11-يونيو-2022
المحاضرين المجانيين

وزارة التربية غير جادة بحل مشكلة المحاضرين المجانيين في العراق (فيسبوك)

في يوم 31 أيار/مايو اقتحم مجموعة من المحتجين الغاضبين من فئة المحاضرين والإداريين في وزارة التربية مبنى مجلس النواب، بعد أن تم الاعتداء عليهم من قبل قوات مكافحة الشغب في المنطقة الخضراء إثناء اجتماع مجلس النواب لإكمال قانون الدعم الغذائي الذي قدمه التحالف الثلاثي بقيادة التيار الصدري، وأصروا أن يتم تضمينهم في القانون ليشملوا في التثبيت والتعيين كموظفين دائمين على ملاك وزارة التربية، وهذا ما دعاهم لإثارة حالة من العصبية بعد أن اعتدت عليهم قوات مكافحة الشغب، فتم إدخال مجموعة منهم، وتعالت أصواتهم ضد النواب وهيئة الرئاسة مطالبين عدم تجاهلهم والعمل على تثبيتهم في القانون.  

كانت وزارة التربية غير جادة بحل مشكلة المحاضرين المجانيين في العراق

اثارت مشاهد المحاضرين داخل المجلس ردود أفعال واسعة في الرأي العام ووسائل التواصل الاجتماعي، وكانت الآراء منقسمة بين مؤيد وبين معلق بأنها حركة ذات دوافع سياسية قام بها التيار الصدري من أجل الضغط على مراكز القوى السياسية ليصوتوا بالموافقة على إقرار قانون الدعم الغذائي، مستغلين ضغط هذه الفئات المنتظرة إدراجهم في موازنة عام 2022، والتي تتطلب تشكيل حكومة جديدة، وهذا ما لا يمكن حدوثه بسبب الانسداد السياسي الذي أوصلت الأحزاب السياسية المتخاصمة نفسها والبلد إلى هذا الحد.

من هم المحاضرون والإداريون وما هو موضوعهم؟

هذا الموضوع يعكس بشكل قبيح إدارة الدولة العراقية للأزمات طويلة الأمد، بدأ الموضوع مع نقص الكوادر في وزارة التربية مطلع 2010، وقلة التعيينات المركزية ونقص الكوادر كان لسببين: 

  • الأول: شمول المواليد التي تعينت بشكل مركزي بالتقاعد. 

  • الثاني: الأعداد الخيالية الممنوحة  للتفريغ الدراسي. 

 

والأول هو السبب الأكبر، كون هذهِ المواليد تشمل آلية عمل وزارة التربية القديمة "الحرس القديم"، وما تترتب عليه من تخبط بخروجهم رغم عقليتهم الكلاسيكية غير المرنة بإدارة المدارس والمؤسسات التابعة لوزارة التربية. خروجهم بالآلاف سبب الخلل في آلية التنظيم، كما أنّ الوزارة كانت جادة في عدم حل المشكلة التي تُعتبر أول مسمار في نعش التعليم بعد أزمة الأبنية المدرسية المتهالكة.

والقرار الأول كان بمنح محاضرين بصفة مجانية للمدارس على أن يكون المنح حسب الحاجة الفعلية في النقص الحاصل جراء إزمة الكوادر، واستمر الوضع بهذا الشكل لمدة موسمين بعدها تحولت إدارة المديريات العامة للتربية إلى مجالس المحافظات بداية 2012، وهُنا كانت رصاصة الرحمة، خصوصًا بعد عام 2014 وشمول كافة القطاعات بصفة المحاضرين ممن يمتلكون شهادة بكالوريوس أو دبلوم خارج اختصاصات وزارة التربية!

وزارة التربية والمديريات العامة لم تنتبه لكرة الثلج والترهل الوظيفي المجاني الحاصل، بحيث تحول هؤلاء إلى عماد الكوادر في الوزارة ولولاهم لَغُلقت المدارس الآن، والمشكلة الأكبر في التفاوت الحاصل بين المحافظات في الأعداد قياسًا مع النسب السكانية للمحافظة وأعداد المدارس فيها، وكانت وزارة التربية غير جادة في إيجاد حل لهذهِ الكارثة المُتراكمة، وبعد موجات احتجاج مُنظم تبعت احتجاجات تشرين، أقرّت الوازرة شمولهم بمبلغ شهري قدره 230 ألف كُل شهر على أن تُحتسب سنوات الخدمة من ضمن السلم الوظيفي في حال التعيين. 

والمشكلة أن هذا القرار بعلم الاقتصاد يدخل ضمن منهجية البطالة المقنعة، بحيث مدرسة تتكون من 12 صفًا كادرها 12 مدرسًا أو معلمًا، وعدد المحاضرين يتجاوز الـ 25، إضافة إلى سوء التوزيع بين مدارس الأرياف والمدن، لكون الموضوع بدأ بشكل مجاني وأغلب المحاضرين لا يملكون أو غير مستعدين لدفع أجور نقل من جيوبهم الخاصة، وهم يقدمون خدماتهم التعليمية بشكل مجاني، هذا بمعزل عن دخول أعداد كبيرة منهم ضمن مفهوم الفضائيين الذين يدفعون لإدارات المدارس نسبة من الراتب الشهري ولا يلتزمون بالدوام.

الموضوع بدأ مُعقدًا واستمر بالاستغلال والتسويف، ولكي يزداد الخراب شرعت وزارة التربية بداية عام 2019 مفهوم الموظف بدون أجر بصفة (حارس، كاتب، حرفي، عامل خدمات) وكان أعداد هؤلاء يفوق أعداد المحاضرين واضطرت الحكومة بشمولهم بالمخصصات المالية، أسوة بالمحاضرين، وكذلك يسري عليهم مفهوم الفساد السابق "الفضائيين". 

البروليتارية المتعلمة تتصاعد وتيرة أعدادها في العراق 

رضا شهاب المكي المعروف بـ"رضا لينين"، أحد منظري اليسار في تونس، وتكلّم عن هذه الظاهرة المتنامية في المجتمعات التي دولها عاجزة عن وضع سياسة تخطيط لتوزيع فرص العمل والوظائف على هذه الأعداد التي تخرج داخل المجتمع، كما أنّ الدكتور فالح عبد الجبار أيضًا شخص هذه الفئة في المجتمع العراقي. إن أهمية هذه الفئة تكمن في أنها بدأت تتكتل وتتحول إلى فئة تجمعها مشتركات تحمل رأيًا سياسيًا شبه موحد وقادرة على أن تفرز قيادات نقابية أو اتحادية، قد تتحول إلى قيادات سياسية تعكس آراء الجماعة التي يمثلونها، بغض النظر عن الخطاب الذي تتبناه هل هو واعي سياسيًا أو محدود النظر والبعد!

هنا نحن أمام فرز جديد لجماعة طامحة فقدت قدرتها على إثبات نفسها في سوق العمل، لذلك لم تجد غير الشأن العام لتدخل فيه. ومصداق حديثنا هذا، هو أنّ هناك مرشحين حققوا الأصوات المتقدمة في الانتخابات ويحملون صفة (محاضر) وهذا الأمر يعني أن الأبعاد أكبر من كونهم (جماعة ضغط ومصالح) فهي تنذر بمسألة أكبر بكثير من ما نراه.

إنّ النظام الريعي الذي وظِف ليكون أداة لخلق شبكات زبائنية للقوى السياسية الجاهلة التي سببت هذه الأزمة الخلاقة لأزمات عدة، لن يستطيع معالجة هذه المشاكل والسيطرة عليها، لأن بنيوية النظام غير قابلة للتعاطي مع الحلول المعتمدة على سياسة الحماية للاقتصاد وإهمال السوق الحر وحركة الاستثمارات المعطلة بسبب هيمنة قوى عمياء على القرار.

لكن الحل بشكل مبدأي لحل الأزمة على المستوى الآني يبدأ بمراجعة شاملة للاختصاصات المعنية بوزارة التربية فقط، وإبعاد كل الكليات الساندة من آداب ومعاهد، ومنها: 

  • إلغاء الأوامر الإدارية التي صدرت بصفة موظف بدون أجر ومراجعة شاملة لكل المبالغ المهدورة تحت هذا المسمى الفاسد.
  • تعيين المحاضرين حسب عدد سنوات الخدمة، فمنهم من يملك 12 سنة بصفة محاضر  مجاني، هذا بمعزل عن كبار السن.

  • خضوع الحذف والاستحداث للجنة خاصة بعيدة عن أشراف مديريات التربية والإشراف التربوي لكون الجهتين تتورطان في الفساد.