25-أكتوبر-2022
احتجاجات

ألترا عراق ـ فريق التحرير

تسيطر على العملية السياسية في الوقت الحالي، أجواء ما قبل 2019 أو لحظة ما قبل احتجاجات تشرين، ففي الوقت الذي يراقب الجميع ولادة أوّل حكومة بانتخابات جاءت كنتيجة ثانوية لحراك تشرين الاحتجاجي، لا يعلو أي صوت على صوت التحاصص وتقاسم الوزارات، بالرغم من تعرّض العملية السياسية خلال السنوات الثلاث الماضية لأكبر هزات تهدّد كيانها الذي بدأ منذ 2003.

ما الذي يجعل القوى السياسية تتحدث بهذه الصيغة العلنية عن التحاصص والتقاسم هذه المرة؟

بصوت عالٍ وصريح ودون الحاجة لما يسمى بـ"الغرف المظلمة" التي كانت القوى السياسية تجري فيها الصفقات، تتحدّث مختلف القوى السياسية عن حصصها وعدد ونوع الوزارات التي تريدها وستحصل عليها في حكومة المكلّف محمد شياع السوداني، وهي أحاديث اعتقد الجميع أنها ستصبح "سبّة" والحديث فيها ورطة، خصوصًا بعد تظاهرات تشرين وتشكّل الجبهة الشعبية الكبيرة والصريحة ضد نظام المحاصصة، إلا أنّ القوى السياسية وعلى رأسها قوى "الإطار التنسيقي" تبدو اليوم أكثر تمكنًا وقوةً من الإرادة الشعبية، بل والإرادة السياسية المضادة، والمتمثلة بالتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر.

تزخر التصريحات العلنية لقوى "الإطار التنسيقي" والأحزاب السنية المتمثلة بالسيادة وعزم، والأحزاب الكردية المتمثلة بالديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، بالحديث عن خلافاتهم واتفاقاتهم وآلية تقسيم الوزارات بينهم، فيما كشف بعض النواب والسياسيين عن بلوغ سعر بعض الوزارات 75 مليون دولار.

بالمقابل، تعيش "قوى تشرين" بصفتها الكتلة الشعبية المعارضة للنظام السياسي بالمجمل، فضلًا عن التيار الصدري بصفته الجهة السياسية التي حملت مشروع "إنهاء المحاصصة" ومناهضة قوى الإطار في انكفاء وغياب للخطط أو التهديد بنشاط احتجاجي كبير يوازي ما يحدث، وهو ما جعل العديد يقولون إنه يشبه الخضوع التام لمشروع  التوافق الذي قد يكون أصبح أمرًا واقعًا.

وبالرغم من الحديث الواضح عن الحصص والتقاسم، إلا أنّ الإطار التنسيقي يحاول تخفيف و "تورية" هذا الأمر أمام المتلقين عبر استراتيجية "طرح خيارات كبيرة للسوداني وترك الخيار له"، لكنّ هذا الخيار سيكون محصورًا في النهاية بين أسماء محدودة ومرشحة من الإطار حصرًا، وهو أسلوب رأى مراقبون أنه ربما ينجح في إقناع بعض المواطنين المتحمسين بشدة لتشكيل أي حكومة لتمشية أمورهم، حيث أنّ جملة "ترك الخيار للسوداني" صنعت بريقًا نسبيًا يغطي على الإضافة الأخيرة التي تأتي دائمًا في ختام هذه الجملة ومكملة لها: "مع مراعاة الأوزان الانتخابية والسياسية".

نشوة الانتصار.. وخلو الساحة

التساؤل الذي يطرح بين أوساط النشطاء وعلى مواقع التواصل الاجتماعي؛ هو ما الذي يجعل القوى السياسية تتحدث بهذه الصيغة العلنية عن التحاصص والتقاسم؟ وبهذا الشأن يرى المهتم بالشأن السياسي أسعد البياتي أنّ "قوى الإطار تعيش نشوة الانتصار"،مضيفًا "بل أن جميع القوى السياسية التي ترى أمر تشكيل الحكومة المقبلة بيدها، غير مصدقة بأنها مازالت موجودة بعد الهزة الكبيرة التي عصفت بالنظام السياسي منذ تشرين".

ويقول البياتي في حديث لـ"ألترا عراق"، إنّ "نشوة الانتصار هذه التي تشعر بها قوى الإطار على تشرين أولًا وعلى الصدر بشكل أكبر بعد هزة حراك تشرين وبعد الهزة الأكبر التي تلقوها عقب الخسارة الكبيرة في الانتخابات الأخيرة، ليجدون أنفسهم الكتلة الأكبر مجددًا في البرلمان وتشكيل الحكومة بيدهم، جعلتهم يستعيدون أدبياتهم بقوة ويتحدثون وكأن الساحة خلت إلا منهم ودون إعطاء أي وزن للآخرين".

ويشير البياتي إلى أنه "فيما يخص الكرد والسنة، فهم غالبًا منفصلون عن ثنائي تشرين والصدر، ويعتقدون بشكل أكبر أنهم ليسوا أجزاءً من السياسة العامة للنظام وآلية الحكم ولا مسؤولون عنه، بل هم مشاركون تتوقف مسؤوليتهم ومساهماتهم على حصصهم الثانوية في الدولة".

مرحلة الطغيان السياسي

من جانبه، يرى المحلل السياسي علي البيدر أنّ "المنظومة السياسية وصلت لما يسمى بحالة الطغيان السياسي"، مبينًا في حديث لـ"ألترا عراق"، أنّ "هذه الحالة جعلتها تتمادى في تصرفاتها وتحركاتها على الأرض لعدم الاكتراث لحال المواطن والبلد فهي تبحث عن مصالحها أينما كانت سواء في المحاصصة أو بدونها، مع الإصلاح أو سواه، بمؤامرة خارجية أو غيرها".

ويعتقد أنّ "هذه القوى لم تعد تبالي لأي موقف ممكن أن يخدش سمعتها أو مكانتها، ثم أنّ المواطن العراقي فقد ثقته بهذه المنظومة ولم يعد يكترث ماذا تفعل وهي تدرك ذلك جيدًا".

رأى المحلل السياسي علي البيدر أنّ الكتل السياسية ستحاول إضعاف الصدر وتشرين على حد سواء

ويبيّن أنه "بلا شك عندما رُفع عنهم ضغط الاحتجاجات والتيار الصدري عادت هذه القوى لممارسة أي سلوك ترغب به"، فيما يفسّر أنّ "قضية استعجالها لتشكيل الحكومة يحمل نية لخلق أجواء كافية لضرب الصدر والأطراف التي تخدش مصالحها"، معتبرًا أنّ "الكتل السياسية إذا استطاعت تشكيل الحكومة ستحاول إضعاف الصدر وتشرين على حد سواء"