08-يونيو-2022
المحايد

قمع مستمر للحريات (فيسبوك)

مؤخرًا، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بخبر إيقاف برنامج المحايد الذي يعرض على قناة الدولة شبه الرسمية، بعد مداخلة من الصحفي سرمد الطائي، حيث انتقد الأخير رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، والمرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، فضلًا عن قاسم سليماني، وجاء ذلك ضمن الحديث عن الحريات في العراق، البلد الذي ينص دستوره على حفظ الحريات وربما يعتبر نظامه "ديمقراطيًا". 

يفترض من المؤسسات الإعلامية أن تقف مع الصحفيين الذين يعملون فيها

والغريب في الأمر، أن الطائي تكلم عن قمع الحريات التي تصدر من مجلس القضاء الأعلى ليؤكد صحة كلامه رئيس مجلس القضاء في اليوم التالي، عندما أصدر مذكرة قبض بحقه ووصف مقدم البرنامج بـ"المتطرف"، والقانون الذي يلجأ له المواطن عندما يشعر بالخطر، صار يوجه فوهته في وجوه الرافضين والمعترضين بشكل لا يخلو من الانتقام. وبعد أن نشرت شبكة الإعلام العراقي اعتذارها عن كلام الطائي! غاب البرنامج عن الشاشة إلى اللحظة، وتٌرك كادره يتلقف التهديدات ثمنًا لحرية التعبير، بينما من مهام المؤسسة ومجلس الأمناء فيها أن يقفوا مع الكادر كونه جزءًا من مؤسسة، لكن كيف وأن مجلس الأمناء يقسم حسب التقسيمات الطائفية؟! 

يؤثر الإعلام في المجتمعات تأثيرًا كبيرًا، ويكون جزءًا أساسيًا من الحروب التي يخوضها أي بلد، وكان وما زال الإعلام العراقي وجهًا آخر للصراع السياسي بعد 2003، لا سيما في بداية الحرب الطائفية، حيث كان الخطاب الطائفي حاضرًا في الفضائيات العراقية التي صارت جزءًا من منظومة يترأسها أصحاب النفوذ والقتلة، ولا ننسى شكل قناة الدولة إبان حكم رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، وكيف كانت تتبنى إشارات طائفية فيما يحدث داخل العراق. 

والمالكي، الذي سقطت محافظات عراقية على يد "داعش" في وقته، غرّد حول برنامج "المحايد"، قائلًا إنه "يبقى الإعلام العراقي أكبر من إساءة إعلامي مغامر، ويبقى علماء الدين والمراجع الكرام والقضاء العراقي والشهداء والقوى السياسية أرفع من هذه الإساءة المخالفة للآداب، مشيدًا بـ"القضاء العراقي وما اتخذه بحق المسيء"، داعيًا شبكة الغعلام العراقي لإعادة النظر في "خطابها الذي بات يمثل صوتًا لا يعبر عن كل العراقيين، وغير مدافع عن مؤسساته وثوابته، والعوده بالقناة والشبكة إلى الأساس الذي تشكلت عليه وهو الدولة وحيادية الموقف"، والمالكي الذي كان طائفيًا في وقته وقد وظّف "قناة الدولة" لخدمة هذا المنهج، وهي ممولة من أموال الشعب جميعًا، وربما يريد إعادتها بهذا النمط. 

وفي "ثورة تشرين" انتهك "الإعلام الولائي" رموز الثورة وصدّر الأقاويل والإشاعات التي تضعف من الاحتجاج بذريعة "الطائفة والعقيدة"، في الوقت الذي كان يقتل فيه المتظاهرون من قبل حكومة عادل عبد المهدي والجماعات المسلحة والموالية لإيران، حيث الكثير من المغيبين، بينهم ناشطون وصحفيون ناهيك عن الذين هددوا وتركوا مدنهم قسرًا، خوفًا من أن يتحولوا لشهادة وفاة بيد ذويهم! كما تم اغتيال قرابة 600 شاب، وما يزال القتلة مجهولون، ومن حق المواطن أن يسأل هنا: أين كان دور القضاء العراقي مما يحدث من إعدامات ميدانية وعمليات اغتيال يومية؟! 

وقبل عدة أشهر، خرج أحد الإعلاميين المقربين من الفصائل المسلّحة، وهدد رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي قائلًا: "يملك الحشد 5 ألوية في الخضراء، إذا حاول الكاظمي أن يحل الحشد، راح تتحرك الألوية" مؤكدًا "أي تتحرك ضد رئيس الوزراء"، ومثل هذه التهديدات تبث للعلن وبشكل يومي، وفي الوقت الذي صدرت فيه مذكرة قبض بحق الطائي من قبل مجلس القضاء، كانت هناك تهديدات مستمرة في القنوات التابعة للميليشيات، طالت حتى مدير شبكة الإعلام العراقي، أحدها كان: "نبيل يا عميل السفارة الأمريكية لا تقفل تلفونك، ما سيجري على سرمد سيجري عليك"، والسؤال هنا؛ مع أي حرية تعبير يقف مجلس القضاء؟ وهل كان رد القضاء الأخير انتفاضًا لسيادة القانون العراقي أم انتقامًا لـ"خامنئي وسليماني"؟!