03-يونيو-2020

يقف العراق أمام مفترق طرق بانتظار الحوار الاستراتيجي (فيسبوك)

تعيش العلاقات العراقية ـ الأمريكية حالةٌ من الإرباك الشديد، والشد والجذب، لا سيما منذ حادثة اغتيال سليماني والمهندس، التي استدعت ضرورة إعادة البحث في شروط التواجد العسكري الأمريكي على الأراضي العراقية، الذي ترفضه بعض الفصائل الشيعية الحليفة لإيران. لذلك أخذ الجانبان العراقي، والأمريكي، يبحثان في قضية إعادة تحديد طبيعة العلاقات بينهما، ولهذا من المفترض أن ينعقد حوارًا إستراتيجيًا بين الطرفين في الأيام المقبلة من شهر حزيران/يونيو، ولعل الولايات المتحدة الأمريكية الطرف الأكثر وضوحًا في طبيعة المطالب التي يريدها من العراق، وكذلك هي الطرف الأقوى، بالتالي أن المعادلة تقوم بين طرف قوي، وطرف ضعيف المتمثل بالعراق، بالتالي سيحاول الطرف القوي فرض شروطه، أما أبرز المطالب الأمريكية:

  • ضرورة إنهاء النفوذ الإيراني في العراق، ومن ثم يكون طرفًا موازنًا لها في المنطقة، لأنها أي الولايات المتحدة الأمريكية تريد التفرغ بشكلٍ رئيسٍ لمواجهة المارد الصيني في الشرق الآسيوي.
  •  إنهاء الفصائل المسلحة القريبة منها، ولربما تتطرف أكثر لتطالب بإنهاء مؤسسة الحشد الشعبي برمتها، أو على الأقل تكون تحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة، وهذا ما تؤمن به باعتقادي الفصائل القريبة من السيد السيستاني.
  • ضمان مصالحها الجيوسياسية "النفوذ" والاقتصادية والاجتماعية.
  • ضمان وجود عسكري دائم.

وتمتلك الإدارة الأمريكية العديد من الأوراق الضاغطة اتجاه العراق، التي يمكن لها أن تبرزها على طاولة المفاوضات وهي:

  • استثمار ورقة الضاغط السني والكردي.
  • التلويح بورقة العقوبات الاقتصادية.
  • تهديد داعش.
  • ضعف العراق في جانب القوة الجوية العسكرية، فهو لا يمتلك القدرة على تأمين أجوائِه، ولا يقدر على توفير الغطاء الجوي التام للقوات المقاتلة على الأرض، بالتالي يحتاج للقدرات الأمريكية على هذا الصعيد، لا سيما أن تسيلح الجيش العراقي أغلبه أمريكي.
  • المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها العراق.

هذا فيما يخص الرؤية الأمريكية حيال تصورها لطبيعة حوارها الإستراتيجي المقبل مع العراق. أما الأخير فيبدو أنه للحظة لا يعرف ماذا يريد من الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ يمر النظام السياسي العراقي بحالة من الشتات السياسي، لا سيما الطرف الشيعي الميهمن، الذي يعاني من وطأة ضاغط الفصائل المسلحة القريبة من إيران، وهو ما سينعكس سلبًا على مدى قوة العراق عند جلوسه على طاولة المفاوضات مع الأمريكان، ويمكن إبراز أهم الضواغط التي ستحد من قدرة المفاوض العراقي على المناورة بالآتي:

  • الضاغط الإيراني.
  • ضاغط الفصائل المسلحة القريبة من إيران.
  • الضاغط السني والكردي.
  • الضاغط الاقتصادي، لا سيما مع تراجع أسعار النفط، وكذلك توفير رواتب الموظفين، والفساد السياسي الذي أثقل كاهل البلد، وهو ما سيستثمره الأمريكان، لأن العراق بحاجة إلى المساعدات الاقتصادية في الوقت الحاضر، الأمر الذي يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تساعده فيه، لا سيما وأنها الدولة الأولى عالميًا من الناحية الاقتصادية، كما تمتلك السيطرة على المؤسسات الدولية الاقتصادية كصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، فضلًا عن أنها تستطيع أخطار حلفائها كأوروبا، واليابان، والسعودية، وتركيا حول ضرورة الوقوف مع العراق.
  • الضاغط الشعبي المتمثل بثورة تشرين، التي يطالب أنصارها بالتغيير السياسي الشامل.
  • التهديدات الأمنية المتمثلة بداعش.
  • حاجة العراق للمساعدات العسكرية الأمريكية، من تدريب، وتسليح، وتعاون مخابراتي، ومعلوماتي، وسيبراني.
  • ضاغط التشتت السياسي.
  • ضاغط الاختناق الجيوبوليتيكي، المتثل بعقدة ضآلة المنفذ البحري العراقي.
  • الضاغط المستجد المتمثل بجائحة كورونا، التي أضافت المزيد من الأعباء على كاهل الحكومة العراقية.

أمام كل هذه التحديات، والضواغط التي تقف أمام المفاوض العراقي، يمكن القول إن العراق يمتلك بعض الأوراق الضاغطة حيال الولايات المتحدة الأمريكية، فهي تريد إبعاده عن النفوذ الإيراني، فضلًا عن إبعاده عن المسار الصيني، الذي كان إحدى الأوراق التي أثارة حفيظة الإدارة الأمريكية، بالتالي يستطيع العراق اللعب بهذه الأوراق للحصول على المزيد من التنازلات الأمريكية، لا سيما على الصعيد الاقتصادي، فهو بحاجة للقروض، والمساعدات الاقتصادية العاجلة، وكذلك يحتاج لإعادة الإعمار والبناء، لا سيما وأنه يعاني كثيرًا على هذا الصعيد، وبناه التحتية متخلفة للغاية، كما أنه بحاجة لملايين الوحدات السكنية، التي ستعالج ظاهرة الاختناق السكني الذي يعاني منه العراق. والولايات المتحدة بتصوري ستستجيب له على هذا الصعيد، لا سيما أن حجة حكومة عادل عبد المهدي السابقة، في ذهابها نحو الصين، أن الأمريكان لا يساعدون العراق على هذا الصعيد، بينما الصين يمكن أن تتكفل ببناء العراق، وبأسعار تنافسية.

 يمتلك العراق بعض الأوراق الضاغطة حيال الولايات المتحدة الأمريكية، فهي تريد إبعاده عن النفوذ الإيراني، فضلًا عن إبعاده عن المسار الصيني

أخيرًا، يقف العراق أمام مفترق طرق، ومسألة وصوله إلى نتيجة مرضية مع الولايات المتحدة الأمريكية ضرورية للغاية، لا سيما وأن الإدارة الأمريكية إن لم تتوصل إلى إتفاقٍ يرضيها مع بلادنا، ستعمل على تحريك الأوراق الضاغطة التي أشرنا إليها فيما سبق، ولعل أهمها ورقة العقوبات الاقتصادية، وبالأساس فنحن نعاني من اختناق اقتصادي رهيب، مثلما هو سياسي وشعبي.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الحوار الاستراتيجي: نقاط إرشادية للمفاوض العراقي

بين رغبات طهران وطموحات واشنطن.. كيف سيخوض الكاظمي "الاختبار الحساس"؟