02-يونيو-2020

مصطفى الكاظمي (فيسبوك)

دعت إدارة واشنطن إلى إقامة حوار استراتيجي مع الحكومة المنتهية (حسب وصفها لها بعد إعلان الأخيرة قرار إخراج القوات الأمريكية) حيث قبلت الحكومة العراقية تلك الدعوة التي من المفترض أن  تقام في حزيران/يونيو، وبينما يقبل السلف الدعوة، هل سيدرك الخلف أهمية هذه المفاوضات على المستقبل القريب؟ وهنا يطرح الشارع عدة أسئلة، منها؛ لماذا دعت الإدارة الأمريكية لمثل هكذا دعوة وبمثل هكذا مرحلة انتقالية بين الرئيس المستقيل والرئيس الجديد؟ وهل الدعوة تعبر عن نية صادقة كون الدولة الداعية أقوى، أم أن تلاقي المصالح كان له دور أهم؟ كيف للمفاوض العراقي إدراك أهمية الدعوة فيما يخص ملفي الأمن والاقتصاد، كيف يمكن أن يتعامل بمثل هكذا مفاوضات؛ هل يتم ذلك بلين أم بصلابة مع معرفة المصالح والمصالح المتبادلة للطرف الآخر؛ هل المطالب للطرفين تراعي مطالب الاحتجاجات؟ ما هي المواقف الإقليمية والعالمية من هذه الدعوة وماذا يترتب على نتائجها، وهذه الأسئلة سنتاولها بوجهات نظر مشتركة مع ما  يطرحه الدكتور عادل البدوي  من رؤية تمثل مجموعة إجابات بناء على وجهة نظر المدرسة الواقعية حيث يضع عدة نقاط إرشادية يمكن للمفاوض العراقي الاستفادة منها مراعيًا بذلك تعدد وجهات النظرالأخرى، ومنها:

  • أولًا: التفريق بين المواقف والمصالح: على المفاوض أن يفرق بين المواقف (المطالب) مثل خروج القوات الأمريكية وتوابعه؛ أولها؛ فرض حصار اقتصادي، والمصالح، والتي تكمن خلف المواقف، فلماذا نطالب بخروج القوات الأمريكية، أي أن يركز على ما وراء الموقف ليصبح هدف التفاوض مصلحة لا أن يكون رأيًا مبنيًا على ردود فعل ذات خلاف داخلي، فتصبح المفاوضات صلبة وشديدة إلى أن تتشعب المطالب وتولد مطالب جديدة، فتكون عندها الرؤية ضبابية، وفي النهاية يصبح تأمين المصالح لكل طرف أقل وأقل احتمالًا، أو انهيار المفاوضات بالكامل. 
  • ثانيًا: المفاوض التوفيقي: على المفاوض تجنب اللين الذي يجعله يَقدم على التنازلات بسهولة لمجرد الوصول لأي اتفاق وأن يملك من الصلابة بالحد الذي يجعله أن لا يحول التفاوض إلى صراع  إرادت، فالذكاء يكمن بالمقاومة بين اللين والشدة من أجل الحصول على أفضل قرارات سليمة ومن دون أن يخسر الطرف الآخر.
  • 3: المصالح المتبادلة: بالرغم من تفاوت القوى بين العراق وأمريكا، إلا أن هناك مصالحة مشتركة يمكن استخدامها إيجابيًا، فلا علاقات مميزة من دون مصالح، ولا مصالح من دون استدامة وتعميق لتلك العلاقات، فمعرفة مصالح الآخر واهتماماته واحتياجاته الرئيسة، يتيح لك، من أين تبدأ، وأين تنتهي، ومتى تشد ومتى ترخ، من المصالح الأمريكية التي يجب أن يدركها المفاوض العراقي، وأهمها:

أ- وجود القوات الأمريكية وحلفائها ضمن العمليات المحلية مع القوات العراقية، إذ أنه يشكل ضربة كبيرة لعدم عودة داعش في العراق ومحاولاته الأخيرة بالعودة من جديد، حيث قدرت الولايات المتحدة الأمريكية أن احتياطي داعش يصل إلى 300 مليون دولار لدعم حملاته الإرهابية، والأهم أن الولايات المتحدة ترى العراق منصة لانطلاق الحرب ضذ داعش، خصوصًا بعد زعزعة الوجود الأمريكي في سوريا، فلا تريد تكرار خطأها عندما انسحبت في عام 2011 من دون التنسيق التام مع القوات الأمريكية.

لربما يكون الحوار الاستراتيجي بادرة خير للاستقرار في العلاقات الخارجية على المتسوى الإقليمي والدولي خاصة مع أزمة كورونا والأزمة الاقتصادية

ب- وجودها لمراقبة النفوذ الإيراني وهذا ما صرح به ترامب في 3 شباط/فبراير 2019، إذ أن خروج جيشها قسرًا، يجعل النصر أقرب للجانب الإيراني  في الصراع الجيوسياسي، ويفقدها مكانتها بعد ما تعهّد به  الوزراء الذين شاركوا في اجتماع التحالف الدولي لهزيمة التنظيم الإرهابي في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 بمواصلة دعم الحكومة العراقية من أجل "ضمان الهزيمة الدائمة للمنظمة الإرهابية"، كل هذه الأسباب سوف تلحق أضرارًا جسيمة بالمصداقية الأمريكية في الشرق الأوسط الأوسع، إلى حد أن تزيد الضغوط التي تشعر بها دول "مجلس التعاون الخليجي" لإرضاء إيران، وهذا في خوض ما يحدث من تنافس بين الدول العظمى يعد تنازلًا واضحًا إلى روسيا وإيران، ولن تسمح به الولايات المتحدة كونها حسب رأي الباحثين في مجال علم النفس السياسي غير متسامحة في الجانب السياسي.

اقرأ/ي أيضًا: معضلة النظام العراقي وأزماته.. انتهت حلول الأرض؟

ج- وجود المنافسة بين روسيا وإيران في العراق لم يمنعهما من التوحد والمعارضة ضد الولايات، مع دخول الصين على الخط عن طريق إعادة الإعمار وستزداد شهية بكين للطاقة والنمو بالشرق الأوسط بعد انسحاب القوت الأمريكية ليشير ذلك لأعداء الولايات المتحددة، أن القوة العظمى لا يمكن الاعتماد عليها خصوصًا بعد وصول أمريكا إلى شكل من أشكال الفائض الصافي مع اعتمادها على الصحة العامة للاقتصاد العالمي، وبما أن العراق يملك 147 مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة، أي -حوالي 9% من إمدادات العالم- ونسبة عالية جدًا من الاحتياطيات إلى الإنتاج الفعلي (4.6 مليون برميل يوميًا في عام 2018). ولديه أيضًا 125.6 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز، التي يمكن أن تغذي التنمية الصناعية مع تقليل تكاليف إنتاج النفط. وهذا ما أكده خبير شؤون الخليج كينيث بولاك من معهد بروكنجز، فإن هذه النسب تشكل مصدرًا مهمًا للاستقرار العالمي كون الأخير يعتمد كليًا على صادرات الخليج، فالعراق يشكل جزءًا أساسيًا من التدفق النفطي  الخليجي، إضافة إلى أن خروج الولايات المتحدة من العراق ستترك وراءها دولة على أبواب الفشل، تعاني من عدم كفاءة المؤسسات والفساد المتفشي والسياسة الطائفية، ليمثل صورة سيئة وفشلًا ذريعًا للدور الأمريكي في المنطقة وحججها في فرض ونشر الديمقراطية. ستكون إعادة بناء الصورة الأمريكية في العراق تحديًا حاسمًا، وكذلك خلق أي شكل من أشكال الحكم الفعال. وهذا لا يتفق والقوة الناعمة الأمريكية.

د- تتثمل المصالح العراقية فيما يخص ملفي الأمن والاقتصاد بعدة أمور، منها تدريب الجيش، حيث خصص الكونغرس الأمريكي حوالي 6.5 مليار لبرنامج تدريب وتجهيز القوات العراقية ابتداءً من عام 2014 وحتى كانون الأول/ديسمبر 2020، في الوقت نفسه، قدمت الولايات المتحدة 2.7 مليار دولار كمساعدات إنسانية. وبموازاة ذلك، تدفق أكثرمن 365 مليون دولار من المساعدات الأمريكية؛ لتحقيق الاستقرار إلى المناطق المحررة في العراق منذ عام 2016، فضلًا عن إزالة الألغام، وإصلاح الإدارة المالية العامة العراقية ، فضلاً عن عروض القروض والائتمان، وأن بغداد تتحفظ  بعائدات النفط، وتأسس حساب البنك المركزي العراقي في بنك الاحتياطي الفيدرالي في عام 2003 في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة والذي أطاح بالدكتاتور السابق صدام حسين. وبموجب القرار رقم 1483 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن جميع عائدات مبيعات النفط العراقي ستذهب إلى هذا الحساب والتي تغذي 90% من الميزانية الوطنية حتى يومنا هذا، مما يعني أن أي تلويح لفرض حصار جديد على العراق سيدخله في عزلة عن العالم، إضافة إلى انخفاض سعر العملة وعدم القدرة على توفير رواتب الموظفين أو تعيين أفرادًا جدد، إضافة لمشكلة الديون المتراكمة لباقي الدول، فبالإمكان استغلال المفاوضات بشكل صحيح وكسب الولايات المتحدة مع حلفائها من 12 دولة، الراغبين بتقديم المساعدة وبناء علاقات دوبلوماسية جيدة، وفي ذلك الوقت لا يمكن أن ننسى مقدار المضايقات وتكرار الهجمات نحور القادة المسجلين ضمن قائمة الإرهاب، وهذا خلل آخر يمنع من استقرار الدولة العراقية، وما ذُكر آنفًا لا يمثل قائمة المصالح الكاملة للطرفين، لذلك أن فهم هذه المصالح المتبادلة شرط أساس لتوليد خيارات مناسبة لكلا الطرفين، ومن ثم وضع مقاييس موضوعية لتسوية المصالح المتضاربة وصياغة الاتفاق.

  • 4: العلاقات المركبة، أي أن العلاقة بين الدول قائمة على أساس المصالح المتبادلة، وهنا محاولة لإرضاء الشارع كون عدم تبعية دولة لدولة، وبعدًا آخر أن العلاقة متشابكة ومتداخلة ولا يمكن التفريط بها، وإن الإدراك المشترك للمسؤولية المتبادلة التي تقع على عاتقهما لتحقيق المصالح.
  • 5: الحسابات العقلانية لهكذا تفاوض تبدأ بتقنين التعاون ومأسسته ومعرفة الواجبات والحقوق بين الطرفين الذي  يقوم على أساس المنطق العقلاني، ومعرفة الدوافع الأخرى من إقامة الاتفاقية أمر مهم، فأمريكا لا تريد أن تترك الخسائر التي حدثت إثر غزو العراق، فقد كلفها ذلك نحو تريليون دولار، وأودى بحياة 5000 جندي أمريكي، فلن تترك ذلك وراءها وترحل ببساطة، والوصول إلى عدم اتفاق مرضي للطرفين، لكنه قد يسبب بانشقاقات داخلية، فالكرد حلفاء للولايات المتحدة، وهذا ما اكده وزير الدفاع الأمريكي مارك اسبر، إضافة إلى ما أثير أخيرًا حول إقامة إقليم الأنبار، وهذا كله من شأنه أن يزعزع الاستقرار الداخلي، والتي ستضعف السيادة العراقية، فالأهم إبعاد المحاصصة عن العلاقات الخارجية، بالأخص مع تصاعد هجمات "داعش" في الفترة الأخيرة، ومن الخطأ أن يضحي العراق بكل ذلك. 
  • 6: التركيز على الموضوع لا على القوة، ففرض القوة لا يعني تطبيق الشروط، وعلى المفاوض العراقي إدراك ذلك، فإذا أتينا من ناحية القوة، أن قوة الولايات المتحدة لا تقارن بقوة الدولة العراقية، سواء على الصعيد السياسي والعسكري أو الاقتصادي، لذلك يجب التركيز على قوة الموضوعات لأنها القادرة على التأثير والمساومة بوجود الفوارق الكبيرة بين الطرفين، والمفاوضات الحيوية للولايات المتحدة مرتبطة بالجغرافية العراقية، وهذا يمنح المفاوض العراقي كيفية ترتيب مصالحه وترتيبها حسب الأولويات، وأن تفصل عن بعضها البعض، وأن لا تعطى دفعة واحدة، وأن لا يضعف المفاوض العراقي أمام الإغراءات الاقتصادية التي من الممكن أن تقدم له.
  • 7: تجميع الموضوعات وتوصيلها ويتم ذلك من خلال تعدد وتنوع المواضيع والالمام الكامل بها، ومحاولة التنازل عن موضوع معين  لكسب موضوع الآخر من باب تحقيق التوافق في المصالح المتبادلة.
  • 8: عدم الغموض للتوصل إلى اتفاق طويل الأمد وقابل للصمود. يجب أن يتحلى ذلك بالوضوح وأن لا يثير الشكوك والريبة، لا سيما على المستوى الشعبي، وأن لا يحمل بنودًا سرية، لأن ذلك سيكتب وفاته قبل ولادته.
  • 9: الخبرة على المفاوضين العراقيين أن يتحلوا بالخبرة، خصوصًا في مجالي الأمن والاقتصاد كونهما يتصدران ملف التفاوض.

ومما ذكر آنفًا من مجموعة نقاط على المفاوض العراقي إدراكها والاسترشاد بها وأن يضع نصب عينه المصالح الداخلية للبلاد، ولربما تكون بادرة خير للاستقرار في العلاقات الخارجية على المتسوى الإقليمي والدولي، فالجارة التي بيننا وبينها تاريخ  جغرافية تبحث اليوم في ظل الأوضاع الصعبة وما سببته جائحة كورونا عن استراحة، شريطة أن لا تُمس أذرعها في المنطقة على الأقل والولايات المتحدة أيضًا في ظل أوضاع جائحة كورونا تبحث عن استراحة إضافة إلى ما خلفه قصف المطار الأخير من ردود فعل تجاهها.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بين رغبات طهران وطموحات واشنطن.. كيف سيخوض الكاظمي "الاختبار الحساس"؟

"كواليس" صعود رجل المخابرات.. كيف قاد مقتل سليماني الكاظمي إلى القصر؟