الدولية والأممية بشأن تنامي الظاهرة في البلاد، حيث وضع تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية، في حزيران/يونيو 2018، العراق في المستوى الثاني للمراقبة، للسنة الثانية على التوالي، متوعدًا بمحاسبة ومحاكمة عدد من المسؤولين العراقيين المتورطين في الاتجار بالبشر، فضلًا عن عقوبات من المزمع أن تفرضها الولايات المتحدة على البلاد في حال عدم وضع معالجات لهذه التجارة.

الدعارة
تنشط شبكات الدعارة التي تستغل فيها النساء والفتيات قسرًا، في بغداد 

وفي هذا الإطار، توقع مدير المرصد حسن الشنون، مواجهة العراق قريبًا لعقوبات اقتصادية وسياسية وعسكرية، حيث تستعد الخارجية الأميركية لوضع البلاد في المستوى الثالث ضمن تقريرها الذي سيصدر في الشهر المقبل. وأكد حسن الشنون وجود "قصور في الإجراءات الحكومية لمواجهة جرائم الاتجار بالبشر".

قال حسن الشنون لـ"ألترا صوت"، إن "حجم جرائم الاتجار بالبشر كبير جدًا، وفي تزايد، نظرًا للأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية المتردية، والتي ساعدت على انتشار شبكات السماسرة في ظل عدم وجود مراكز إيواء حقيقية للضحايا"، لافًتا إلى نشاط شباكات الاتجار دون رادع قانوني على مواقع التواصل الاجتماعي. 

أوضح حسن الشنون أن كل تلك الأسباب دفعت إلى تأسيس المرصد الذي يديره، والذي يضم 22 مُوثقًا وفريقًا من القانونيين منتشرين في جميع المحافظات العراقية، يعملون على توثيق حالات الضحايا من خلال اللقاءات المباشرة مع الضحايا أو من خلال اختراق شبكات الاتجار عبر "خطط مدبرة".

الأسباب والعلاج

على الغرار البلدان التي تشهد نزاعًا وحروبًا مستمرة، ساهم ذلك في رواج الاتجار بالبشر في العراق، في ظل ضعف الدولة وتعزز الانفلات الأمنيّ، إضافة للفساد المستشريّ، حيث تتركز هذه التّجارة في المناطق الفقيرة والعشوائية.

يقول حسن الشنون، إن "الظروف الأمنية غير المستقرة وانتشار مافيات الاتجار بالبشر التي ترتبط أو تقف خلفها مليشيات مرتبطة بأحزاب متنفذة؛ دفعت الضحايا في العراق للبحث عمن يدافع عنهم في سبيل إيصال صوتهم إلى السلطات، للحد من هذه الجرائم"، مؤكدًا أنه ملف متشعب وينطوي على الكثير من المخاطر، إلا أن فريقه "لم يصطدم حتى الآن بأية معوقات أو مخاطر".

تجارة الأعضاء
القُصّر هم أغلب ضحايا تجارة الأعضاء في العراق 

حث المرصد الجهات المعنية والمختصة على بذل جهود أكبر للحد من هذه الجرائم ومعالجة أسبابها وتوفير ملاذات آمنة للضحايا، فضلًا عن تفعيل دور اللجنة المركزية العليا لمكافحة الاتجار بالبشر، واللجان الفرعية في المحافظات، داعيًا السلطات الأمنية والقضائية العراقية إلى تفعيل وتطبيق قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012، وإيقاع أشد العقوبات بحق كل المتورطين في هذه الجرائم.

لكن القانون ليس كافيًا، بحسب ما يرى مراقبون، وذلك لعدم إلزام وزارة الداخلية بدعم القانون، وعدم توفيره أرضية مناسبة تكافح أسباب الجريمة اقتصاديًا، وإنما اقتصاره على تعريفات وعقوبات غير رادعة. 

حجم جرائم الاتجار بالبشر في العراق، كبير وفي تزايد مستمر، بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية المتردية

يرى عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، وفق تصريح صحفي له، أن مواجهة الظاهرة تستوجب "تفعيل الجهات الأمنية والجهد الاستخباري ومكافحتها عبر متابعة منظمات الجريمة والتفاعل الإيجابي بين العراق وجيرانه"، مشيرًا إلى ضرورة الاستعانة بجهود وكالات الأمم المتحدة التي تعاملت مع ظاهرة الاتجار بالبشر، فضلًا عن حملات إعلامية تثقيفية، وإنفاذ القانون على الجميع وفرض عقوبات مالية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من "أسلمة" صدام إلى الغزو الأمريكي.. التاريخ الدموي لسوق الدعارة في العراق

فضيحة في برلين.. استغلال القاصرين جنسيًا مقابل المال