تختلف ردود الأفعال في الشارع العراقي في كل وقت يعود فيه الحديث عن قانون الخدمة الإلزامية، فمنهم من يعارض فكرة تطبيقه لأسباب تاريخية تتعلق بنمط الخدمة أثناء نظام صدام حسين، ومنهم من يطالب بسرعة إنجاز مشروع القانون من قبل السلطة التشريعية لأنها ستساهم في بناء تصور وطني غير طائفي.
يدفع العراق ما بين 10 إلى 12 تريليون دينار سنويًا كرواتب للقوات الأمنية والتي تتجاوز أعدادها المليون ونصف المليون
وفي عام 2003، وأثناء الاحتلال، ألغى الحاكم الأمريكي بول بريمر، القانون الذي كان يعمل فيه النظام السابق، وأصبحت الحكومات المتعاقبة تعتمد على جيش من المتطوعين بدلًا من الخدمة الإجبارية.
وينص مشروع القانون الذي أنجزته الحكومة الحالية العام الماضي، على أنّ "الخدمة العسكرية الإلزامية ستكون فرضًا على كل الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 19-35 عامًا، في حين أن الخدمة العامة في الجيش تتراوح بين 9-18 شهرًا، حسب التحصيل الدراسي".
ووفقًا لتسريبات سابقة انتشرت في وسائل الإعلام، فإنّ "المجندين يحصلون على رواتب مقطوعة حسب سخونة المناطق التي يخدمون فيها".
حملات انتخابية
ويعتبر القانون من القوانين المطروحة لهذه الدورة النيابية الخامسة، وتعليقًا على مساع إقراره، تعتبر انتصار الجزائري، وهي نائبة عن تحالف الفتح، أنّ "مشروع قانون الخدمة الإلزامية أثير ضمن الحملات الانتخابية الخاصة بانتخابات البرلمان لعام 2021".
وتقول الجزائري لـ"ألترا عراق"، إنّ "الحكومة المنتهية ولايتها هي من بدأت الحديث عن القانون، لكن لم ترسل أي مشروع أو طلب إلى رئاسة البرلمان الجديد بشأن تشريعه خلال الفترة المقبلة".
وبحسب الجزائري، فإنّ تحالفها وأغلب أعضاء مجلس النواب مع إقرار قانون الخدمة الإلزامية كونه "يمثل خطوة نظامية تخدم العراق، فضلاً عن دخوله ضمن خطط القضاء على ظاهرة تفشي المخدرات بين الشباب".
الحكومة والبرلمان ملزمان بتوفير التخصيصات المالية اللازمة لإنجاح المشروع، خصوصًا وأن وزارة الدفاع العراقية تسعى الآن إلى زج دماء جديدة للجيش عقب سقوط مئات القتلى خلال معارك تحرير البلاد من تنظيم "داعش"، وفقًا لتصريح الجزائري.
ناشطون عراقيون اعتبروا أن قوانين كهذه تسعى إلى عسكرة المجتمع وشغله عن الظروف السياسية التي تمر فيها البلاد، في حين طالبوا بأن تكون خدمة العلم مدنية، ما يعني أن ينخرط المواطنون "ضمن المؤسسات المدنية للدولة وليس في الجيش".
تحذير اقتصادي
في المقابل، يرى الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش، أنّ "التجنيد الإلزامي الآن وفي هذه المرحلة يرهق الدولة اقتصاديًا، على اعتبار أن العراق يدفع ما بين 10 إلى 12 تريليون دينار سنويًا رواتب للقوات الأمنية والتي تتجاوز أعدادها المليون ونصف المليون، لكافة التصنيفات سواءً جيش أو شرطة أو أجهزة أمنية أخرى".
في حديث لـ "ألترا عراق"، يعتقد حنتوش، أنّ "تطبيق الخدمة الإلزامية مع تفشي الفساد في مفاصل الدولة سيكون له عواقب اقتصادية سلبية ستنعكس على الشارع العراقي بالدرجة الأساس".
ويختتم الخبير الاقتصادي، حديثه بالقول إنّ "الجيش العراقي الآن بحاجة إلى المزيد من الدعم المالي من خلال فتح باب التطوع وتطويره في جانب التسليح وهذا يكلف ميزانية مالية أقل بكثير من فتح باب الخدمة الإلزامية التي لا تعود بمنافع حقيقية للجيش".
وفعلًا، تؤكد لجنة الأمن والدفاع النيابية السابقة حاجة الجيش العراقي إلى تجديد الدماء فيه و"تعيين 50 ألف جندي جديد على أقل تقدير".
ووضع تصنيف "غلوبال فاير باور" للعام 2021 العراق في المرتبة السادسة من حيث القوة على مستوى الدول العربية، في حين حلّ في المرتبة 57 عالميًا من مجموع 140 دولة شملها مسح المؤشر.
الوقت غير مناسب
الخبير الاقتصادي عامر الجواهري، يرى أنّ الحكومة الحالية تفتقر إلى سياسية التخطيط البعيد بشأن الملف الاقتصادي وهي "دائمًا ما تكون مشغولة بالمشكلات الآنية"، وهو ما يجعله يرفض تطبيق قانون الخدمة الإلزامية.
ويقول الجواهري لـ"ألترا عراق"، إنّ "تطبيق القانون يحتاج إلى إدارة جيدة وشفافية للحفاظ على المال العام"، مستبعدًا في الوقت نفسه "إمكانية تطبيق الخدمة الإلزامية في البلاد".
وتساءل الخبير الاقتصادي، عن حجم النزيف المالي جراء تطبيق الخدمة في العراق، لافتًا إلى أنّ "وقت تطبيقه غير جيد كون العراق يحتاج إلى عمل كبير على الصعيد الاقتصادي".
رأى خبراء في الاقتصاد أنّ تطبيق الخدمة الإلزامية مع تفشي الفساد في مفاصل الدولة سيكون له عواقب اقتصادية سلبية
وفي 31 آب/أغسطس، أقرت الحكومة العراقية، مشروع قانون للتجنيد الإلزامي في المؤسسة العسكرية بعد 18 عامًا من إلغائه، وقال الكاظمي وقتها: "أنجزنا اليوم ما تعهّدنا به منذ لحظة تسلّمنا المسؤولية أمام شعبنا والتأريخ، بإقرار خدمة العَلم التي ستكرّس القيم الوطنية في أبنائنا".