20-نوفمبر-2021

مبادرة الحكيم لا تبحث عن حل (فيسبوك)

لم يحصل أن ابتكرت قوى سياسية في العالم البدائل والأساليب والمبادرات بعنوان الديمقراطية، من توافق إلى محاصصة إلى تسوية وصولاً للترضية. ما فعلته القوى العراقية لمعالجة حالة الانهيار السياسية التي منيت بها الأحزاب التقليدية في الانتخابات، ابتكارات لم تعهدها حتى تلك البلدان العريقة في الديمقراطية، كل شيء قائم على ثنائية الفوز والخسارة للدفع نحو المراجعة والتأهيل لممارسة التجربة مرة أخرى، بعد فاصل زمني مقرر بحسب دساتير البلدان، إلا في العراق، فالخسارة تعني التزوير والمؤامرة وتهديد السلم الأهلي وتجهيز الصواريج وتحليق المسيرات.

النتائج تفضح شعار الدولة

كشفت لنا انتخابات تشرين ما لم  يكن واضحًا للكثير بالنسبة لضخامة الشعار الذي يغطي على حقيقة الخطاب والنهج، الخسارة بالنسبة لقوى سياسية ماسكة للسلطة منذ تأسيس هذه العملية، ومنها تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، الذي يوصف بـ"المعتدل والقريب" إلى سياق الهوية المدنية كانت الفاصلة التي أنهت شطرًا من التضليل السياسي للجمهور.

مبادرة الحكيم لا تبحث عن حل بقدر ما هي تريد استعادة الصورة التي أسقطها الصندوق الانتخابي

 أثبتت هذه القوى أنها تتعامل مع الحالة العراقية كصفقة بيع وشراء بفرضية الربح الدائم بصرف النظر عن طبيعة العمولة، لكنها لم تكتف بذلك فحسب، بل ذهبت إلى ضرب متبنياتها التي حملت شعار "قوى الدولة"، قبيل الانتخابات بالشراكة ما بين (الحكمة ـ والنصر) بمقابل "قوى اللادولة" التي ظن الناس أنها تحمل برنامجًا لوحت به عبر شعارها لإنجاز ما عجزت  عنه الحكومات بتحقيق العدالة من خلال ضبط إيقاع السلاح الذي يهدد الدولة بتمويل من الدولة، أو حل عقدة التشابك المعقدة ما بين الدولة واللادولة، هكذا كان التلميح قبل الانتخابات، لكن ما بعد النتائج الأولية سرعان ما تغير الخطاب وضرب الشعار عبر مصاهرة الطرفين لإنتاج ما يسمى "الإطار التنسيقي" تجمع للقوى الخاسرة، ومن بينها فصائل السلاح المتطرفة الموالية لإيران التي من المفترض أن يعالج حالتها طرف الدولة بحسب شعار الحكيم والعبادي. امتزج الخطاب وتحول إلى بيانات مرعبة ممهورة بتوقيع موحد، وتحول السلام إلى تهديد للسلم، والعدالة إلى ما لا يحمد عقباه، وضاعت أصفاد (كلبجة) أبو كلل في باحة قصور رئاسة الجمهورية.

مبادرة الحكيم.. عملية جراحية بمطرقة

الغريب في مبادرة الحكيم للتسوية ـ الترضية، وبصرف النظر عن صحة ما سرّب منها، أنها لا تراعي ما يفترض أن تستمر عليه العملية السياسية، وهو مراعاة الأسس التي تتبناها منذ نشأتها، ديمقراطية، رغم أنها كلمة باتت لا تعني للكثير شيئًا بسبب الجرائم التي ارتكبت بحقها كمفهوم، لكنها على الأقل تعتبر مفتاح الماكنة. يحاول الحكيم التظاهر بالحكمة وهذا ليس انتقاصًا بقدر ما هو تشخيص لحالة غريبة من زعيم يحمل "شعار الدولة" أن يجري عملية جراحية لجسد مشوه أساسًا لكن بأدوات غير طبية. إنه يحاول القول إن هذا مريض لكن عالجوه بمطرقة أو مكنسة! وإلا كيف نفسّر مناصفة الأصوات التي يدعو لها بمبادرته والعمل بها بعيدًا عن قانون الانتخابات والنتائج من قبل المفوضية التي سبق أن صوت على نزاهتها واختيارها؟ رغم ذلك، هو لن يشترك في الحكومة القادمة بحسب قول قيادات تياره، فلماذا يريد الخاسر زج الخاسرين ـ المسلحين - في حكومة هو لن يشترك بها أساسًا؟! 

تشرين تسقط صورة الزعامة

وإكمالًا للموضوع، لا بدّ من التذكير بما تمّ الاتفاق عليه بمدونة السلوك الانتخابي قبل الانتخابات بحضور عمار الحكيم، وجميع الأطراف السياسية الفائزة والخاسرة، والتي نصّت على احترام النتائج التي تعلنها المفوضية والالتزام بها مهما كانت. الحكيم كان من ضمن الموقعين على المدونة، فلماذا لا يلتزم  بما تم الاتفاق عليه وراح يطلق مبادرة يسعى من خلالها لإلزام جميع الأطراف بها؟

الواضح أن المبادرة لا تبحث عن حل بقدر ما هي تريد استعادة الصورة التي أسقطها الصندوق، خصوصًا وأن هناك من ما زال موهومًا بالزعامة التي ذابت وسط متغيرات فرضتها احتجاجات تشرين 2019. بات من الواضح أن القوى التقليدية كلما سعت لترسيخ وجودها ـ باستثناء التيار الصدري- ازدادت سقوطًا مدويًا واضمحلالًا (الاستثناء للتيار له خصوصية الارتباط العقائدي والرمزي) بينما القوى الجديدة ستخوض التجربة، وليس بعيدًا أن تنضم لـ"لحفل السقوط" مستقبلًا فيما لو لم تفهم مزاج الشارع جيدًا وتتورط بالاشتراك بالسلطة على الأقل هذه الدورة.

الفرصة الأخيرة

تبقى الإشارة إلى ما يتعلّق بمدى فهم القوى السياسية لرغبة الشارع النسبيّ الذي يؤمن بالتغيير سياسيًا عبر الانتخابات التي سميت بالفرصة الأخيرة، حتى نسبة المشاركين هذه ستختفي فيما لو بقي الحكيم يتظاهر بالحكمة أو غيره لمنع الحرب الأهلية عبر مبادرته التي تريد جمع الفائزين بالخاسرين بتوزيع الأصوات كما لو كانت سبيلًا، بينما الواقع يقول: حفظ ما تبقى من نسبة المشاركين أفضل من الصفرية التي تؤدي للانهيار التام.

 

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مبادرة الحكيم.. المعول الأخير لهدم الديمقراطية

شعار انتخابي ذوبته النتائج.. "قوى الدولة" تنطق بخطاب الفصائل المسلحة