نشأت فكرة إقامة انتخابات مبكرة من منطلق إنهاء عمل مجلس النواب الحالي المُتهم أعضاءه بالتزوير في الانتخابات، والسكوت عن قتل المتظاهرين في الأول من تشرين الأول 2019 وتقاعسه عن أداء واجباته الرقابية والتشريعية، وبالذات، لكونه المؤسس للسلطة التنفيذية والمتكوّن من الأحزاب الرئيسة في البلاد، وعلى هذا الأساس، لا نجد فرقًا بين إجراء الانتخابات في حزيران أو تشرين الأول، بل لعل تأجيلها يتيح بالفعل الفرصة أمام القوى الناشئة لتنظيم ذاتها ووقتها، وكذلك تطابق الشهر الذي اقترحته المفوضية مع الشهر الذي انطلقت فيه الانتفاضة وسُميت باسمه وما له من آثار معنوية.
من الطبيعي وجود قاعدة شعبية للأحزاب مستفيدةً من تحاصص مقدرات البلاد والوظائف والمشاريع الاستثمارية والصفقات وما شابه
لكن الأساس في المسألة ليس إجراء الانتخابات الآن أو لاحقًا إن كان الهدفُ لا يقتصر على معاقبة نواب البرلمان بعدم إتمامهم مدتهم الدستورية - وهي غاية نافعة عمليًا وأخلاقيًا - فحسب، بل بهدف إحداث تغيير في بُنية السلطة التشريعية بعد سنوات من سيطرة الأحزاب التقليدية عليها.
قبل الخوض في سبل تحقيق الهدف لا بد من الإشارة سريعًا لسيطرة الأحزاب التقليدية وأسبابه، وما يدور من حديث عن التزوير والوعي وقانون الانتخابات وغيرها. نعتقد أن لوم "الوعي" المنخفض للمواطنين في بقاء الأحزاب أمرٌ مبالغُ به، لأسباب كثيرة أهمها نسبة المشاركة الضعيفة، فلو كان الحديث عن لوم وعي "الناخبين" لاختياراتهم، أو "المواطنين" العموم لعدم مشاركتهم، لكان أكثر واقعية بغض النظر عن الاتفاق مع هذا الرأي من عدمه. إن مشاركة أقل من ربع الذين يحق لهم الانتخاب لا يعكس وعيًا جماهيرًا، ومن الطبيعي وجود قاعدة شعبية للأحزاب مستفيدةً من تحاصص مقدرات البلاد والوظائف والمشاريع الاستثمارية والصفقات وما شابه.
اقرأ/ي أيضًا: كم بلغت أعداد الأحزاب والتحالفات السياسية المسجلة في المفوضية حتى الآن؟
تقودنا هذه النقطة إلى ثانية تتحدث عن التزوير في نتائج الانتخابات، وهي الأخرى تحملُ شيئًا من المبالغة، فتزوير أصوات الناخبين يعني تزوير أصوات ناخبي الأحزاب ذاتهم الذين شاركوا في الانتخابات، وبالتالي إضافة أصوات لكتل أو شخصيات على حساب كتل وشخصيات أخرى من مجموع أصوات القاعدة الناخبة التي تنتمي بمعظمها إلى الأحزاب الرئيسة مقابل مقاطعة جماهيرية ضخمة، وفي ذات السياق يجري تهويل مسألة شراء الذمم وهي حجة مبالغ بها لذات الأسباب المذكورة في النقطتين.
الآن، إذا كانت المسألة تتعلق بشرعية النظام ومجلس النواب وما ينبثق عنه سيكون الحديث عن القضيتين سالفتي الذكر (المشاركة الضعيفة، والتزوير) وتأثيرهما على تلك الشرعية، واقعيًا؛ أما أن التزوير يقلب نتائج الانتخابات رأسًا على عقب فنرى في ذلك مبالغة بالحسابات الواقعية، ببساطة لأن أكثرية الأصوات المزورة هي لناخبين صوّتوا للأحزاب الرئيسة والمتوسطة.
ضمن النقاط التي يجري التركيز عليها هي قانون الانتخابات، ولا شك أن صيغة سانت ليغو المعتمدة في الانتخابات البرلمانية المتعاقبة ترسّخ هيمنة الكتل الكبيرة على حساب الصغيرة، وتصعد بمرشحين لا يحظون بشعبية عبر أصوات زعماء كتلهم، فيمارسون دور المكاتب الإعلامية لتلك الزعامات في المجلس التشريعي. ومع ذلك، بمشاركةٍ ضعيفةٍ تكون آثار القانون "غير حاسمة"، بتعبير نأمل أن يكون دقيقًا.
وإذا ما سلّمنا بالمعطيات المذكورة في النقاط الثلاث فيُمكن وضع مقابلٍ لها يجعل من الانتخابات وسيلة للتغيير، بنقاط ثلاث أيضًا تختلف شدّتها كما سابقتها، الأولى هي المشاركة الكبيرة الفعّالة في الانتخابات، والتي تتيح للقوى الناشئة منافسة القوى التقليدية، والتي تستدعي بدورها نزاهة العملية الانتخابية لناحية جمع الأصوات وحسابها - وليس شراء الذمم – ما يوازن المنافسة أمام المال السياسي ومشكلات القانون.
أما النقطة الثالثة المتعلقة بالنظام الديمقراطي عمومًا هو وجود البديل المقنع الناجح للقوى المُراد تغييرها، والذي يُمكنه جذب الأغلبية السلبية، أو ما يسمى أحيانًا في الإعلام الأغلبية الصامتة.
مرة أخرى، لا نقلل من شأن النقاط المطروحة في نقد الانتخابات ونظامها والتزوير ووعي الناخبين، لكن الهدف هو الإشارة إلى ما هو أهم، والشروط الثلاثة الواجبة لتغيير الواقع بدل الاكتفاء بشتمه.
اقرأ/ي أيضًا:
مقارنة بين انتخابات 2018 والانتخابات المبكرة المقبلة: هل ستكون المشاركة أعلى؟