ألترا عراق ـ فريق التحرير
بخلاف جميع التحركات السياسية التحضيرية للانتخابات المقبلة من قبل الكتل والأحزاب والشخصيات المختلفة، يخوض التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر تحشيدًا معقدًا وبوتيرة أعلى وأكثر توترًا، اختلطت فيها محاور نقد الذات ومحاولة التبرئة، ونقد آخر معاكس ومحاولات لتكريس وتبيان "مظلومية" التيار الصدري ككيان منفرد وجسم واحد منفرد ومتقاطع مع الجميع، ولا سيما الجهات الشيعية الأخرى، فضلًا عن حديث الصدر لأكثر من مرة بخصوص محاولة تصفيته وقتله.
تطرق مقتدى الصدر في أكثر من مرة إلى إمكانية قتله كمحاولة لمنع التشظي الذي يشهده تيّاره منذ احتجاجات تشرين
وكان الصدريون من الأوائل الذين قالوا بشكل صريح إنهم سيحصلون على 100 مقعد للظفر برئاسة الوزراء، فيما أخذ نواب تحالف سائرون يتحدثون عن أهداف رئيس الوزراء "الصدري" القادم وأولوياته، منها أن يكون "سائق بطة"، وهي تمثل عجلة الموت في ذاكرة الشارع العراقي أيام الاقتتال الطائفي، بينما كانت مؤخرًا هذه الملفات حاضرة وشكّلت محور خطاب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي ظهر أكثر من مرة يتحدث لقيادات دينية وسياسية وخطباء تابعين للتيار الصدري، محذرًا من "مجهول وخطر ينتظر تيّاره"، وبالتالي "خطر يصيب العراق فيما لو تمكن هذا الخطر من التيار الصدري"، فيما جدد الصدر الإعلان عن توقعه بعملية اغتياله أو مقتله، وهذه المرة الثالثة التي يتوقع فيها الصدر قتله، ووفقًا لمدونين، فإن هذا "يتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية".
اقرأ/ي أيضًا: بين "التسيّب" و"استغلال الوظيفة".. كيف عطلت الدعاية الانتخابية جلسات البرلمان؟
وفي سياق الدعاية الانتخابية المبكرة للتيار الصدري، كما رآها متابعون، تطرّق زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر في "نبرة تبريرية" إلى ثغرات وأخطاء داخل تيّاره، فضلًا عن العديد من المحاور والقضايا التي تخص علاقة التيّار بالسياسة والبلاد عمومًا، حتى وصل به الحديث إلى نقطة التبشير أو "تمني الموت" ليكون دافعًا لتصحيح الأخطاء وإعادة ضخ الدم في التيار وتنشيطه، وكان أبرز ما جاء في أحاديث الصدر بأكثر من جلسة، هو الحديث عن إمكانية قتله، فضلًا عن ضرورة توحد التيار ومنع أي تشظي فيه ووصفه بـ"فريق كرة القدم"، بالإضافة إلى تبرئة تياره من أي علاقة مع وزارات الصحة والمالية والكهرباء والفساد الذي يكتنفها، وبينما هدّد بمحاسبة الجميع في حال صحّت هذه الاتهامات، عاد ليشدّد على يقينه من "عدم تابعية وزراء ومسؤولي هذه الوزارات إلى تياره"، فيما كان دليله أنه "لوكانت تابعة للتيار لما كان حالها مع الفساد بهذا الشكل"، وهو خطاب رآه مراقبون في أكثر من توضيح أنه محاولة لإيقاف التشظي الذي يشهده تيّاره منذ احتجاجات تشرين عام 2019، خصوصًا وأن أبناء التيّار بدأوا "يشاهدون الثراء الفاحش للقيادات السياسية والمقربين من الصدر بينما لا تزال المدن التي تعتبر معقل التيار الصدري من اسوأ المدن في العراق".
الصدر ركّز أيضًا على الإيحاء بـ"مظلومية" التيّار تارة باتهامه وتحميله مسؤولية الفساد في بعض الوزارات والمواقع الخدمية، وتارة باستذكار سلوكيات الفصائل المسلحة من قصف مطارات وسفارات ومحاصرة الخضراء لإخراج معتقلين، معتبرًا أنها "لو صدرت من الصدريين لتم تسيير الدبابات والطائرات ضدهم واعتبارهم إرهابيين"، فيما يكرّس الصدر بهذا الخطاب بشكل واضح على "فرديّة" التيار على ما يبدو، وتصويره كجسم وطني غريب عن جميع من يحيطون ويتربصون به، لذا يركز بشكل واضح على ضرورة "التوحد وعدم السماح لأي تشظي أو عمل منفرد وغير مركزي".
استحضار نقطة انطلاقة التيار
ويرى رئيس المركز العربي الاسترالي للدراسات الاستراتيجية الباحث أحمد الياسري، فيما يخص تركيز الصدر على مسألة اغتياله، بأنه "استحضار سردي للنقطة التي انطلق منها التيار الصدري وهي نقطة اغتيال السيد محمد صادق الصدر وأبنائه، وما تمثله من بعد رمزي لدى الصدريين بشكل عام".
ويضيف الياسري في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "الصدر ومن خلال استحضار هذه الرمزية، يحاول التأسيس لفكرة الاستقطاب وجمع أفراد تياره ومنعهم من التشظي".
ويرى الياسري أن "هذا الخطاب رغم كونه عاطفيًا ورمزيًا، إلا أنه خطاب سياسي متأنق بديمومة الحالة التنظيمية والتعبوية عند التيار الصدري"، معتبرًا أن "الاستخدامات العاطفية لدى الصدر هي أبرز نقاط قوته وقدرته الاستقطابية العالية التي جعلت قيادته مستمرة لهذه اللحظة عبر استحضار هذه السردية والتي شاهدناها في 2003 و2004 و2016 عندما دخل المنطقة الخضراء، وأيضًا في عام 2019 عندما تم استهداف منطقة الحنانة بطائرة مسيّرة".
إزاحة الفرضيّة المستمرة منذ 2003.. وعودة "الحوزة الناطقة"
يتحرّك الصدر وتيّاره في الوقت الحالي بطريقة مغايرة ومثيرة للاستغراب، عبر التحشيد بشكل واضح للانتخابات والدخول باسم صدري واضح "الكتلة الصدرية" على عكس ما جرى عليه التيار خلال السنوات الماضية، الأمر الذي يراه الياسري بأنه محاولة لاستعادة نظيرة "الحوزة الناطقة".
ويشير الياسري خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، إلى أن "تنقلات التيار الصدري في المشهد السياسي العراقي حاليًا هي محاولة إزاحة الفرضية الشيعية القائمة منذ العام 2003، وهي فرضية الائتلاف"، مبينًا أن "الفكرة الائتلافية التي شكلتها الحركات الشيعية منذ 2003 كائتلاف موحّد من أجل حماية المذهب، ليبقى محميًا من التحديات التي تواجهه على المستوى الداخلي أو الخارجي والإقليمي".
ويرى الياسري أن "هذه الفكرة الائتلافية هي التي جلعت فتوى المرجع الأعلى علي السيستاني تحصل على صدى كبير، وهي من حوّلت الميليشيات من قوى تحارب الأمريكان إلى قوى تحكم العراق، وتسيطر على الدولة"، مشيرًا إلى أن "الصدر أصبح يرى أن الفكرة الائتلافية لم تعد مجدية في التوقيت الحالي، ويجب أن تحل محلها فرضيّة أخرى وهي فرضيّة التشيع الداخلي".
يرى الباحث أحمد الياسري أن التيار الصدري في حال شكّل الحكومة المقبلة سيستنسخ نفس تجارب الأحزاب السابقة كحزب الدعوة والمجلس الأعلى
يؤشر الياسري إلى أن "الصدر يحاول أن يكسر الفكرة الائتلافية التي جعلته رقمًا من الأرقام وليس رقمًا مهمًا كما حصل في انتخابات 2018، حيث شاهد أن النزوح نحو القوى المدنيّة حقق له مكاسب مربحة جعلتهم الكتلة الأكبر، لذلك لم تعد الكتلة الائتلافية مجدية، لذا فإن الصدر يحاول أن يكون البديل العراقي الداخلي، ومن الممكن أن يستغل حالة التصارع بين التيارات المدنية والكتل المرتبطة بإيران ليطرح التيار كبديل منطقي لضبط تفاعلات الإيقاعات الشيعية السياسية داخل ما يسمى البيت الشيعي".
هل يمتلك التيار الصدري رؤية جديدة؟
رغم التحضيرات واستحداث التيار لاستراتيجية جديدة، إلا أنه لا يمتلك رؤية خاصة لإدارة الدولة والنظام في حال شكلوا الحكومة المقبلة، بحسب الياسري، الذي يعتقد أن "التيار سيستنسخ نفس تجارب الأحزاب السابقة كحزب الدعوة والمجلس الأعلى، التي لم تقدم لنا لا فلسفة إسلامية ولا مشاريع نهضوية، ولم تكن على سبيل المثال كالتجربة التنموية لإسلامية تركيا، ولا التجربة النهضوية لإسلامية تونس"، مشيرًا إلى أن "الاسلام الشيعي في العراق بقي متأرجحًا بين الفرضيات الثورية ويطرح فكرة استحضار الخطر الخارجي والقتال من أجل الحفاظ على الهوية ولم يلتفت إلى الواقع المتردي الذي تعيشه قواعده".
اقرأ/ي أيضًا:
النظام الصحي في العراق.. نموذج "الإدارة الصدرية" الطامحة لرئاسة الحكومة
رئيس الوزراء القادم "سائق بطة".. سجال يعيد ذكريات الاقتتال الطائفي للواجهة