31-أكتوبر-2021

ارتفعت أعداد النازحين إلى نحو 500 عائلة (تويتر)

الترا عراق - فريق التحرير

منذ أيام تعيش بلدات في محافظة ديالى أجواءً مشحونة إثر عمليات قتل وتهجير وانتهاكات بدوافع طائفية، تحت أنظار السلطات الأمنية، وسط تحذيرات من استمرار الانفلات الأمني واستنكار لـ "التعتيم الحكومي".

ارتكبت مجاميع مسلحة انتهاكات بحق مدنيين وعمليات تهجير تحت انظار السلطات الأمنية في ديالى

الأحداث التي جاءت في توقيت حساس، أشعلها هجوم خلف قتلى وجرحى في بلدة "الهواشة" في قضاء المقدادية والتي تقطنها غالبية شيعية من قبيلة "بني تميم"، وهو ما استثمرته فصائل مسلحة لتنفيذ "أعمال عنف وتهجير وتجريف بساتين" تحت غطاء من منصاتها الإعلامية بعنوان "استنساخ تجربة جرف الصخر".

رواية أخرى..

وعلى الرغم من إعلان تنظيم "داعش" مسؤوليته عن هجوم السادس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر، إلاّ مصادر أمنية رفيعة تقول إنّ ما حدث هناك هو "انتقام عشائري على خلفية حادثة قتل سابقة طالت أحد سكان قرية نهر الإمام ذات الغالبية السنية".

ويقول شهود عيان لـ "الترا عراق"، إنّ "القوات الأمنية وبدل التدخل لفرض الأمن وإنهاء النزاع سمحت لفصائل مسلحة في الحشد الشعبي بالتدخل لصالح أحد طرفي الصراع بدوافع طائفية، وارتكاب انتهاكات وأعمال تهجير، ما أسفر عن سقوط ضحايا".

"بدر والعصائب.."!

وأكّد صحافي في ديالى، إنّ "مجاميع من منظمة بدر وعصائب أهل الحق اشتركت في اقتحام قرى عدة من بينها نهر الإمام والعامرية والرشاد، وأجبرت مئات الأسر على مغادرتها تحت تهديد السلاح، مع إحراق منازل ومبان وأراض زراعية".

ويقول الصحافي مشترطًا عدم كشف هويته، أنّ "التوترات بدأت على خلفية خسارة تحالف الفتح وأحزاب أخرى تمثل الجناح السياسي للفصائل المسلحة في الانتخابات، إذ بدأت أطراف مسلحة باستفزاز سكان القرى ذات الغالبية السنية في المقدادية واتهامهم بالتزوير، قبل أنّ تنفجر الأحداث بهجوم قرية الهواشة".

ويضيف الصحافي لـ "الترا عراق"، أنّ "بلدات قضاء المقدادية تشهد الآن هيمنة كاملة للمجاميع المسلحة التي تمنع سكان القرى من العودة إليها"، مشيرًا إلى أنّ "قوات جهاز مكافحة الإرهاب والجيش ما تزال عاجزة عن فرض الأمن في القضاء، مع استمرار الهجمات بقذائف الهاون".

ويرى الصحافي، أنّ "صمت رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي والجهات السياسية السنية خاصة عن الانتهاكات، يعود إلى التخوف من تأثير أي مواجهة مع الفصائل المسلحة على مكاسب هذه الأطراف ودورها في المرحلة المقبلة".

وتقدر أعداد العوائل النازحة بنحو 500 أسرة أجبرت على المغادرة إلى مدن أخرى في محافظة ديالى وخارجها، وفق مركز "جرائم الحرب"، غالبيتها من قرى نهر الإمام والعامرية والميثاق والرشاد.

"السلطات تنكر"!

لكن السلطات الأمنية تنكر تسجيل عمليات "انتقام" في قرى قضاء المقدادية، ما دفع ناشطين إلى إطلاق حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي معززة بمقاطع مصورة وشهادات لعوائل نزحت قسرًا من مساكنها وتعرضت للعنف.

ويقول الصحافي والناشط محمود النجار لـ "الترا عراق"، إنّ "اتصالات جرت مع منظمات دولية معنية بحقوق الإنسان منها منظمة العفو وهيومن رايتس ووتش لتسليط الضوء على ما يحدث من جرائم في ديالى يقابلها صمت حكومي مطبق".

ويبيّن النجار، أنّ "الهدف من الحملة التي بدأت عبر منصة تويتر، هو إيقاف الأعمال الانتقامية التي تطال مدنيين عزل بدوافع طائفية، على يد جهات مسلحة تحت أنظار السلطات الأمنية، وإيجاد حل حقيقي للتهديد الذي تمثله المجاميع المسلحة وخطرها على السلم الأهلي".

بدورها، انضمت منظمة "إنهاء الإفلات من العقاب"، إلى الحملة الرامية إلى وقف أعمال العنف والتهجير.

"الإفلات من العقاب مجددًا"!

وذكرت المنظمة في بيان، الأحد 31 تشرين الأول/أكتوبر، أنّ "العمليات العسكرية الانتقامية الجارية في قرى محافظة ديالى أدت حتى الآن وبحسب شهود عيان إلى مقتل عدد غير محدد من الأشخاص ونزوح أعداد كبيرة من المدنيين بعد تعرض بيوتهم وحقولهم وممتلكاتهم للحرق والتخريب".

وأكّدت المنظمة، نقلاً عن مصادر في وزارة الداخلية العراقية، "تورط مجاميع قبلية مدعومة من ميليشيات طائفية بتنفيذ هجمات انتقامية ضد المدنيين في قرية نهر الإمام بعد وقوع عملية إرهابية استهدفت شبان من قبيلة بني تميم في قرية الرشاد".

وقالت المنظمة، إنّ "هذه الأحداث المروعة أظهرت غيابًا كليًا لسلطة الدولة والقانون وعدم وجود صلاحيات فعلية للقوى الأمنية والعسكرية الرسمية مع وجود العصابات الحزبية والميليشيات المسلحة التابعة للحشد الشعبي، ما يعيد تذكيرنا بعمليات القتل المنهجية التي نفذت ضد المتظاهرين خلال انتفاضة تشرين والتعتيم الحكومي الكامل خلال عمليات القتل الانتقامية، سواءً تلك التي جرت في تشرين 2019 أو الجارية حاليًا في تشرين 2021".

وحملت المنظمة، الحكومة "المسؤولية الكاملة عن عمليات القتل والتهجير الجارية حاليًا في محافظة ديالى"، وكذلك "مسؤولية الفشل في منع الهجمات الإرهابية وتوفير الحد الأدنى من الحماية المطلوبة للسكان".

كما حذرت المنظمة، من أنّ "استمرار الإفلات من العقاب يضع مصير البلاد في طريق مجهول ويزهق أرواح المزيد من العراقيين بشكل يومي ومجاني دون أي رادع أو اكتراث"، مشددة على ضرورة "مراجعة حكومية وشعبية حقيقية ومسؤولة للدور الذي تلعبه الميليشيات والعصابات الحزبية المسلحة في زعزعة استقرار العراق وتعريض سلمه الأهلي وحياة وأمن سكانه للخطر".

"ثغرة ومناورة"!

من جانب آخر، تثير أعمال العنف بدوافع طائفية مخاوف من تداعيات أشد خطورة في منطقة تمثل "خاصرة أمنية رخوة".

ويقول الخبير الأمني، واثق الهاشمي، إنّ "قرب محافظة ديالى، ببيئتها الاجتماعية المتنوعة وطبيعتها الوعرة، من العاصمة بغداد، تدفع التنظيمات الإرهابية إلى تركيز تواجدها فيها، واستغلال الأوضاع بين الحين والآخر لتنفيذ هجمات دامية".

ويؤكد الهاشمي، في حديث لـ "الترا عراق"، أن "تنظيم داعش يحرص على استخدام الصراعات السياسية من أجل إشعال الفتنة الطائفية، في كل منطقة يجد فيها ثغرة"، مبينًا أنّ "الخلافات السياسية على نتائج الانتخابات تمثل فرصة مثالية للجماعات الإرهابية لإعادة ترتيب أوراقها والتغلغل في المناطق الرخوة".

يرى مراقبون في أحداث ديالى مناورة لأطراف سياسية خسرت الانتخابات للعودة عبر الخطاب الطائفي 

ويوضح الخبير الأمني، أنّ "محافظة ديالى ما تزال تضم حواضن آمنة للتنظيمات الإرهابية، بسبب ضعف الجهد الأمني والاستخباري"، مشيرًا إلى ضرورة "تكثيف العمليات استخبارية نوعية خلال الفترة المقبلة، وتعزيز القطعات العسكرية، فضلاً عن تفعيل الكاميرات الحرارية ومنظومات المراقبة والطائرات المسيرة للسيطرة على الأوضاع الامنية بشكل أفضل".

بدوره، يرى الكاتب والمحلل السياسي علي البيدر، في أحداث ديالى "مناورة لجهات سياسية بهدف العودة إلى صدارة المشهد عبر الخطاب الطائفي"، لكنه يؤكد في الوقت ذاته أنّ "هذا النوع من الخطاب يواجه رفضًا شعبيًا قاطعًا يستند إلى الوعي الذي انتجته الاحتجاجات الشعبية منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019".

 

اقرأ/ي أيضًا: