11-ديسمبر-2020

رمت الأحزاب الكردية بكل أوراق ضعفها أمام العلن (Getty)

كلُ الأقنعة تسقط عن وجوه الأنظمة العربية حالما يقرر مواطنون الخروج إلى الشوارع للتظاهر حول قضية ما، تتعلق بحقوق أو مظلومية يتعرضون لها، وبوصفهم مواطنين مقابل الدولة، وحينها، يبدأ المسلسل من الديباجة المعروفة (اتهامات بالتآمر) إلى نهايتها المعروفة أيضًا (قمع واعتقالات).

افتتح المسلسل في احتجاجات السليمانية باتهام المتظاهرين بأنهم مدفوعون من أطراف أخرى، في نسخة مطابقة لتصريحات أحزاب بغداد قبل عام اتجاه تظاهرات تشرين

على ما يبدو، أن بلاءنا لا يخص العرب وأنظمتهم فحسب، بل أثبتت التجارب أن المسلسل المذكور يُعرض في مختلف أنحاء منطقتنا، وبقومياتهم وتوجهاتهم الآيديولجية كافة، وبغض النظر عن نوعية النظام، وتحالفاته الخارجية، مع معسكر ديمقراطي أو دكتاتوري.

اقرأ/ي أيضًا: استعدادات حكومية وشعبية "متضادة" في السليمانية.. جولة احتجاجية مرتقبة

في إقليم كردستان العراق، الذي يدّعي مسؤولوه أنه الواحة الوحيدة للتعايش بين الطوائف واحترام حقوق الإنسان، أو "جزيرة في بحر من الصعوبات" كما يعبّر مسؤولون غربيون حين يتحدثون عن الحريات والتسامح الديني، خرج متظاهرون احتجاجًا على تردي الأوضاع المعيشية الاقتصادية فأخرجوا معهم الشكل الحقيقي للأحزاب الحاكمة هناك.

افتتح المسلسل كالعادة باتهام المتظاهرين بأنهم مدفوعون من أطراف أخرى، كالحزب العمالي الكردستاني والأحزاب العربية الشيعية، في نسخة مطابقة لتصريحات الأحزاب الشيعية ذاتها قبل عام اتجاه تظاهرات تشرين.

رغم التطور العمراني في كردستان مقارنةً بباقي المحافظات العراقية، يعاني قاطنون في هذا الإقليم من صعوبات اقتصادية منذ 2014، حين هزّت البلاد أزمة أمنية واقتصادية، في تظاهرات نوعية، لكنهم كثيرًا ما عضّوا على جراحهم نُبلًا منهم أو بسبب وسائل الإيهام والتخدير التي تستخدمها السلطات هناك بتصدير الكراهية للعرب وتحميلهم مسؤولية ما يحدث.

مع أول تظاهرة نوعية، سقط "الماكياج" الديمقراطي الذي نَعرف أنه ماكياج، مع سقوط أول متظاهر برصاص القوات الأمنية، وبان للجميع شكل الحكومة والسياسة التي تتبعها الأحزاب المتنفذة، وازدواجية الدول الخارجية بتعاملها مع هذه الأحزاب وقريناتها العربية، وهو أمر ليس بجديد، فالمنظمات الحقوقية والحكومات الغربية كانت تلاحق حكومة نوري المالكي سيئة الصيت على خرقها للحريات وملاحقتها للإعلاميين والناشطين، وتضييقها على المعارضة بشتى الطرق، لكنها تغض الطرف عن حالات شبيهة في إقليم كردستان، الذي منع رئيسه آنذاك مسعود بارزاني رئيس برلمان الإقليم من الدخول إلى أربيل!

لم تُبقِ الأحزاب الكردية شيئًا من تصرفات أخواتها العربية مع تظاهرات تشرين إلا واستنسخته، حتى في قمع وسائل الإعلام؛ لكنها لم تتعرض لقنوات اعتيادية كـ "NRT" فقط، بل اعتقلت كادر قناة العراقية الناطقة بالكردية، وهي القناة الرسمية للدولة، بسبب تغطيتها للتظاهرات، ولنتخيل حجم التحدي والتجاهل حين تجمعُ السلطات الكردية بين إهانة الإعلام والدولة معًا، عبر قمع الإعلام بصفته إعلامًا وبصفته إعلام الدولة، وقد ذهبت إلى أبعد من ذلك باعتقال نواب سابقين بتهمة التحريض على التظاهر، متفوقةً على الأحزاب الشيعية التي اكتفت باتهام بعض النواب "السُنة" بدعم التظاهرات، وتسقيطهم معنويًا.

بالإمكان استنتاج حالة الهستيريا التي تعيشها النخب الكردية والتي وصلت إلى هذا الحد من خلال الاستماع إلى مداخلاتهم وتصريحاتهم الصحفية، وأبرزها الاتهامات لأطراف عراقية بالوقوف وراء الاحتجاجات لتخريب إقليم كردستان "المتطور" مقارنةً بالوسط والجنوب.

وللمناسبة، فأن الأحزاب العربية الشيعية تغطي عبر إعلامها، بطريقة مثيرة للانتباه، تظاهرات السليمانية، ولأسباب عدة برأينا؛ بينها إثبات أن "المتظاهرين لا يخرجون عليهم فقط"، وانتقامًا من رئيس الجمهورية برهم صالح على مواقفه في تشرين، وكذلك انطلاقًا من عقدة نقص اتجاه العمران في الإقليم مقارنة بخراب الوسط والجنوب، وهذا الفرق ـ كما هو حافز للأحزاب الشيعية في محاربة عقدتها عبر الاحتفال بتظاهرات الجماهير الكردية، فهو أحد أسس الشرعية لأحزاب الإقليم مقابل الفساد وتأخير الرواتب والهيمنة على السلطة، والذي قد يتصدأ مع استمرار استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين، وتلك نقطة مهمة لفهم مسببات الهستيريا بشكل واضح.

سقطت من الأحزاب الشيعية آخر قطرات الحياء حين تفاعلت إيجابيًا مع المتظاهرين الكرد بعد عام من تسقيط المتظاهرين العرب الشيعة جسديًا ومعنويًا

رمت الأحزاب الكردية بكل أوراق ضعفها أمام العلن لتُثبت بأن لا فرق بين عربي وكردي في شهوة السلطة والتعامل الوحشي مع الناس؛ وسقطت من الأحزاب الشيعية آخر قطرات الحياء حين تفاعلت إيجابيًا مع المتظاهرين الكرد بعد عام من تسقيط المتظاهرين العرب الشيعة جسديًا ومعنويًا، دون دراية من الأولى أنها تزرع الأحقاد في داخل مجتمعها في طريق رمي المشكلة إلى الخارج، ودون دراية من الثانية أنها تُساهم في تحفيز الجمهور الشيعي على مواصلة التظاهر، فَهُم ليسوا بأفضل حال من المواطن الكردي "المحتج"، لنعود إلى عبارة "المواطن/المحتج"، التي أطلقناها على المجتمع المنبثق من انتفاضة تشرين جنوبًا والذي وصل توًا إلى إقليم كردستان شمالًا.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

خيارٌ ثالث.. موقف المواطن/المحتج من حروب الوكالة

حكومة الإقليم عن "القمع" في الاحتجاجات: ليس لدينا ميليشيات