مثله مثل آلاف الخريجين من الجامعات والذين ما أن يتخرجوا ويكملوا دراستهم حتى يهددهم شبح البطالة أو يمتهنون مهنًا وضيعة لا تليق بهم بعد أنْ قضوا 16 عامًا في الدراسة والاجتهاد، فلم يبق من آمالهم سوى الانخراط في المؤسسة العسكرية أو الانتماء إلى حزب من الأحزاب المتنفذة في على الواقع السياسي.
لا يجد أبناء الديوانية الوظائف بسهولة إذا لم يكونوا منتمين للأحزاب
كان عطية واحدًا من هؤلاء العراقيين، ولد عام 1964 وتخرج من الجامعة المستنصرية عام 1994، قسم الآداب، يخرج عطية في الصباح الباكر كعادته ولا يعود إلا بعد مغيب الشمس، بحثًا عن فرصة عمل تساعده على إعانة أمه وهي مصابة بشتى الأمراض والتي عادة ما تصاحب كبار السن في العراق.
اقرأ/ي أيضًا: العراق..مافيا الوظائف الحكومية تطيح بآمال الشباب
أصبحت قصة عطية حديث لأهالي الديوانية الذين ما انفكوا يسألون عن أوضاعه المزرية، بعد وفاة والده منذ عدّة أعوام، مما يجعل عطية ينغمس في وحل الظروف الحياتية والمتاعب أكثر. لم يتزوج عطية إلى الآن على الرغم من تقدمه في العمر، ويعتبر التفكير في الزواج ضربًا من الجنون لشخص مثل ظروفه، فهو أشبه بالغريق الذي يتمسك بقشة وسط البحر.
وكعادتهم، وبعد أن عرفوا أن عطية أصبح حديث الناس في المدينة لجأ بعض السياسيين والمسؤولين إليه لتحويله إلى دعاية انتخابية أو ما اسماها دعاية لـ"تبيض الوجوه"، حيث بادروا بإطلاق الوعود لعطية بأنه سيحظى بفرصة تعيين فور إطلاق الدرجات الوظيفية، واخذوا يلتقطون معه الصور ويجرون معه اللقاءات، واستبشر الناس خيرًا بذلك، ولكن ها هو الزمن يتقدم والوعود تخان وتنكث، ولا يزال عطية يبحث عن "فرصة" للعمل.
تكرّرت الوعود على عطية بشكل متكرر من قبل الشخصيات المتنفذة في الديوانية، ولكن دون جدوى، إذ لا توجد تعيينات يحظى بها الناس غير المتحزبين، حيث قابل عطية، مدير تربية الديوانية "عقيل الجبوري"، لأكثر من مرّة، وقد وعده الأخير بأن أول فرصة تعيين ستكون من نصيبه، لكن لم يتحقق أي شيء حتى الآن.
بهذا الصدد يقول حسن هادي، وهو الصديق المقرّب لعطية في حديثه لــ"الترا عراق"، إن "عطية شاب متواضع لم يجد المجتمع الذي يراعي وضعه المتردي، يعيش وحيدًا مع والدته، وضعه النفسي جدًا متباين، فتارة تجده صامت ومنعزل طوال الوقت وتارة أخرى يتفاعل مع الأصدقاء ويشاركهم الحديث"، مضيفًا أن "مدير التربية في الديوانية استغله كدعاية لكونه شخصية محبوبة ويعرفه الكثيرون فقد وعده بالتعيين لأكثر من مرة وبقيت وعوده على حالها".
أصبحت قصة "عطية" تمثل الشباب في الديوانية حيث يجتمعون في مصير واحد.. التخرج والجلوس في البيت!
لم يحصل عطية حتى على فرصة عمل مناسبة بسبب وضع المدينة التي يعيش فيها والتي تنعدم فيها فرص العمل، وبسبب وضعه النفسي الآخذ بالتدهور فهو احيانًا يعمل بشكل وقتي وينفق كل ما يحصل عليه على والدته.
اقرأ/ي أيضًا: الحكم للمسؤولين وأقاربهم في العراق
أصبحت قصة عطية تمثل الشباب في محافظات الديوانية، إذ يجتمعون في مصير واحد يتخرجون من الجامعات يفكرون بشبح العمل الذي لا يتحقق لأسباب كثيرة، غياب المشاريع التي من المفترض أن تقوم بها الدولة لتوفير فرص العمل، والتعيينات الحكومية المقتصرة على الأحزاب وفق سياق "المحاصصة".
وبحسب تقارير رسمية، أن الجامعات والمعاهد العراقية تخرج سنويًا 600 ألف طالب، لا يجدون الفرصة المناسبة للعمل خصوصًا في المدن التي تعيش على خط الفقر والتي لا يوجد فيها أي مشاريع تنموية.
تقول الخريجة صفاء رجاء في حديثها لـ"الترا عراق"، إنني "خريجة علوم حاسوب ورياضيات منذ عام 2009 وبتقدير جيد جدًا، ولم أجد إلى الآن فرصة تعيين لا في الدوائر الحكومية ولا الأهلية، مضيفة أنه "عرض عليّ أنْ أدفع مبلغ قدره 12 مليون مقابل التعيين لكن لم أقدم على هذا الأمر لأنني لا امتلك هذا المبلغ الضخم".
أوضحت رجاء، أن "ملف التعينات بيد الأحزاب المتنفذة فمن لم ينتمي لحزب معين فهو يحلم بالتعيين، وأمر الوظيفة لا يتحقق دون العلاقات والواسطات والمحسوبية والمنسوبية في ظل فوضى إدارية واقتصادية كارثية".
تخرج الجامعات والمعاهد العراقية 600 ألف طالب سنويًا لا يجدون الفرصة للعمل في ظل توقف المشاريع وحصر الوظائف بيد الأحزاب وأبناء المسؤولين
وكانت لجنة تقصي الحقائق النيابية كشفت في كانون الثاني/ يناير، عن الفساد والخروق في تعيينات الديوانية، إذ قسمت الدرجات الوظيفية على أبناء المسؤولين وأعضاء مجلس المحافظة، وأبناء شيوخ العشائر والشخصيات السياسية النافذة على الرغم من أن هذه الدرجات خصصت للناس الذين لا يمتلكون وظائف من أبناء المحافظة، سواء كان "عطية" أو غيره.
اقرأ/ي أيضًا:
الديوانية تخرج عن صمتها.. فقراء العراق في قلب الحركة الاحتجاجية
مشاريع الدواجن في الديوانية تغلق أبوابها لصالح "الدجاج الإيراني"