28-أغسطس-2019

يدخل اعتصام طلبة العلوم السياسية أسبوعه الثاني أمام وزارة الخارجية (ألترا عراق)

يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، وجوههم غيّرت ملامحها حرارة الشمس اللاهبة وهم ينتظرون فرصة العمل بعد سنوات من البطالة. اعتصامات لخريجي العلوم السياسية تدخل أسبوعها الثاني، دون أي بوادر حقيقية لتلبية مطالبهم باستثناء الوعود، التي عادةً ما تكون مجرّد "سحابة صيف"، كما وصفها أحد المعتصمين.

تدخل اعتصامات خريجي العلوم السياسية أسبوعها الثاني دون أي بوادر حقيقية لتلبية مطالبهم وتوفير فرص العمل لهم 

بعد عيد الأضحى مباشرةً، وفي 18 آب/أغسطس، اعتصم الكثير من خريجي كلية العلوم السياسية من حملة الشهادات (الأولية والعليا) ومن مختلف جامعات العراق أمام وزارة الخارجية وسط بغداد، وبمؤازرة ودعم أساتذتهم الذين اشترك بعضهم في الاعتصامات، وقدموا الدعم المادي والمعنوي.

اقرأ/ي أيضًا: الآلاف في الشوارع: "ثورات" أججها عبد المهدي بوجه حكومته.. كيف سيواجهها؟

موسى البياتي، وهو أستاذ في كلية العلوم السياسية، جامعة الكوفة، كتب على صفحته في "فيسبوك"، أن "كلية العلوم السياسية من أهم الكليات في كل دول العالم، ولمخرجاتها دورًا في مؤسسات الدولة السياسية، والإدارية، فما مر به العراق من نكبات ونكسات كانت بسبب قرارات سياسية خاطئة من غير المختصين، وإن احتجاج خريجي العلوم السياسية والمطالبة بحقوقهم في التعيين هو الطريق نحو الاتجاه الصحيح"، مضيفًا "أتمنى منهم الاستمرار والمطالبة بحقوقهم وبطريقة سلمية وحضارية".

يُقدّر عدد الطلبة من خريجي العلوم السياسية في العراق منذ عام 1979 إلى حد السنوات الدراسية الأخيرة 42 ألف طالب وطالبة، لا ينتظرهم سوى الانضمام إلى قوائم البطالة، حيث أن طلبة كليات العلوم السياسية في العراق ليسوا من ضمن حسابات أي مؤسسة عراقية لتوظيفهم على ملاكها، فهم لا يمتلكون أي توصيف وظيفي في مؤسسات الدولة، وخياراتهم تكون ـ بحسب أحد الطلبة ـ هي إما "الانضمام إلى أحد الأحزاب الفاسدة التي تجعلهم أبواقًا للدعاية، أو أن يحملون جلودهم وعظامهم مستسلمين للفقر الذي لا دين له في ظل الظروف الحياتية الصعبة".

ولذلك جاء على رأس مطالبهم، تفعيل قانون رقم 77 لسنة 2017 الخاص بالتوصيف الوظيفي لخريجي العلوم السياسية، واعتماده من قبل مؤسسات الدولة، بالإضافة إلى مطالبة مجلس الوزراء على تثبيت نسبة من التعيينات في مشروع الموازنة العامة لسنة 2020 لخريجي العلوم السياسية حصرًا. كذلك جاء من ضمن مطالبهم إصدار قرار بأن تكون الدرجات الوظيفية في وزارة الخارجية لخريجي العلوم السياسية.

تواجه الحكومات المتعاقبة أزمة الوظائف في العراق، والتي غالبًا ما يتم تقاسمها بين الأحزاب في سياق النظام التوافقي الذي يبدأ التحاصص فيه من أعلى المناصب إلى أصغرها، ولا تعتمد الخبرة أو التخصّص هنا في اختيار الوظائف، إنما الانتماء الحزبي أو الطائفي أو القومي، الأمر الذي أدى إلى احتجاجات كثيرة في محافظات العراق، بما فيها احتجاجات طلبة كلية العلوم السياسية، حيث يقول الدكتور أسامة السعيدي وهو أستاذ مساعد في جامعة النهرين، إن "المحاصصة واستئثار الأحزاب بالدرجات الوظيفية وبالتعيينات، جعل الكل في دوائر الدولة لا يعمل في اختصاصه، بل بعيدًا عنه كل البعد وليس فقط العلوم السياسية".

أضاف في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "اختصاص العلوم السياسية ما عاد ينظر إليه على أنه اختصاص مهم، ويؤثر في السياسات العامة للبلد، مما يمكن أن يؤهلهم للتعيين شبه المركزي، مبينًا "بل العكس، همش واستبعد وأصبح فقط لأصحاب العملية السياسية أو أصحاب القرار في الدولة والذين غالبًا ما يشترون الشهادات بالأموال، ويأخذون شهادتهم وهم جالسون في البيت، ويكملون دراساتهم في الخارج في كليات غير معترف بها ربما، مشيرًا إلى أن "الشاب الذي يتخرج من الجامعات الرصينة لا يجد فرصة العمل الحقيقي ويبقى عاطلًا عن العمل حتى ينسى اختصاصه وما تعلّمه بالكامل".

خلال فترات الاعتصام التقى وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم عدد من ممثلي الاعتصام وتسلم ورقة مطالبهم، التي تتمحور حول إيجاد الحلول لوضعهم الوظيفيّ، والعمل على توفير فرص لتعيينهم وإنهاء معاناتهم، مؤكدًا أنه "سيقوم بإيصالها إلى رئيس مجلس الوزراء، وسيبذل قصارى جهده في سبيل إيجاد الحلول الملائمة لهم".

وحول هذا الأمر، أكد حسين علي، أحد ممثلي الاعتصام، وهو من حملة الشهادات العليا في كلية العلوم السياسية "سلمنا مطالبنا الى وزير الخارجية العراقي، وطلبنا منه أن يطرح موضوع خريجي العلوم السياسية في مجلس الوزراء، ويوفر لنا فرص عمل في المؤسسات الرسمية ذات الشأن والعلاقة"، مضيفًا في حديث لـ"ألترا عراق"، أن "أكثر من 20 مؤسسة في الدولة قادرة على أن تحتضن خريجي العلوم السياسية".

غالبًا ما يتم تقاسم الوظائف بين الأحزاب في سياق النظام التوافقي الذي يبدأ التحاصص فيه من أعلى المناصب إلى أصغرها، ولا يُعتمد على الخبرة هنا، إنما الانتماء الحزبي أو الطائفي أو القومي

لفت علي إلى أن "الوزير أخبرنا بوجود درجات حذف واستحداث، بالإضافة الى وجود معهد الخدمة الخارجية دورة 28، حيث أكد لنا الوزير أنه سوف يفتح في الفترات القادمة، مؤكدًا لنا أيضًا أن "النسبة الأكبر فيه ستكون لخريجي العلوم السياسية".

والمعهد الذي أشار إليه الوزير يتضمن شروطًا خاصة للانخراط فيه، منها اتقان عدة لغات أجنبية، بالإضافة إلى الخبرة السياسية الكبيرة، الأمر الذي أشار له علي إلى أن "أغلب الخريجين قد مر على تخرجهم سنوات بعيدة ما أدى إلى تضاؤل خبراتهم في هذا المجال، لذلك طالبنا من الوزير أن تكون هناك دورات تطويرية لأعداد الخريجين، وتكون مجانية تؤهلهم لاجتياز الشروط التي يضعها المعهد".

اقرأ/ي أيضًا: الخريجون الذين تحولوا إلى دعاية انتخابية.. قصة البطالة العراقية مع "عطية"

وعن السقف الزمني وشروط إنهاء الاعتصامات، ذكر حسين علي أن "الاعتصامات والاحتجاجات مستمرّة، إلى حين استحصال الحقوق وتنفيذ الوعد على أرض الواقع" مضيفًا "أننا لم نعد نصدق بالقرارات التي يصدرها المسؤولون، فقد تكون قراراتهم محض كلمات لا أكثر"

وزارة للخارجية أم وزارة العوائل؟!

تكاد تكون وزارة الخارجية، خاصة بعوائل المسؤولين، ومن هو قريب منهم، الذين لا يحملون الاختصاصات التي تؤهلهم لشغل هذه المناصب، بل يحملون شهادات بعيدة كل البعد عن هذا الاختصاص، كما أن بعضهم لا يحمل حتى شهادة عليا، حيث يعيّنون في وزارة الخارجية، وفي السفارات، والقنصليات، والبعثات الدبلوماسية، والملحقيات الثقافية، ولا تعيّن هذه الاختصاصات في وزارة الخارجية إلا في العراق تحت "ذريعة المحسوبية والمنسوبية والمحاصصة المقيتة"، بحسب أستاذ للعلوم السياسية في جامعة بغداد، والذي رفض الكشف عن أسمه لأسباب تتعلّق بمنصبه الوظيفي.

أستاذ العلوم السياسية كشف في حديثه لـ"ألترا عراق" عن مجموعة من أبناء وأقرباء المسؤولين الذين عينوا في وزارة الخارجية، ومنهم "ابنة هادي العامري حيث عيّنت بوظيفة قنصل في طهران، وشقيق العامري، عبد الرحمن كقنصل في مانشستر، كذلك زوج النائب عن التيار الصدري ماجدة التميمي تم تعيينه كقنصل في لندن، وخال عمار الحكيم حبيب الصدر سفيرًا للعراق في الجامعة العربية، وبنت إبراهيم الجعفري موظفة دبلوماسية في بريطانيا، ونجل مسعود البرزاني سفيرًا للعراق في إيطاليا"، مضيفًا "ابن عبد الهادي الحكيم موظفًا في سفارة العراق في  بلجيكا، وابن خالد العطية يعمل في سفارة العراق في بريطانيا، وزوج ابنة علي الأديب ملحق ثقافي في بريطانيا". 

ومعظم الذين لديهم مناصب في السفارات لا يمتلكون التحصيل العلمي الذي يؤهلهم لهذه الأماكن التي تحتاج إلى الخبرة السياسية والتخصصية في العلاقات الدولية، الأمر الذي دفع الأستاذ أن يتساءل بالقول "ألا يجدر بنا أنْ نسمي وزارة الخارجية بوزارة العوائل؟"، مبينًا أن "المسؤولين يخرجون على الشعب العراقي ويتكلمون عن الفساد والمحاصصة، مستدركًا "ولكن ينسون أنفسهم، فأي مصير ينتظره هؤلاء الشباب الذين يفترشون الأرصفة وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة في حكومة لا تحترم أصحاب الاختصاص والكفاءات ولا تحترم نفسها"، لافتًا إلى أن "المتنفذين يديرون الدولة بمنطق الغلبة والاستحواذ على الثروات، كأنهم يديرون عشيرة وليست دولة".  

أستاذ في العلوم السياسية: الخارجية تحوّلت إلى وزارة للعوائل حيث يتم تعيين أبناء المسؤولين وأقاربهم بمناصب في السفارات دون أن يمتلكوا الاختصاص العلمي

فيما تساءل الباحث والمؤرخ فايز الخفاجي عبر صفحته في "فيسبوك"، أن "خريجي العلوم السياسية يطالبون وزارة الخارجية بإنصافهم وتعيينهم بالسلك الدبلوماسي؛ هل تستطيع هذه الوزارة أن تستبدلهم بموظفيها؟ موضحًا أن "البعض منهم خريج (شريعة، زراعة، طبيب بيطري، فنون جميلة)".

اقرأ/ي أيضًا: العراق..مافيا الوظائف الحكومية تطيح بآمال الشباب

وفي الأثناء، أصدرت الجمعية العربية للعلوم السياسية بيانًا أعلنت فيها تضامنها مع خريجي العلوم السياسية في العراق، قائلة في بيان تلقى "ألترا عراق"، نسخة منه، إنه "تعلن الجمعية العربية للعلوم السياسية عن تأييدها لمطالب الزملاء في جمهورية العراق (وفي كافة الدول العربية الأخرى) للحصول على فرصة عمل لائقة وفقًا لمؤهلاتهم العلمية في تخصص العلوم السياسية"، مطالبة "الجهات المعنية في العراق للاستجابة إلى المطالب المشروعة المعلنة من قبل المعتصمين".

وتأتي اعتصامات خريجي العلوم السياسية، بعد عدة احتجاجات واعتصامات لخريجي الكليات العراقية الأخرى منها الإدارة والاقتصاد، والذين يواصلون اعتصامهم تحت نصب الحرية، إلى هذا الوقت، والهندسة والعلوم والذين تتلخص مطالبهم بشمولهم بالتعيين المركزي أو توفير البدائل المناسبة بعيدًا عن البيروقراطية والمحاصصة وتعيين أبناء المسؤولين، واقتصار الكثير من الوظائف على الأحزاب المتنفذة في النظام.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

قدرة العراقيين الشرائية.. من مغامرات صدّام إلى فقدان 790 مليار دولار!

9 ملايين عراقي تحت خط الفقر