كثرت في الآونة الأخيرة قرارات المحكمة الاتحادية التي تأتي في سياق "سياسي" يبدو تحالفًا غير معلن مع الجهة الحاكمة والمسيطرة على صياغة ما يحدث في الفضاء السياسي العام في العراق، مع غياب النقاش الطبيعي الذي يحدث في البلدان الديمقراطية حول "سياسية" القرارات ومدى استقلاليتها، وذلك بسبب الخوف من ردود فعل المحكمة والسجن والمواد الموروثة من نظام صدام حسين، خاصة مع ظهور رسائل متبادلة بين رئيسي الجمهورية والمحكمة الاتحادية حول مجموعات "واتساب تقيّم الحكومة"، ليسكت الجميع عن السؤال حول هذا الأمر ومدى مخالفته للمادة 38 من الدستور والتي تعنى بحفظ الحريات، فضلًا عن ما هي علاقة رشيد والعميري بـ"مجموعات الواتساب"؟
الحالات التي تلتزم فيها المحكمة الاتحادية العليا بالرغبات السياسية تتعلق بتوقيت إصدار أحكامها
ووصل الأمر برئيس المحكمة الاتحادية، جاسم العميري، أن يقول إن "مهمة المحكمة الاتحادية العليا الآن ليست فقط في تطبيق الدستور حرفيًا، بل تحقيق المصلحة العليا للشعب والوطن"، وهذا الكلام "الشعاراتي"، يأتي غالبًا في حمى تصاعد الأنظمة الشمولية، التي تتحدث بمصلحة "الوطن"، للمضي في التفرّد والقمع وإسكات المعارضين، خاصة في مصر عبد الفتاح السيسي، لاسيما وأن القرارات الأخيرة والتصريحات "غير المنضبطة" التي تصدر من الهيكل القضائي في العراق، لا تلقى حتى ردود فعل برلمانية، وهنا خطورة الأمر.
قبل أيام، كنت في نقاش مع صديق بريطاني وهو مختص في القانون الدولي، وقرأت عليه جملة لرئيس المحكمة الاتحادية في الرسائل المتبادلة مع لطيف رشيد حول "مجموعات واتساب"، لتقييم الجهات الحكومية والقائمين عليها لـ"أسباب وغايات معروفة للجميع بما لا يتفق مع النظام العام والآداب"، وردّ الصديق البريطاني، أن استخدام "النظام والآداب العامة غالبًا ما يأتي داخل السياقات التي تتأرجح بين الدكتاتورية والديمقراطية ولا تعرف متى تنتقل للدكتاتورية بشكل مطلق".
المحكمة الاتحادية
تتألف المحكمة الاتحادية العليا من 9 قضاة دائمين و3 قضاة احتياط، قُسمت وفق العرف السياسي المريض، إلى 4 من القضاة "الشيعة"، 3 من "السنة"، 2 من "الكرد"، والقضاة الاحتياطيين هم 2 شيعة و1 سني. هكذا صيغت هيكلية المحكمة الاتحادية العليا الجديدة في العام 2020، بعد جدل كبير أثاره قانونها الذي ناقشه البرلمان، ولم يتمكن من تمريره بالنظر لإصرار "النواب الشيعة" على إضافة مادة تكفل تضمين "فقهاء من المذهب الشيعي" في المحكمة، فاضطر البرلمان إلى الذهاب لتعديل قانون المحكمة المؤقت، لتسمية القضاة الجدد، وإجراء التقسيم الطائفي والعرقي هذا.
ومنذ صدور قرار المحكمة الاتحادية العليا بشأن صادرات نفط إقليم كردستان في شباط/فبراير 2022، علّق القاضيان الكرديان مشاركتهما في جلسات المحكمة، وتم استبدالهما بقاضٍ "شيعي" وقاضٍ "سني" احتياطيين، ولم يتمكن الكرد من كسر نصاب المحكمة الاتحادية بعد هذا الانسحاب، بالنظر لاتفاقات الكتل السياسية على تسمية قضاة "شيعة وسنة" كاحتياط، في حال غياب أحد الأعضاء.
وبغض النظر عن اتفاقنا مع قرار صادرات النفط، لكن الأمر يشير إلى غياب النقاش والانسجام وتفرّد جهة واحدة، لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير، بإعلان عضو المحكمة الاتحادية العليا، القاضي عبد الرحمن سليمان زيباري، انسحابه من عضوية المحكمة بسبب قراراتها التي تهدف إلى "العودة للنظام المركزي"، لتتكوّن المحكمة بشكلها الحالي الآن من 5 قضاة شيعة، و4 سنة، كان رشحهم رئيس مجلس القضاء الأعلى، بالتنسيق مع الكتل السياسية في وقت سابق.
لا يشعر قادة النظام السياسي في العراق الآن بالقلق من توجهات المحكمة الاتحادية الأخيرة، إذ أنّ هناك تضخمًا، بالإضافة إلى تجاهل سيناريوهات خطيرة قد تحدث من هذه التوجهات، لكن جرت عادة الأنظمة الذاهبة إلى الانهيار أن تغرق بأخطائها حتى يهدم المعبد على رؤوس الجميع.
رئيس المحكمة الاتحادية وعلاقته بمنظمة بدر
يشغل منصب رئيس المحكمة الاتحادية العليا القاضي جاسم محمد عبود العميري، الذي اختاره رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان شخصيًا، ليحل محل مدحت المحمود عند تشكيل المحكمة الاتحادية العليا الجديدة، في العام 2021، إذ تعود العلاقة بين زيدان وعبود إلى عام 2012 عندما أصبح الأول عضوًا في محكمة الاستئناف الاتحادية، وعين عبود رئيسًا لمحكمة استئناف ديالى خلال تلك الفترة.
عند تولي زيدان رئاسة مجلس القضاء الأعلى في عام 2017، عيّن عبود رئيسًا لهيئة الرقابة القضائية، وهي الهيئة الداخلية التي تراجع عمل القضاة وتفرض عليهم معايير الانضباط.
وكان يُعرف العميري في الماضي بأنه مقرّب من هادي العامري، وكتلة "بدر" بشكل عام، وذلك بسبب نفوذ فصيل بدر سلاحًا وسياسةً في ديالى، واضطرار العميري للتعاطي مع قيادات بدر في المدينة، كما كانت "منى العميري" ابنة عم القاضي عبود نائبة في البرلمان عن كتلة بدر لفترتين متتاليتين، ويُعتقد أنّ هذا كان تأثيرًا كبيرًا عليه، وقرّبه ذلك إلى كتلة العامري كثيرًا.
وفي ضوء التوجه الأخير للمحكمة الاتحادية وانحيازها لجهة سياسية، فضلًا عن قراراتها، فإنّ ترشيح نجل رئيس المحكمة الاتحادية لمنصب محافظ ديالى، كان كارثةً، لكن الكارثة الأكبر حصلت مع إعلان الأمين العام لمنظمة بدر، هادي العامري، سحب ترشيحه لمحمد جاسم العميري بسبب العمر القانوني، فيما قدم شكره لوالد محمد، رئيس المحكمة الاتحادية، على قبوله الترشيح، ويبدو في هذا أن العميري لا يعلم بمخالفة العمر القانوني، فضلًا عن قبوله لترشيح ابنه من قبل شخصية سياسية تمتلك فصيلًا مسلحًا، بالإضافة إلى نفوذه داخل الإطار التنسيقي، مع إشارة أن هذا الأمر يلمح إلى علاقة العميري بالعامري.
يعتبر العميري من أكثر الأعضاء تأثيرًا في المحكمة الاتحادية، ودائمًا ما يحصل على أغلبية تؤيد قراراته، ولهذا التأثير ربط وثيق بعلاقته برئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان أيضًا، لذلك يلاحظ أنّ القرارات التي يريد تمريرها، تمر فعلًا بلا تعقيد، وفي معظم الأحيان تسري بالإجماع إذا ما حصل تصويت في داخل الاتحادية، حيث أن أعضاء المحكمة هم أما خائفون أو ضمن التوجهات السياسية للقوى المتنفذة داخل العراق.
قبل أن يسمى العميري رئيسًا للمحكمة الاتحادية، كانت هناك جملة اتفاقات بينه وبين زيدان، على أساس تغيير منهجية العلاقة بين المحكمة الاتحادية ومجلس القضاء الأعلى، بعد أن نجح رئيس المحكمة السابق مدحت المحمود في الحفاظ على إبقاء المحكمة الاتحادية العليا مستقلة تمامًا عن مجلس القضاء الأعلى، مستفيدًا من فقرة دستورية تنص على ذلك، وكان المحمود يعمل بمعزل عن زيدان، ولا يعاني من أية ضغوطات من قبل مجلس القضاء الأعلى، لكنّ زيدان وحين نجح في تسمية العميري، ليبدأ الفصل الجديد من فصول دمار السلطة القضائية في العراق.
التأثير السياسي على قرارات الاتحادية
في أيام الصراع السياسي الذي شهده العراق بعد إعلان نتائج الانتخابات المبكرة في العام 2021، رفض رئيس المحكمة الاتحادية العليا جاسم العميري، في بادئ الأمر، دخول المحكمة في خضم هذا الصراع، وردت العديد من الدعاوى القضائية المرفوعة من قبل الكتلة الخاسرة في حينها (الإطار التنسيقي)، بداعي "عدم التخصص".
ورفض عبود في بداية الأمر الضغط من قبل الإطار التنسيقي لتأخير المصادقة على نتائج الانتخابات، أو إلغائها، أو إعادة العد والفرز الشاملة، ورد دعاوى تتعلق بنتائج بعض الدوائر الانتخابية، فخيّل للجميع أن المحكمة الاتحادية ما تزال تتمتع باستقلاليتها، ولن تنسحب إلى أي تأثير سياسي عليها، حتى أشاد التيار الصدري (الفائز الأكبر حينها) برد المحكمة، فيما اعتقدت الكتل التي تجمعت تحت عنوان "الإطار التنسيقي" أنّ القاضي جاسم عبود وقع تحت تأثير رئيس حزب تقدم ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، إذ ألمح عدد من المنضوين تحت كتلة الإطار التنسيقي في لقاءات متلفزة وقتها إلى وجود ضغوطات سياسية تتعرض لها المحكمة الاتحادية، ودعوا إلى ضرورة إبعادها عن التأثيرات السياسية، لكن نوري المالكي كان أبلغ قادة الإطار التنسيقي (في إحدى الاجتماعات اليومية للإطار في حينها) ضرورة عدم مهاجمة القاضي عبود، والصبر قليلًا لحين حسم بقية الدعاوى، في إشارة واضحة إلى وجود اتفاق على إفشال مسعى "التحالف الثلاثي".
وفعلًا، بعد أيام قليلة أصدرت المحكمة الاتحادية سلسلة قرارات أطاحت بمشروع التحالف الثلاثي (يضم التيار الصدري والديمقراطي الكردستاني وحزب تقدم والمتحالفين معهم). أفشل مشروع تشكيل الحكومة من قبل الثلاثي، ومن هنا بدأ القلق يدب في صفوفه بعد أن كان يراهن على دستورية تشكل المحكمة، وعدم إمكانية إيقاف طموحاته، خصوصًا وهو الفائز الأكبر. وجه الصدر في وقتها أتباعه للتظاهر أمام مجلس القضاء الأعلى، لإيصال رسالة مفادها أن المحكمة الاتحادية بدأت تخضع للضغط السياسي وإرادة فائق زيدان، الذي بدوره أمر بتعطل كل الدوائر القضائية في عموم العراق، لإرغام التيار الصدري على التراجع عن الضغط عليه.
ويلاحظ أنّ الحالات التي تلتزم فيها المحكمة الاتحادية العليا بالرغبات السياسية، تتعلق بتوقيت إصدار أحكامها، ونوايا ما وراء تلك الأحكام.
على سبيل المثال، عندما اتضح أن الإطار التنسيقي مستعد للتصعيد ضد التيار الصدري في أوائل العام 2022، أصدرت المحكمة سلسلة من الأحكام بشأن صادرات نفط إقليم كردستان، والأغلبية المطلوبة من ثلثي أعضاء مجلس النواب لتشكيل النصاب لانتخاب رئيس الجمهورية، واستبعاد هوشيار زيباري كمرشح للرئاسة، وقد اعتُبرت هذه محاولة لفرض حل سياسي وسط، تؤكد فيه المحكمة دورها كمُحَكِّم للأطراف السياسية.
إقالة الحلبوسي تؤكد المآلات
هناك حجم كبير للتأثير السياسي وتبعاته على القرارات التي تصدرها المحكمة الاتحادية وتوقيتاتها، وأبرزها الضغط الذي تعرضت له المحكمة الاتحادية من قبل نوري المالكي، لعدم البت في دعوى إقالة محمد الحلبوسي من رئاسة البرلمان وإنهاء عضويته لما لها من تأثيرات سياسية جانبية على الوضع العراقي الهش، وفعلًا خضعت الاتحادية لهذه الضغوط وأجلت البت بالقرار عدة أسابيع.
لكنّ سلسلة لقاءات جرت بين جاسم محمد عبود وفائق زيدان، على مدى شهر تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، أدت إلى حسم القرار من قبل فائق زيدان، وهو ما خضع له عبود، الذي واجه ضغوطات من زاويتين (الأحزاب السياسية + السلطة القضائية)، فأصدر قرار إقالة الحلبوسي في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.
وعلى ما يبدو، فإنّ زيدان كان يدفع للتسريع بأصدار القرار، وعدم الخضوع لأية "ضغوطات" من قبل قادة في الإطار التنسيقي، إذ كان بعض قادة الإطار يحذرون من إقالة الحلبوسي، وإمكانية تشكيل مخاطر دولية على الحكومة التي يعتقدون أنها فرصتهم لحيازة النفوذ من خلالها على البلاد بالكامل.
أيضًا أشعل قرار مجلس الوزراء العراقي منح الحزب الديمقراطي الكردستاني مقره في كركوك، الذي أخلي منه عقب إجراء الاستفتاء وسيطرة القوات الأمنية العراقية على كامل أراضي المحافظة أواخر العام 2017، جدلًا بين السوداني والمالكي من جهة، والفصائل المسلحة وقيس الخزعلي من جهة ثانية، إذ أنّ الجبهة الثانية كانت ترفض عودة الديمقراطي الكردستاني بأي شكل من الأشكال إلى كركوك، فيما كانت الجبهة الأولى تحاول تنفيذ التزاماتها واتفاقاتها التي أدت إلى تشكل حكومة السوداني عقب انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية، وهنا تدخلت المحكمة الاتحادية لتصدر أمرًا ولائيًا بإيقاف تسليم الديمقراطي الكردستاني مقره السابق في كركوك، على الرغم من أنه ليس من اختصاصاتها الدستورية.
هناك معلومات تفيد بوجود تنسيق يشبه إلى حد بعيد، الإملاء من قبل زيدان على عبود في إصدار القرارات، تؤكد أنّ "رئيس الاتحادية لا يصدر أي أحكام من المحكمة دون التنسيق معه".
يعتقد الإطار التنسيقي أن هذا النمط من التعاطي مع المحكمة الاتحادية من قبل زيدان، يضمن عدم وجود مفاجآت، فتكون من مهمة زيدان تهيئة التوافق السياسي، لكن مؤخرًا توترت العلاقة بين رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني والقاضي جاسم العميري، بعد أن عانى الأول من قرارات الثاني، لاسيما فيما يخص إقالة المديرين العامين وتسمية أشخاص جدد، بدأ بتعيينهم وفقًا للاتفاقات التي صاغها قبل تسنمه المنصب مع زعامات الإطار التنسيقي، فيما أوقفت الاتحادية صلاحياته في إقالة وتنصيب مدراء جدد.
علمنا أنّ السوداني وجه انتقادات إلى مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية في إحدى اجتماعات زعامات الإطار التنسيقي ببداية تشكيل الحكومة، وكانت تخص الاتفاقات التي تعهد بها قيادات في الإطار بمساعدته في تنفيذ تعيين مدراء جدد، وبرز هنا هادي العامري كأكبر المتذمرين من محاولات إقصاء عدد من المدراء العامين الذين يساندهم في جسد الحكومة، لينجح بعدها العامري مع زعامات الإطار التنسيقي في إركاع السوداني لمبدأ المحاصصة السياسية في تسمية أو تثبيت المدراء العامين بالوزارات.
وأثيرت الكثير من التساؤلات حول سبب تزايد نشاط المحكمة الاتحادية العليا في القضايا السياسية بشكل مفاجئ بعد إعادة تشكيلها في عام 2021، لكن ذلك يعود جزئيًا إلى أن العميري وزيدان متوافقان بشكل عام، ويريان أن القضاء يجب أن يتدخل في صياغة القرارات السياسية، بالإضافة إلى اعتقاد العميري بأنه يتمتع بمقبولية واستقلالية كافية لإصدار أحكام بشأن القضايا الحساسة، بينما كان سلفه مدحت المحمود يتصرف بحذر شديد بعد عام 2013، لاسيما في القضايا والطعون ذات المساس المباشر بالصراعات السياسية.
أبرز مؤشرات التوجهات السياسية لقضاة الاتحادية
نائب رئيس مجلس القضاء هو سمير عباس محمد من الرمادي، ويعتقد أنه مقرب من رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وقد خالف قرار إنهاء عضوية الحلبوسي في البرلمان، ورفض التصويت على القرار الذي نحّى الحلبوسي من منصبه رئيسًا لمجلس النواب، وأنهى عضويته النيابية.
عضو مؤثر آخر في مجلس القضاء هو غالب عامر شنين من واسط، والذي يشاع بأنه مقرب من التيار الصدري، وكانت لديه سلسلة لقاءات واتصالات برئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، الذي كان يمهد لتولي التيار الصدري فترة الحكم في العراق.
مؤشرات أخرى سجلها القضاة الكرد، عند انسحابهما من المحكمة الاتحادية، على الرغم من أنهما لا ينتميان إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني ولكنهما يعتقدان أن قرار المحكمة أضر بمصالح الكرد السياسية بشكل عام.
مثال آخر، القاضي خلف أحمد رجب من صلاح الدين صوت لإقالة الحلبوسي ليس بسبب الولاء الحزبي، ولكن لأنه يعتقد أن إعادة التوازن في القوى السنية أمر ضروري، وهو رأي ينسجم كثيرًا مع التحالف السني الآخر (عزم)، الذي يخاصم الحلبوسي ويتربص للإطاحة به.
إقالة الحلبوسي "تحبس" زيدان و"توحّش" عبود
بعد قرار الاتحادية إقالة محمد الحلبوسي من رئاسة مجلس النواب، شعر المجتمع الدولي بوجود تلاعب يتخطى قواعد اللعب الدولي الإقليمي في العراق، وبدأ الضغط على زيدان، لاسيما من الجانب الأمريكي.
علمت من أوساط سياسية تفاصيل أجواء اللقاء الأول بين زيدان والسفيرة الأمريكية رومانوسكي، حيث حملت الأخيرة سلسلة من الرسائل إزاء قرار الاتحادية، وإعلامها النظرة الأمركية لزيدان، وأن ما جرى من قرار يحمل أجندات سياسية واضحة، وأنها تعرف حيثيات تشكيل المحكمة الاتحادية.
وبعدها اجتمع زيدان بالإطار التنسيقي لتظهر العديد من القرارات، أبرزها ابتعاد زيدان عن الأضواء القضائية بشكل كلي (لفترة غير محددة)، ومنح رئيس المحكمة الاتحادية الدور الذي كان يلعبه في ترتيب حسم الأمور القضائية ذات الطابع السياسي، وخلّف هذا منح رئيس الاتحادية القاضي جاسم عبود صلاحيات (غير معلنة) في حسم العديد من القضايا المطروحة أمام المحكمة الاتحادية.
إن العراق يواجه خطورة مزدوجة من ناحية تفرد جهة سياسية بالحكم، فضلًا عن سيطرتها على قرارات المحكمة الاتحادية والقضاء، وهو ما سيؤدي أما إلى الانهيار أو الدخول بحفلات من الاستبداد تعيد تجربة شبيهة إلى حد ما، مع صدام حسين، ومع هذه القرارات والتأثير السياسي، يبدو الحديث بالديمقراطية ساخرًا وغير واقعي.