11-ديسمبر-2018

السلاح السائب وفراغ الدولة، قوى شوكة العشائرية والاقتتال العشائري (صحف عراقية)

منذ الفتوى التي أطلقها المرجعية الدينية العليا في العراق، والمتمثلة في آية الله علي السيستاني؛ توجه عشرات الآلاف من الشباب العراقي للتطوع في صفوف الحشد الشعبي، ووزعت كميات هائلة من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة على مراكز تسجيل المتطوعين وتدريبهم، والتي كانت في حالات كثيرة منها عشوائية وذات طابع عفوي.

السلاح السائب في العراق أوجد ما يعرف بـ"الدكة العشائرية" التي باتت تمثل تهديدًا قائمًا يطارد الجميع دون الخضوع للقانون

هذه الأسلحة والذخائر، استخدمت في قتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والدفاع عن عدد من المدن التي كانت مهددة بالسقوط بيد التنظيم المتطرف، لا سيما مدينة سامراء، التي شهدت قبل ذلك، الحادثة التي غيرت مسار الواقع الأمني والديموغرافي في العراق أي تفجير الإمامين العسكريين.

اقرأ/ي أيضًا: العراق.. مخاوف من "تطييف" حمل السلاح

لكن بعض هذه الأسلحة اتجه إلى البيوت، وصار بيد سلطة لعبت العديد من الأدوار الهامة في تاريخ العراق، ألا وهي العشيرة. لتشهد المناطق الوسطى والجنوبية من البلاد بعد ذلك، تحولًا في نوع النزاعات العشائرية، من المناوشات الخفيفة التي كانت تحدث في السابق، إلى معارك تستمر لعدة أيام وتستخدم بها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، حتى وصل الحال في عدة نزاعات عشائرية في البصرة، إلى حدّ أن قيل إن مدرعات ودبابات مسلوبة استخدمت فيها.

الدكة العشائرية
السلاح السائب يقوض أمن المجتمع العراقي بالدكة العشائرية

وحاول رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي التعامل مع هذه الظاهرة، بعملية أمنية أطلقها في المناطق الجنوبية، وتركزت على محافظة البصرة أكثر من غيرها، وذلك في شباط/فبراير الماضي من هذا العام. لكن هذا الإجراء لم يكن بقدر الأزمة، بعد أن تحولت ثقافة "الدكَة العشائرية"، إلى تهديد قائم يطارد الجميع، لأي خطأ يُرتكب، مقصودًا كان أم غير مقصود، سواء كان حادثًا مروريًا بسيطًا، أو شجارًا بين طفلين خلال لعبهما الكرة. بالإضافة إلى أن الظاهرة هذه انتقلت إلى بغداد بسرعة كبيرة، لتشهد العاصمة مئات النزاعات العشائرية سقط خلالها عشرات القتلى والجرحى.

ومصطلح "الدكة العشائرية" يطلق على توجه عدد من الرجال المسلحين، إلى بيت أو محل عمل أو محل تواجد شخص ما مطلوب لعشيرة أخرى لارتكابه فعلًا ما يتوجب حله خلال ما يعرف بـ"الفصل"، فتتم خلال "الدكة" عملية إطلاق الرصاص على المنزل، لا بغرض القتل أو الإصابة، لكن كرسالة لجدية الغريم الذي يواجهه هذا المطلوب عشائريًا.

أما "الفصل" فهو اجتماع بين شيوخ العشيرتين يتم خلاله مناقشة الموقف الذي تسبب بالأزمة، وعادة ما ينتهي بتسوية مالية، صارت مع صعود نجم "الدكة" تزداد قيمة لتصل في بعض الحالات التي تنطوي على قتل إلى عشرات الآلاف من الدولارات.

الدكة العشائرية في بغداد

ورغم خطورة هذه الظاهرة في جميع أنحاء البلاد، إلا أن وجودها داخل العاصمة، يمثل تهديدًا أكبر، خاصةً للنظام الأمني والسياسي، لا سيما بعد أن أصبحت السلطة العشائرية تدخل لحل بعض النزاعات السياسية، كما أصبح للعشيرة اليد الطولى التي ربما تُقبل على مقاضاة مسؤول صغير كعضو مجلس بلدي أو حتى كبير كنائب أو وزير!

وما يزيد من خطورة هذه الظاهرة في بغداد تحديدًا، تقويضها للصورة الحضرية للعاصمة، ولوجه المدينة فيها. كما أنها تُحجّم دور القضاء، وبالتدريج تُبعد المواطنين عن الاستعانة به.

الدكة العشائرية
باب بيت عراقي كتب عليه "مطلوب عشائريًا"

وكشف مصدر محلي على اطلاع بأعمال الدكات العشائرية، رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، عن توظيف مجاميع من الشباب لتأدية "الدكة" بالرصاص، بطريقة أقرب إلى تأجير مجموعة من المرتزقة للاعتداء على جهة معينة مقابل المال أو ثمنٍ ما يُدفع.

وقال المصدر لـ"ألترا صوت"، إن "الأمر أصبح الآن تجارة، فهناك من يُدفع له لينشد ويقرأ الشعر بتحشيد الشباب قبل الذهاب إلى مهاجمة بيت ما، وهناك من يُدفع له ليحمل السلاح ويطلق الرصاص، وهناك من يُدفع له ليجلس في السرادق ويهدئ أو يشعل من فتيل الأزمة".

وكشف مصدر لـ"ألترا صوت" عن إحصائية لعدد الدَّكَّات العشائرية التي وقعت في بغداد خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، مشيرًا إلى أن عام 2018 كان الأكثر سوءًا من حيث الخسائر البشرية.

وقال المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إن "بغداد، وبحسب ما هو مسجل لدى مديريات الشرطة، شهدت خلال السنوات الثلاث الماضية 803 دَكَّة عشائرية، كانت حصة الأسد فيها لعام 2017 بـ326 دكة".

وأضاف المصدر الأمني: "هذه الحوادث تسببت في مقتل 11 شخصًا وأصيب 75 آخرون، منهم ستة قتلى و38 جريحًا في عام 2018"، موضحًا أن "العدد الأكبر من الحوادث سجل لدى مديرية شرطة الكرادة، والذي وصل إلى 346 حادثة"، لتتصدر مناطق العاصمة بفارق يفوق الضعف عن ثاني أكثر منطقة والتي كانت منطقة الشعب بواقع 174 حادة دَكَّة عشائرية، ويليها مديرية شرطة الصدر الثانية بـ94 حادثة، بحسب ما أفاد المصدر.

الدكة العشائرية
وقعت في بغداد خلال ثلاث سنوات 803 دكة عشائرية

وتُستخدم في الدكّات العشائرية، القنابل اليدوية والأسلحة الرشاشة المتوسطة، إضافة للمسدسات والرشاشات الخفيفية كالكلاشنكوف والـM16، كما أوضح المصدر.

وفي إجراء غير مسبوق، شرّع مجلس القضاء الأعلى في العراق، قانونًا لتجريم الدكة العشائرية، يندرج تحت قانون مكافحة الإرهاب، ليستتبع ذلك سيلًا من بيانات وزارة الداخلية عبر مديرياتها في مختلف المحافظات عن عمليات إلقاء قبض بحق متهمين بارتكاب "جريمة الدكة العشائرية".

خلال ثلاث سنوات شهدت بغداد وحدها 803 دَكَّة عشائرية، قتل فيها 11 شخصًا وأصيب 75 آخرون، بينهم 6 قتلى و38 جريح في 2018

ويأتي قرار مجلس القضاء الأعلى في العراق، في وقت لا تعيش فيه وزارة الداخلية العراقية أفضل حالاتها، إذ تستمر الخلافات وتتجدد بين الكتل السياسية على المرشح لشغل منصب وزير الداخلية، ما يعيق عملية تنفيذ الإجراءات المقررة بحق الدكات العشائرية، ويسلب من مديريات الوزارة المنتشرة في عموم المحافظات، جديتها أمام عشائر مسلحة تحظى بسطوة كبيرة على الناس وعلى الأسلحة المتكدسة في بيوتهم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

غابة السلاح في العراق.. العنف الذي لا تحتكره الدولة!

فزاعة العشيرة العراقية.. سيف المحاصصة المشهر