03-أكتوبر-2020

لا يزال التخوين قائم على كل ما يرتبط بانتفاضة تشرين (Getty)

ولتحطم القيود، ولتكن حرًّا يا بني. جلال الدين الرومي

ترى ما الذي يجعل انتفاضة مضى عليها عام واحد أن تربك الوضع العراقي، لدرجة إننا سمعنا ونسمع عبارات مضحكة من قبيل: من قام بهذه الانتفاضة شباب مراهقون، من استلم زمام الأمور هم الفئات الهامشية في المجتمع العراقي، مثل الحشاشين، والعصابات وغيرها. وفي الحقيقة قبل أن نضحك على هذه النكات الطريفة، علينا أن نعترف أن بعض العراقيين ابتدعوا نماذج تفسيرية جديدة تسلط الضوء على طبيعة الحراك الاحتجاجي الذي يحدث في العراق.

لسان حال الاستبداد الاجتماعي يقول لمنتفضي تشرين: لا تطالبوا بحقوقكم، وإن طالبتم بها فسنختلق ألف مبرر لتشويه سمعتكم!

 ومن هذه التفسيرات المضحكة، هو أن نقسم الحراك إلى أخيار وأشرار، إلى حشاشين ومتعاطي الكحول، وإلى خيرين وشرفاء. ضمن هذا المسعى المرتبك يمكن القول إن أي حراك احتجاجي قادم في المستقبل ينبغي عليه أن يتحلّى بمناسك الحج، لأنه ليس حراكًا يمثل كل فئات الشعب، غثّها وسمينها، بل هي رحلة طهرانية إلى بيت الله الحرام!

اقرأ/ي أيضًا: انتفاضة تشرين: الموت من أجل الحياة

وعلى الرغم من كل الشباب الذين سقطوا في انتفاضة تشرين، وعلى الرغم من كل الاغتيالات والاختطافات التي حدثت على مرأى ومسمع الكثير، لم نسمع من هذا الخطاب الطهراني التجريدي أسفًا وتضامنًا مع هؤلاء المغدورين. وبهذه الطريقة تتكشف لنا دوافع الخصوم وطرق تفكيرهم، وأنهم لم يكونوا نقّادًا لتعديل مسار الانتفاضة بل كانوا مطايا يسيرون في ركاب السلطة.

 فينبغي علينا أن ندرجهم ضمن السلطة وأدواتها، وهذا ليس تجنيًا أو تفكيرًا رغبويًا يحاول أن يسقط ما يتمناه على الواقع، بل كل الشواهد تؤكد ذلك، يوم هبّت بعض الفئات الاجتماعية - ومعظمهم من المعدمين!- للتنكيل بهذه الانتفاضة إعلاميًا، حتى أن الكثير منّا استشعر ثورة طهرانية في المجتمع العراقي على وشك الحصول!

يتساءل الكثير بطريقة لا تخلو من تذاكي: ماذا حققت انتفاضة تشرين، كما لو أن عمر الانتفاضة أربعة قرون! والحقيقة لا أدعّي بسوء النوايا لكل المتسائلين، غير أنه من المؤكد أن معظمها يندرج في خطاب السلطة المراوغ (والسلطة هنا أعم من سلطة الدولة، بل سلطة المجتمع ككل)، وهذا الخطاب المراوغ هو أحد مصاديق الاستبداد الاجتماعي الذي يعفي نفسه بهذه التساؤلات من المسؤولية الاخلاقية لكل ما جرى لشباب تشرين. لسان حال الاستبداد الاجتماعي يقول: لا تطالبوا بحقوقكم، وإن طالبتم بها فسنختلق ألف مبرر لتشويه سمعتكم!

فمن هنا اتضح خطاب السلطة بوضوح وجلاء: من لم يكن معنا فهو ضدنا! وفي مضاعفات هذا الخطاب نعثر على نسق تبريري مضمر، مفاده: من لم يكن طبقًا لصورتنا، التي خلقتها السلطة لنا، خارج اختيارانا وإرادتنا، فهو جاسوس يجري بالضد من فضائلنا الأخلاقية. حتى لو كانت هذه الفضائل حبرًا على ورق، المهم في الأمر أنها تصلح علفًا إعلاميًا طازجًا للفئات التي تبرعت بعقولها كقربان سخي لأرباب السلطة.

الأحياء الفقيرة المتهالكة ليست رذيلة أخلاقية، تردي  التربية والتعليم ليس رذيلة أخلاقية، تحول العراق إلى ماخور كبير لأرباب السلطة ليس رذيلة أخلاقية، لماذا كل هذه الأمور ليست رذيلة أخلاقية؟ لأنها ببساطة شديدة غائبة في قاموس السلطة، الرذيلة الوحيدة التي تعلمّتها هذه الفئات المعدمة هي انتفاضة تشرين! لماذا انتفاضة تشرين رذيلة أخلاقية؟ لأنها تطالب بالكرامة البشرية وبناء الدولة، وهذه بحق من أكبر الرذائل التي سهرت السلطة كثيرًا على زرعها في عقول المعدمين. فضيلة الفضائل هي العلف الطازج الذي تقدمه لهم السلطة وما عداه رذيلة فلا نستغرب!

يبحث شباب انتفاضة تشرين في العراق عن ممكنات خارج سلطة الاستبداد السياسي والاجتماعي بينما يستمر خصومهم في محاولة الحفاظ على السلطة

ببساطة شديدة: إن شباب تشرين يبحثون عن ممكنات خارج سلطة الاستبداد الاجتماعي والسياسي، وخصومهم يحاولون الحفاظ على السلطة. المضحك المبكي في هذا  كله، أن المدافعين عن السلطة من الفئات المعدمة، لم يغنموا من خيراتها شيئًا يذكر، لكنّهم على أهبة الاستعداد للذود عن مكتسبات السلطة وأساطيرها التي لا تنتهي، حتى لو كلفهم ذلك أرواحهم! فهل نستغرب من هذا الخطاب الطهراني الذي يجيد خداع نفسه بطرق احترافية عجيبة، لدرجة أننا لم نفهم حتى هذه اللحظة من هو عدونا بالضبط!

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

بـ"الدماء والغباء".. ذكرى احتجاج تحول لانتفاضة

عن انتفاضة تشرين في عامها الأول