21-يناير-2023
السلطة

ينبغي التركيز على شرطين (فيسبوك)

تظهر الوصاية بشكل عام، أما في المجتمعات التي تعاني من السياسات الفاشلة للنظام السياسي الذي يحكمها، والبقاء على هذا النظام الذي قد يؤدي بها نحو الانهيار، فتتخلص من هذا النظام بنفسها وأحيانًا تطلب مساعدة  قوى خارجية، أو في المجتمعات التي تقود بنفسها حروب الاستقلال ضد الهيمنة الخارجية. لذا، فإنّ الوصاية هي نتاج لحركة المجتمعات الناقمة على الوضع الذي  تعيشه وتعبر عنه بصور مختلفة، إلا أنّ الصورة الأوضح لها والتي يمكن رؤيتها بعد قيام الثورات، وأهمها: الثورة الإسلامية في إيران ضد حكم الشاه، والثورة الأمريكية ضد الاحتلال البريطاني، التي قام بها الآباء المؤسسون الذين قادوا هذه الثورة وتمكنوا من تأسيس الدولة الأمريكية، بوصفهم أوصياء على هذا الاتحاد، وأيضًا الحال بالنسبة للحركة الكمالية الأتاتوركية التي قادت حرب الاستقلال، وتمكنت من تأسيس الجمهورية التركية بطابعها القومي، ولا بد من الإشارة إلى أن الوصاية حتى تكون إيجابية يفترض بها التركيز على شرطين، وهما:

  • أولًا: أن تكون معتمدة في بنية مؤسسات الدولة العامة 

  • ثانيًا: أن تكون متفقًا عليها من أغلب الفعاليات السياسية والاجتماعية في الدولة، وهذا يحتاج إلى وجود أرضية مناسبة للحوار، بعيدًا عن معايير الولاءات الداخلية (الفرعية)، والخارجية (غير الوطنية).

وفي محاولة لتطبيق الوصاية بشكل  عملي بالاستناد على هذه الشروط، نرى الوصاية في الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بها مؤسسات الدولة وشعارها الحفاظ على الاتحاد والأمة الأمريكية، وعندما حاول الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب)، عدم تسليم السلطة بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية، وتوجه أنصاره نحو مبنى الكونغرس واقتحامه، وقفت جميع المؤسسات العامة ضد هذه السياسات، وأجبرته على تسليم السلطة من منطق الوصاية، وأيضًا الحال نفسه لدى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إذ أنّ مؤسسات الثورة هي الوصية على مؤسسات في إيران، وتكمن وظيفتها في الحفاظ على منجزات الثورة والمجتمع الذي قام بهذه الثورة، وتتمثل تلك المؤسسات، في "مجلس صيانة الدستور، ومجمع تشخيص النظام، والحرس الثوري، وقوات الباسيج"، فضلًا عن مؤسسات أخرى اقتصادية وخيرية.

 

غياب الوصاية على الدولة من قبل مؤسساتها يعني من الناحية العملية ترسيخ ظاهرة الوصاية على السلطة

كما يظهر أنموذج الوصاية في مؤسسات الدولة التركية، التي تضطلع بمهام الدفاع عن المبادئ الأتاتوركية، عبر القيام بالانقلابات العسكرية على الحكومات التي تهدد تلك المبادئ، أو العمل على إسقاط الحكومات عبر حظر الأحزاب السياسية المشكلة لها بالحجة ذاتها.

 أما في  العراق بعد عام 2003، لم تكن للدولة العراقية وصاية في بنية مؤسساتها والتي تقع على عاتقها حماية كيانها وحماية المجتمع الذي تمثله، بالإضافة إلى حماية النظام الديمقراطي الذي لم يزل يعاني من الممارسات السياسية السيئة، التي يتم لصقها عنوة بالنظام الديمقراطي، وربما ذلك يعود إلى أنّ النظام السياسي لم يكن نتيجة ثورة داخلية؛ وإنما مساعدة قوى خارجية، وبدلاً من وجود الوصاية على الدولة التي أشرنا إليها وفق النماذج أعلاه، ابتكرت القوى السياسية، الوصاية على السلطة، وأسست شبكات في المؤسسات للحفاظ على مكتسباتها، وهذا تحدي خطير يمكن أن يهدد الدولة؛ والعراق له تجربة سابقة مريرة لهذا النوع من الوصاية، مثل تجربة عراق ما قبل 2003. 

لذا وفي محاولة لإنقاذ الدولة العراقية، لا بد من وجود وصاية في داخل مؤسساتها، وهذا يحتاج إلى اتفاق بين الفعاليات السياسية والاجتماعية على هذه الوصاية، من ناحية توضيح الأسس الأيديولوجية للدولة، وتوضيح هويتها العامة في المواد الدستورية، لكي تأخذ المؤسسات دورها في أداء الوصاية على الدولة ومن ثم المجتمع، ولا بد أن تقوم بهذه الوصاية الأجهزة الإدارية والأمنية والقضائية في الدولة؛ فغياب الوصاية على الدولة من قبل مؤسساتها، يعني من الناحية العملية ترسيخ ظاهرة الوصاية على السلطة، التي تجعل الدولة ضعيفة، ورهينة الاتفاقات الإقليمية والدولية، فضلًا عن ذلك ظهور الفعاليات الاجتماعية التي تقوم بوظائفها، انطلاقًا من دوافع مصلحية ترتبط بالدفاع عن الدين، وعن عادات المجتمع بعيدًا عن الأطر الرسمية.