02-فبراير-2019

شابة من الأهوار 1967

ألترا عراق ـ فريق التحرير 

حين كتب كتابه "العودة إلى الأهوار"، هل كان كافن يونغ يتخيّل أن تتحول هذه المسطحات المائية إلى مناطق مجفّفة من الماء، لا حياة فيها ولا طيور، ودون حدائق خضراء كما حدث عام 1991 حين أقدم على تجفيفها النظام السابق. أو كما حدث في ظل النظام السياسي بعد عام 2003، إذ بقيت دون حياة، لا زالت تعاني من التراجع. سيفاجئ القارئ، العراقي والعربي، حين يدخل إليها وفي ذهنه آفاق لا حدود لها من الجمال، ويصطدم بالواقع الذي رسمته عقود من الإهمال السياسي والتنموي كانت نتيجة للثنائيتين؛ الاستبداد والاستعمار.

تعتبر الأهوار من أكثر المناطق الطبيعية ثراءً نظرًا لما تحويه  من مياه وأرض صالحة للزراعة، فضلًا عن أنها بيئة مناسبة لاستقطاب الطيور المهاجرة النادرة

يصف كافن يونغ مسار الحياة في الأهوار بكتابه الذي ترجمه حسن الجنابي، شكل البساتين وغابات النخيل اللانهائية في بلاد سومر، شبكات القنوات والسدود المعقدة الرائعة التي جعلت بلاد ما بين النهرين مخزن قمح الشرق الأدنى، الفلاحون الأثرياء والآلاف المؤلفة من الأغنام والبهائم، رجال الزوارق وهم يغنّون وسط أحواض البردي العملاقة، ويصيدون الأسماك والحيوانات دون أن يقلقهم أحد، يقول هكذا كان المشهد الذهبي عندما كان العراق فتيًا، فردوسًا أضاعته النزاعات والإهمال.

قيل إنها جنة عدن، وفينيسيا الشرق الأوسط، والتي تتشابه ـ شكلًا ومناخًا ـ مع البندقية الإيطالية، المدينة العائمة على البحر الأدرياتيكي، استوطنها الإنسان منذ نحو ما يزيد على الخمسة آلاف سنة، كما يرى المؤرخون، وكانت محطة استراحة للطيور المهاجرة من آسيا إلى أفريقيا وموطنًا لأنواع كثيرة من الأسماك والطيور والحيوانات المائية، فضلًا عن تميزها بـ"قصب البردي"، الذي يستخدم لبناء بيوت والمضايف الكبيرة لسكان الأهوار العائمة على المياه.

اقرأ/ي أيضًا: سباق تركيا وإيران على مياه العراق.. عطش الرافدين على الأبواب!

في كتابه عرب الأهوار، والذي ترجمه سلمان كيوش، يصف ولفريد ثيسيجر البيوت والمضائف التي تُصنع من قصب البردي، بالقول، إنه "يعتريني انطباع دائم حين أكون جالسًا في مضايف الفرات انني داخل كاتدرائية رومانية أو قوطية، زادها جمالًا الوهم البصري من خلال السقف والشبابيك المزخرفة في كلا النهايتين التي تدخل الأشعة الساطعة من خلالها خارقة العتمة الداخلية. تمثّل المضايف سواء كانت على الفرات أو دجلة انجازًا معماريًا رائعًا من مواد غاية في البساطة".

أدرجت مناطق الأهوار في تموز/ يوليو 2016، في قائمة التراث العالمي وتعتبر من المناطق المحمية، وقد وصفتها منظمة اليونسكو عشية الإعلان عن إدراجها في القائمة، بأنها "ملاذ تنوع بايولوجي وموقع تاريخي لمدن حضارة ما بين النهرين"، لكن عجز الجهات المسؤولة من تأمين هذه المسطحات المائية ربما يؤدي إلى إزالتها من القائمة العالمية وإدراجها ضمن قائمة المعالم المهدّدة بالانقراض، كما يرى مختصون.

عجز الجهات المسؤولة عن حماية الأهوار وتطويرها ربما يؤدي إلى إزالتها من المدن التي أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي

الحياة المثيرة لشعب الأهوار، ضاعت ملامحها وانتهت، لكن مجموعات من الصور لمستشرقين وموظفين بريطانيين وضباط ظهرت لتكشف عالمًا مائيًا مذهلًا، قبل مجيء آثار التنمية والاضطرابات السياسية المستمرة في منطقتنا، ففي عام 1967 زار المصور النرويجي تور إيجلاند هذه المسطحات المائية، وظلت معظم صوره غير مرئية، لغاية نشر كتابه "متى كانت كل الأراضي بحرًا: رحلة فوتوغرافية في حياة عرب الأهوار في العراق".

"ألترا عراق"، اختار لكم مجموعة من صور إيجلاند التي تقدم لمحة عن هذا النسيج الثقافي قبل تدميره، قبل اختفاء المياه وتزايد الجفاف، قبل أن تنتهي البيوت والمضائف ذات الأقواس المستديرة، قبل أن تخلو من التجمعات السكانية وتكون امتداد فارغ وصامت، لا يوجد فيه غير الطيور، وبعض السائحين القلائل من شتى أنحاء العراق.

زورق مليئًا بالقصب في قرية الأوجر، وسط الأهوار عام 1967
قرية عائمة على الماء، ويتم النظر لها من خلال هيكل منزل تحت الإنشاء يسمى "المضيف"
بنات صغيرات يراقبن جدتهن وهي تغزل نوع بدائي وقديم من السجّاد عام 1967

 

قرية "البيدا" في الأهوار، وهي عبارة عن تجمع كبير يضم العديد من الأكواخ والقوارب، 1967
مضيف في الأهوار، يتجمع فيه السكان ويوقدون فيه النيران كعلامة لاستقبالهم الضيوف، عام 1967
شابة من الأهوار تقوم بجمع نبات البردي الذي يستخدم كمادة رئيسية في بناء بيوت الأهوار، 1967
طفل يرتدي "اليشماغ"، الزي التقليدي الذي يرتديه سكّان الأهوار، 1967
كان الجاموس ضروريًا للعيش في الأهوار، 1967

 

امرأة تتجول في الأهوار، 1967

 

اقرأ/ي أيضًا: 

العراق وسوريا.. لعنات الإمبراطوريات الأبدية

هواجس عطش الرافدين.. مشاهد من عراق ما قبل الدولة