12-أكتوبر-2023
ازمة الدولار في العراق

منذ فترة طويلة، وتحديدًا منذ منتصف آذار/مارس الماضي، تنازل البنك المركزي العراقي والحكومة العراقية عن "معركة الدولار" كما وصفها رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وعلى ما يبدو فإنّ البنك المركزي استنفد جميع حلوله وحزمه التسهيلية المتعلقة بالسيطرة على أسعار الصرف.

أوقف البنك المركزي آخر الإجراءات الرامية إلى السيطرة على سعر صرف الدولار في السوق الموازي منذ منتصف آذار الماضي

في 15 اذار/مارس، أصدر البنك المركزي العراقي الحزمة الثالثة من تسهيل الحصول على الدولار، وهي حزم وإجراءات كان يطلقها بهدف السيطرة على أسعار الصرف ومنع صعوده في السوق السوداء، أو الموازية، غير أنّ البنك المركزي لم يصدر حزمة رابعة بعدها، ويركز منذ ذلك الحين وحتى الآن على إصدار قرارات وإجراءات تتعلق بـ "محاصرة الدولار"، والتركيز على هدف واحد هو "منع إغضاب البنك الفيدرالي الأمريكي"، دون الالتفات إلى أي مدى قد يرتفع سعر الصرف في السوق الموازية.

2
تظاهرة سابقة للمطالبة بخفض سعر الصرف وسط بغداد (Getty)

 

لا يتجاهل فحسب.. بل يرفع السعر!

لم يرفع البنك المركزي والحكومة العراقية "الراية البيضاء" أمام سعر الصرف والسوق الموازية فحسب، بل أنّ قراراته وإجراءاته المستمرة التي تهدف لمنع إغضاب الفيدرالي الأمريكي، تسببت بشكل مباشر برفع أسعار الصرف، أي أنّ البنك المركزي لم يترك سعر الصرف دون تدخل ومعالجة، بل ساهم برفع أسعاره أيضًا، بحسب مختصين.

فتخفيض حصص شركات الصرافة وكذلك حصص المسافرين من 7 إلى 3 آلاف دولار فقط، ومنع تسليم حوالات الدولار إلى المواطنين الذين تصلهم من الخارج، وغيرها من الإجراءات التي تهدف لـ "تنشيف الدولار من السوق"، جميعها بعرض أقل مقابل ارتفاع الطلب، ما أدى إلى ارتفاع أسعاره إلى مستويات غير مسبوقة منذ خفض السعر الرسمي إلى 1320.

ويقول المختص بالقطاع المصرفي إياد حميد في حديث لـ "الترا عراق"، إنّ "البنك المركزي ومنذ أشهر طويلة يعمل وفق استراتيجية تجريم التعامل بالدولار، والهدف الرئيسي لهذا الأمر، هو تضييق النطاق على السوق الموازية وتنشيفها من الدولار، لأن المركزي لا يعرف لمن سيُباع هذا الدولار في السوق وأين سيذهب بعدها، وهو تحدٍ يعيشه أمام الفيدرالي الأمريكي".

2
(Getty)

ويشير حميد إلى أنّ "التضييق على الدولار من قبل البنك المركزي أصبح يستهدف أي عملة خضراء بغض النظر عن مصدرها، أي حتى لو كان مصدرها ليس البنك المركزي العراقي، لأن البنك لا يعرف أساسًا من أين يأتي الدولار الموازي، وكيف يتسرب دولاره إلى محطات لا يعرفها".

لم تتوقف الأزمة عند إيقاف إجراءات البنك المركزي بل فاقمها الأخير بتضييقه على الحوالات وتخفيض مبالغ المسافرين

ويؤكد حميد أنّ "جميع إجراءات البنك المركزي الحالية، تساهم وساهمت بشكل مباشر برفع أسعار الدولار، ويبدو أن البنك أدرك جيدًا أن لا طائل من حزم تخفيض أسعار الصرف، لأن إجراءاته أساسًا تتعارض مع فكرة تخفيض أسعار الصرف، خاصة وأنّ جزءًا كبيرًا من أنواع الطلب سواء للاستيراد من الدول المحظورة من الدولار، أو لتلبية استيرادات متهربة من الضريبة مثل السجائر، أو طلبات المواطنين العاديين لتنفيذ مشترياتهم بالدولار، ولاسيما السيارات المستعملة، وجميعها لا يوفر البنك المركزي الدولار لها، وبنفس الوقت يسحب الدولار من السوق الموازية أمام هذه الطلبات، فمن الطبيعي أن ترتفع أسعار الصرف".

 

تعويم غير معلن؟

البنك المركزي يبدو عاجزًا عن إغلاق أو تقليل الفجوة بين السعر الرسمي والموازي، كما يرى الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، وذلك إثر المتغير الخارجي المتحكم بسعر الصرف، وهو التجارة الخارجية والمسافرون إلى إيران مثلاً، والذين ينفقون سنويًا أكثر من 3 مليارات دولار سنويًا هنالك، وستبقى الفجوة وستزداد مع الزمن، على حد تعبيره.

ويقول المرسومي في حديث لـ "الترا عراق"، إنّ "إطلاق أموال الموازنة الاستثمارية، أو التشغيلية، سيؤدي لتسارع زيادة الفجوة وارتفاع أسعار صرف الدولار"، مرجحًا أنّ يتجاوز سعر الصرف 1700 دينار للدولار الواحد.

2
(Getty)

ويضيف، أنّ "تعثر التحويلات القادمة من الفيدرالي الأمريكي من الدولار، وكذلك تقليل حصة البنك المركزي لشركات الصيرفة من دولار المسافرين إلى النصف، ساهم في انخفاض المعروض، وكلما انخفض أكثر زادت عمليات التهريب، وبالتالي الطلب، ما يعني قفزات ارتفاع مستمرة للأسعار".

ويعتقد المرسومي أنّ ما يحدث "يشبه التعويم"، ويعزو وجهة النظر هذه إلى "عدم قدرة البنك المركزي على الحد من هذه الفجوة التي باتت أكبر من قدرة هذا البنك على التحكم بسعر الصرف، وبدا معها أن كل إجراءاته كانت غير فاعلة".

وما لم تلغ العقوبات الأمريكية ضد إيران، أو أن الحكومة آلية لتمويل التجارة معها، ستتآكل القدرة الشرائية للعملة العراقية، والكلام للمرسومي، الذي أشار أيضًا إلى أنّ "هناك الكثير من السلع التي ترتفع أسعارها مع ارتفاع السعر الموازي، وحتى مع توفير الدولار الرسمي لبعض أنواع السلع".

يرى مختصون في سياسية البنك المركزي الراهنة "تعويمًا" غير معلن لتجنب المزيد من التشديد والعقوبات الأمريكية

ويقول المرسومي أيضًا إنّ الوضع أقرب من أي وقت مضى إلى "التعويم بالفعل"، حيث بات سعر الصرف خاضعًا بالكامل لمعادلة العرض والطلب، وإنّ "أدوات البنك المركزي غير قادرة على تحديده أو كبح جماحه".

2
(Getty)

 

مصدر الدولار الموازي؟

ومع تشديد البنك المركزي على الدولار والتضييق عليه، حتى وصل الأمر إلى منع المواطنين من استلام حوالاتهم بالدولار لمنعهم بيعها في السوق الموازي، وبالتالي يتم بيعها إلى قنوات أخرى لا يريد البنك المركزي أن يصلها الدولار، ما يزال السوق الموازي يمول بمبالغ طائلة من الدولار، ويتداولها بحرية، ما يطرح تساؤلات حول مصدر هذه الأموال.

وفي هذا الصدد يستعرض الباحث في الشأن الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، ثلاثة مصادر تمول السوق الموازي بالدولار.

ويقول حنتوش لـ "الترا عراق"، إنّ "مصادر تمويل السوق الموازي بالدولار هي الكاش، أو المبيعات النقدية التي يبيعها البنك المركزي لشركات الصرافة والمصارف كمبيعات نقدية لصالح المسافرين، إلاّ أنّ هذه الصيرفات والمصارف تقوم ببيع حصص لـ 10 أو 15 مسافرًا يوميًا فقط، وتدعي أنّ الحصة نفدت، لتقوم ببيع الكميات المتبقية في السوق الموازي".

ويضيف، أنّ "المصدر الثاني هي الحوالات غير الرسمية التي لا تأتي عن طريق المصارف، بل مكاتب صيرفة وبترتيبات خاصة، فضلاً عن مدخرات المواطنين من الدولار، وهذه جميعها باتت شحيحة نسبيًا، لذلك فأن الطلب أكثر من العرض، وهذا ما يجعل الدولار يرتفع يوميًا".