لا يشغل فساد المتصدرين للسلطة وحدهم الرأي العام العراقي، وإنما يتعلّق الأمر أيضًا بأبنائهم وأقاربهم أو ممن يحيطون بهم من موظفين أو حمايات أمنية، وأخذ تفاقم هذه الظاهرة في السياسة العراقية يعيد إلى أذهان العراقيين نمط حكم البعث القرابي، الذي كان صدّام حسين، الرئيس الأسبق للعراق، قد أرساه في بلاد ما بين النهرين.
لا يشغل فساد المتصدرين للسلطة وحدهم الرأي العام العراقي، وإنما يتعلّق الأمر أيضًا بأبنائهم وأقاربهم أو ممن يحيطون بهم من موظفين
وسخرية من حالهم يردّد العراقيون بشكل مستمر "كنا بصدام وصرنا بألف"، ملمّحين إلى سلطة المسؤولين التي أخذت تتفاقم وتحوّل البلاد إلى ملكية لهم ولأقربائهم، من دون أن يحظى هذا الأمر بمحاسبة السلطة القضائية التي أخذت أصلًا تتقلّص بسبب صعود الأعراف العشائرية متجاوزة كل القوانين.
اقرأ/ي أيضًا: العراق..مافيا الوظائف الحكومية تطيح بآمال الشباب
ومطلع الأسبوع الجاري، صُدم العراقيون بحادث جديد لأحد أشقاء عديلة حمود، وزيرة الصحّة العراقية المنحدرة من حزب الدعوة الحاكم في العراق، بعد أن كان شقيقًا آخر لها قد أثار موجة غضب، قبل عامين، وهو يصوّر الموظفين في الوزارة التي تديرها شقيقتهم وهو يجبرهم على امتداحها.
وقد كشف أحمد عبد السادة، مدير تحرير صحيفة "الصباح" العراقية شبه الرسميّة عن تعرّضه إلى "تهديد عشائري" من قبل عشيرة الوزيرة إثر كشف ملفّات تثبت تورّط شقيق الوزيرة، العامل بالصحيفة ذاتها، بالفساد.
وقال عبد السادة، وهو من الصحفيين المعروفين في العراق، "تعرضت خلال الأيام الماضية وما زلت أتعرض إلى تهديدات عشائرية من قبل عشيرة وزيرة الصحة عديلة حمود لأنني قمت -بحكم عملي الوظيفي- بكشف الفساد الإداري لشقيق وزيرة الصحة عادل حمود (الموظف في جريدة الصباح)".
ورفض عبد السادة الخضوع للأعراف العشائرية من أجل حل خلافات الإدارية، وأكد "لن أحتكم سوى للقانون ولن أخضع لتلك الضغوطات العشائرية حتى لو تعرضت للقتل"، لافتًا إلى أن "الخضوع لتلك الضغوطات (العشائرية) يعني بأن منطق القوة قد تغلب على منطق الحق وسلطة القانون ويعني كذلك أننا لن نتمكن في المستقبل من محاسبة أي موظف فاسد ومستهتر".
وسبق لشقيق آخر لوزيرة الصحّة أن أثار جدلًا على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق، وظلّت شبهات فساد تلاحقه عن تلقي رشاوى مقابل توظيف مواطنين عراقيين في الوزارة.
اقرأ/ي أيضًا: موازنة العراق 2017..مكانك راوح
وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قام حازم حمود بنشر مقطع فيديو، على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر صفحات تابعة له، لغرض الترويج لشقيقته وزيرة الصحة وإظهار الموظفين، لاسيما البسطاء منهم، وهم يشكرون الوزيرة لقبولها تعيينهم في الوزارة بصفة منظفين.
يردّد العراقيون ساخرين "كنا بصدام وصرنا بألف"، ملمّحين إلى سلطة المسؤولين التي أخذت تتفاقم وتحوّل البلاد إلى ملكية لهم ولأقربائهم
وفي سياق السياسة العراقيّة، لا يبدو أن أشقاء الوزيرة المتنفّذة وحدهم من يتجاوزون القانون مستغلين سلطة أقربائهم، إذ ثمّة من يشجّع أساسًا المقربين منه على هذا الأمر، كما حصل في عام 2013، مع نجل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الذي شغل الشارع بالصفقات التي أبرمها بمشاركة رجال أعمال، فضلًا عن السلطة التي يملكها في القوات الأمنية والتي جعلت عددًا من النواب البرلمان يشتكون منها.
وفي لقاء تلفزيوني، بدا المالكي سعيدًا وهو يتحدّث عن نجله الذي قام بما سماه "عمل بطولي" بالقبض على أحد رجال الأعمال، بعدما أن نفد هذا الأخير من قرارات القضاء ومن مذكرات إلقاء القبض بالرشى التي ترتّبت عليه بسبب عدم تسديده للديون المستحقّة عليه من قبل المؤسسات الحكوميّة.
وبطبيعة الحال، لم يكن أحمد، نجل المالكي، يملك أيّ منصب رسمي، وفي تنفيذ عمليّة الدهم ذاتها، وعلى العكس مما روج المالكي بأن ولده كان يريد فرض القانون، اتضح لاحقًا أن رجل الأعمال شريك أحمد في عدد من صفقات الفساد، و"العمل البطولي" لم يكن سوى تهديد من نجله لرجل الأعمال لأنّه حاول التملص من دفع حصّته من الصفقات الفاسدة، بحسب ما تداول الإعلام.
وبعد نجل المالكي، جاء ابن هادي العامري، وزير النقل السابق، والقيادي في ميليشيات "الحشد الشعبي"، إذ أجبر هذا طائرة قادمة من بيروت على عدم الهبوط في مطار بغداد عام 2014، وأعادها إلى العاصمة اللبنانية مجددًا لأنّ الطيّار لم ينتظره رغم تأخره على الرحلة أكثر من ساعة.
وفي آب/أغسطس العام الماضي، كشفت جلسة استجواب وزير الدفاع خالد العبيدي في البرلمان عن نفوذ الأبناء والأقارب بشكل علني، وفي الوقت الذي قرّر فيه العبيدي فضح أعضاء كتلته الذين طلبوا منه إحالة عقود إلى أقارب وتجّار يخصوّنهم، سارع النواب المتهمون إلى فضح الوزير، والحديث عن ابنه الذي يسيطر بشكل كامل على الصفقات في الوزارة.
وإذا ما كانت كل هذه الأحداث جرت في العلن وعلى شاشات التلفزة وبلسان المسؤولين أنفسهم، فإن سكّان العراق يتحدثون عن حكايات مضاعفة عن تجاوز في الشوارع من قبل حمايات المسؤولين على المواطنين، أو اغتصاب منازل من الأقليات.
اقرأي أيضًا: