22-أغسطس-2019

ألغت الدولة النظام الاشتراكي دون أن تتحول إلى نظام آخر بشكل واضح (Getty)

كانت الحياة في القرون السابقة بسيطة، فالزراعة هي فرصة العمل الأساسية، وكان عدد سكان دول العالم قليل نسبيًا، ما يعني سهولة توفير فرص العمل، إلا أن الثورة الصناعية غيرت الحال وعقدت الحياة، ثم جاءت الثورة التكنولوجيا لتعلن الآلة بديلًا كفوءًا عن الإنسان في العمل، ما دفع الدول إلى محاولة إيجاد حلول جديدة تتلاءم مع الوضع الجديد، وانقسم العالم الاقتصادي إلى الاشتراكية والرأسمالية.

بعد عام 2003 ألغت الدولة النظام الاشتراكي دون أن تتحول إلى نظام آخر بشكل واضح ما أدى إلى خلق مشكلة كبيرة هي البطالة

تمكنت الدول المتقدمة عبر "السوق الحر"، من تجاوز المخاوف عن طريق خلق فرص عمل أكثر وتشجيع الاستثمارات بمجالات مختلفة ومتعددة، وذلك من خلال تطوير المواهب في المدارس والجامعات وجعل الفرد يفكر في إمكانية خلق فرصة عمل خاصة به دون الاعتماد على الحكومة، التي سيكون دورها داعمًا له، بالتالي تحولت الدول من مالكة لوسائل الإنتاج إلى مراقبة ومتدخلة عند حدوث مشاكل في سوق العمل.

اقرأ/ي أيضًا: أزمة العمالة الأجنبية: الخبرة تتفوّق على "نظرة المجتمع" وواقع التعليم!

في العراق، لم يكن الوضع يختلف كثيرًا، عدد سكان قليل نسبي يتبع النظام الاشتراكي، الذي من خلاله تسيطر الدولة على وسائل الإنتاج، ما خلق فلسفة الاعتماد على الدولة في التوظيف لدى الفرد العراقي، لكن بعد عام 2003 ألغت الدولة النظام الاشتراكي دون أن تتحول إلى نظام آخر بشكل واضح، حيث أن الدولة لا تملك وسائل الإنتاج ولا تشجع على الاستثمار، ما أدى إلى خلق مشكلة كبيرة تواجه جيل كامل، ألا وهي البطالة .

لم يعد بإمكان الدولة إيجاد فرصة عمل لآلالف الخريجيين سنويًا، في ظل بطالة مقنعة في مؤسساتها ودوائرها ساهم فيها الفساد والمحسوبية، كما أنها فشلت في تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي ودعم القطاع الخاص بشكل صحيح، في ظل مخاوف من ضخ الأموال من التجار والشركات بسبب المشاكل الأمنية والسياسية، وانحصرت مساهمات القطاع الخاص في مشاريع صغيرة أو نشطات تجارية محدودة، مقابل نشاطات اقتصادية أخرى يدريها سياسيون بهدف غسيل الأموال.

يشير ذلك إلى غياب واضح للتخطيط الملاءم لاقتصاد دولة خرجت من حروب وتعاني من عدم استقرار سياسي، فبقي الاقتصاد معتمد على النفط في ظل انشغال الدولة بتغطية النفقات العسكرية دون تنمية بقية القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية، مع فتح الحدود أمام البضائع الأجنبية، مما جعل البلد استهلاكيًا بشكل تام، ودفع أصحاب الحرف والمهن إلى هجرها والسعي وراء الوظائف الحكومية.

أبرز أسباب تفاقم أزمة البطالة هو سوء الإدارة والفساد وعدم فتح المجال أمام المستثمر الأجنبي للعمل بشروط تضعها الدولة ودور المؤسسات التعليمية التقليدي

ومن المشاكل التي تساهم في البطالة، دور المؤسسات التعليمية التقليدي، حيث تساهم في تخريج آلاف الطلبة دون النظر، بعضهم بتخصصات بعيدة عن حاجة البلاد، والفشل في صقل مواهب الطلبة وتطويرها بشكل يجعل منهم قادرين على الابداع وخلق المشاريع وفرص العمل دون الاعتماد على الدولة.

إن أبرز أسباب تفاقم هذه الأزمة، هو سوء الإدارة والفساد وعدم فتح المجال أمام المستثمر الأجنبي للعمل بشروط تضعها الدولة، أهمها تشغيل الأيدي العراقية، على غرار ماتفعله بقية البلدان، فيما تستمر للبطالة بتفتيت المجتمع وتحطيمه وخلق ظواهر أخرى ومشاكل جمة منها الجرائم والمخدرات والطلاق والتسول والهجرة، وغيرها. كل ذلك دفع آلاف الشباب من الخريجين العاطلين عن العمل، إلى الاعتصام وافتراش الأرصفة أمام مؤسسات الدولة بحثًا عن أمل يضمن مستقبلهم في هذا البلد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الآلاف في الشوارع: "ثورات" أججها عبد المهدي بوجه حكومته.. كيف سيواجهها؟

عمّال يهتفون لـ"صدام حسين".. البطالة تفتح النار على الفشل الحكومي!