19-مايو-2019

يؤكد ضابط في الجيش أن الوضع في كركوك ليس جيدًا (Getty)

عادت أزمة الأراضي في كركوك إلى الواجهة، بين العرب والكرد، وسط اتهامات متبادلة، فالكرد يؤكدون أن الأراضي التي يقع عليها الخلاف والتي تتوزع في نواح مختلفة من المحافظة، تعود لهم، لكن النظام السابق برئاسة صدام حسين جردهم منها ومنحها إلى العرب.

اندلعت الأزمة التي تتعلق بأراض زراعية وقرى في كركوك بين العرب والكرد مجددًا في ظل نشاط ملحوظ لتنظيم "داعش"

بعد عام 2003 قام السلطات الكردية، وفق مسؤولين كرد، بتعويض العرب وسحب تلك الأراضي منهم وفق المادة 140 الخاصة بتطبيع الأوضاع في المناطق المتنازع عليها، لكن السكان العرب عادوا إلى تلك الأراضي والمناطق بعد عمليات فرض الأمن التي شنتها القوات الأمنية واستعادت بموجبها السيطرة على كركوك والمناطق المتنزاع عليها وأعادت القوات الكردية إلى الخط الأزرق، وسط اتهامات للكرد بتهجيرهم من تلك الأراضي والقرى.

اقرأ/ي أيضًا: كركوك.. تضارب حول المحافظ الجديد والسابق يعود ملوحًا بالبيشمركة

وبينما ينشغل العرب والكرد بالخلاف حول ملكية الأراضي التي تقع شمال وجنوب وغرب كركوك، تشير مصادر برلمانية الى نشاط جديد ملحوظ لتنظيم "داعش" في جنوب وجنوب غرب المحافظة، مما قد يؤدي لـ "كارثة أمنية".

يقول النائب عن الاتحاد الوطني الكردستاني، الحزب الذي حصد نصف مقاعد كركوك النيابية، ريبوار طه، إن "كركوك تعيشن انهياريًا إداريًا، وآخر أمني"، مبينًا أن الأول يتمثل "بعدم انعقاد جلسات مجلس المحافظة منذ عام ونصف العام، وغياب أي سلطة اتحادية ورقابية على كركوك، وحصر جميع الصلاحيات بالمحافظ الوكيل، دون مراقبة عمله".

يضيف طه، أن "الانهيار الحقيقي يتمثل بوجود نشاط جديد وملحوظ لداعش، في مناطق جنوب وجنوب غرب المحافظة، إضافة إلى الخلاف والنزاع على الأراضي الزراعية بين العرب والكرد، وهي أراض كانت كردية في الأساس قبل تعريب نظام صدام حسين في السبعنيات لها، ومن ثم تم تعويض أصحابها وفق المادة 140 بعد 2003، ولكن عاد العرب مجددًا بكتب من الإدارة المحلية للاستحواذ على الأراضي التي يقطنها كرد"، محذرًا من اندلاع "حرب قومية" في حال عدم تدخل الحكومة الاتحادية "فورًا". 

يتبادل الكرد والعرب الاتهامات بالاستحواذ على الأراضي التي تقع شمال وجنوب وغرب كركوك والسيطرة عليها بالقوة 

وبحسب مصادر أمنية، فإن عنصرين من الشرطة الاتحادية قتلا فجر الخميس الماضي 16 آيار/مايو، بهجوم شنه عناصر تنظيم "داعش" في ناحية الرشاد جنوب غربي كركوك، بعد أربعة ضباط قتلوا بكمين للتنظيم ليل يوم الأربعاء الذي سبق، فيما أرسلت الحكومة الاتحادية إثر ذلك تعزيزات عسكرية إلى المحافظة.

موقف العرب

حاول "الترا عراق"، الحصول على تعقيب من محافظ كركوك وكالةً راكان الجبوري لكن لم تتلق أية إجابة، بشأن الاتهامات التي توجه إليه من الأحزاب الكردية وتحديدًا الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والذي يقول إن "هناك عمليات شوفينية وعمليات تغيير ديموغرافي تجري في قرى وقصبات كركوك يقف وراءها المحافظ".

لكن تلك الاتهامات توجه للكرد بالمقابل، حيث يؤكد ساير نايف حواس وهو أحد شيوخ عشيرة شمر العربية، أن "وجودهم في مدينة كركوك منذ زمن بعيد، وهم مسجلون ضمن سجل 57 كركوك للتجنيس، لكنهم هجروا عام 2003 من قراهم" على يد الكرد، مبينًا في تصريح متلفز أن "العرب عادوا من جديد إلى مناطقهم، ليجدوا أناس من خارج كركوك وحتى من دول مجاورة للعراق يعيشون فيها"، فيما أشار إلى "امتلاكهم قرارات من المحكمة تفيد بأن الأراضي تعود لهم".

الجيش العراقي: الوضع مختلف

بدوره يقول ضابط رفيع المستوى في الجيش، إن الوضع في كركوك مختلف عن باقي المحافظات، وأن الجيش أمام مرحلة صعبة ومعقدة، عادًا أن "الوضع في كركوك ليس جيدًا بشكل كبير، حيث غالبية القوات التي تحمي المحافظة هي من خارجها، ولم تتلق أي تعاون محلي حتى من الشرطة المحلية، لاسباب قومية وأسباب كثيرة أخرى".

يؤكد ضابط في الجيش أن الوضع في كركوك ليس جيدًا في ظل عدم وجود تعاون من قبل القوات المحلية لأسباب قومية وغيرها

أضاف الضابط الذي طلب عدم كشف هويته، أن "الجيش كان في نينوى خلال عمليات التحرير وكان العدو واضح وهو داعش، وكان الأهالي متعاونين معه، لكن اليوم في كركوك المشكلة صعبة ومعقدة، لأن أي نزاع قد يحدث فإنه في الغالب سيكون بين مكونات وأبناء المحافظة، من الكرد والعرب والتركمان، والجيش لا يستطيع الوقوف مع أحد كون جميعهم عراقيون".

قصة كركوك!

تعد كركوك من أهم محافظات العراق لامتلاكها خزينًا نفطيًا ومنشآت تكرير ضخمة، وهي واحدة من المحافظة التي تعتمد على الزراعة أيضًا، كما أنها الطريق الرئيس بين محافظات شمال البلاد والعاصمة وبقية المحافظات.

يسكن كركوك خليط قومي ومذهبي من الكرد والعرب والتركمان والكلدان والآشوريين، بالإضافة إلى انقسام التركمان إلى سنة وشيعة، والكرد إلى سورانيين وكاكائيين.

يقول أستاذ الاجتماع السياسي في جامعة كركوك، أيدن محمد، إن "الوضع في كركوك مختلف حيث استقطع جزء من المحافظة عام 1969، وهو طوزخورماتو، لاستحداث محافظة صلاح الدين في حينها، وبسبب ثورة التسعينيات التي اندلعت في كركوك والسليمانية وأربيل، تم استبعاد العائلات الكردية من المحافظة، واستقدام عائلات عربية بدلًا منها، إضافة إلى استمرار هجرة سكان كركوك نحو الإقليم المستحدث حينها"، مبينًا أن "نسبة العرب ارتفعت في ذلك الحين، مقابل انحسار الكرد، لكن حرب 2003 سمحت للكرد بالعودة، ومنحت المادة 140 حق تقرير المصير للمناطق التي تعرف بالمتنازع عليها ومن ضمنها كركوك، لذلك شرعت حكومة إقليم كردستان بتعويض العرب بمبالغ مادية مقابل سحب الأراضي منهم والممتلكات، ضمن القانون الذي لم يطبق بشكل كامل حتى اليوم".

يضيف محمد، في حديث لـ "الترا عراق"، أن "العرب خرجوا من تلك الأراضي في كركوك، لكنهم عادوا بعد أحداث تشرين الأول/أكتوبر 2017، بأوامر من الإدارة المحلية في المحافظة"، لكنه يرى أن "الحق في تلك الأراضي لمن يزرعها، من عرب وكرد وتركمان وحتى المسيحيين، فجميعهم شاركوا في كركوك"، مشيرًا إلى أن "الخيار الأفضل هو أن يستفتى سكانها ليقرروا مصيرهم، أما البقاء في ظل الحكومة الاتحادية أو الانضمام إلى إقليم كردستان".

تضم كركوك خليطًا قوميًا ومذهبيًا وتقع ضمن المناطق المتنازع عليها والتي حدد الدستور المادة 140 لحل أزمتها

ليست كركوك فقط التي يرى الكرد أنها جزء من كردستان، بل طوزخورماتو وسهل نينوى ومخمور والكوير، إضافة إلى سنجار، وخانقين وجلولاء والسعدية، وصولًا إلى بدرة وجصان في محافظة واسط، فيما تفرض الحكومة سيطرتها عليها، لتظل الأزمة قائمة تحت وصف "المناطق المتنازع عليها"، والتي حدد الدستور المادة 140 لحلها، والتي كان من المفترض أن تطبق في عام 2007، لكن الظروف الأمنية والسياسية حالت دون تطبيقها بكشل كامل، حيث جرى "التطبيع فيها" لكن دون استفتاء.

اقرأ/ي أيضًا: ترحيل قسري لنازحين عرب في كركوك يُهدد بكارثة

اقام الكرد استفتاءهم الخاص للانفصال في 2017، وسط رفض قاطع من قبل بغداد ودول المنطقة والغالبية العظمى من دول العالم، بضمنها حلفاء الكرد من الأمريكيين والأوربيين، ورفض للاعتراف بنتائج الاستفتاء، قبل أن تشن القوات الاتحادية عملياتها لاستعادة السيطرة على المناطق المتنازع عليه والتي فرض الكرد سيطرتهم عليها بعد 2003، ومنها كركوك، التي كانت تحت سيطرة قوات الكردية تمامًا بعد أحداث حزيران/يونيو واجتياح "داعش" لمناطق شاسعة من البلاد.

أمن كركوك و"داعش"!

كان تنظيم "داعش" قد زحف نحو كركوك بعد سيطرته على الموصل وصلاح الدين ومناطق أخرى، لكن قوات البيشمركة الكردية أو ما يعرفون عربيا باسم حرس إقليم كردستان، فرضوا سيطرتهم على المدينة إلى جانب قوات الأمن الكردي "الأسايش"، ليتوقف زحف التنظيم نحو المدينة بعد سيطرته على قضاء الحويجة والنواحي التابعة له، جنوب غربي كركوك.

يقول الباحث والمحلل الأمني الكردي شوان الكاكائي، إن "البيشمركة والأسايش يحسب لهم الحفاظ على منشآت النفط ومدينة كركوك ومحيطها، فلو سقطت بيد داعش لدمرت، شأنها شأن بيجي والقيارة عندما أحرق آبار النفط وسرق المصافي، وهو ما كان سيسبب كارثة اقتصادية للعراق لن يتعافى بعدها لسنوات".

يضيف الكاكائي، أن "كركوك كانت بوابة كردستان مثل ما هي الموصل، وفي حال سقطت كان الإقليم سيكون محاصرًا من كل الجهات، وأربيل في خطر محدق، وهو الأمر الإيجابي حينها لسيطرة القوات الكردية، على المحافظة". لكن اتهامات من أطراف متعددوة توجه للكرد باستغلال نشاط "داعش" في عام 2014، للسيطرة على الأراضي والمنشآت النفطية وتنفيذ عمليات "قتل وتهجير" لسكان قرى عربية، كما يتهم بالتخلي عن سنجار وترك الإيزيديين فريسة سهلة للتنظيم الإرهابي المتشدد والذي ارتكب بحقهم إحدى أفظع الجرائم ضد الإنسانية.

يتهم الكرد باستغلال فترة نشاط "داعش" للسيطرة على الأراضي والمنشآت النفطية وتهريب النفط لصالح أربيل، كما توجه إليهم اتهامات بالتخلي عن الإيزيديين في سنجار

استمر الحال على ماهو عليه، حتى تشرين الأول/أكتوبر 2017، حينما أجبرت القوات الاتحادية، القوات الكردية على الانسخاب نحو أربيل والسليمانية في إقليم كردستان، وسيطر حينها الجيش وقوات مكافحة الإرهاب على كركوك.

ولا تزال المحافظة منذ ذلك الحين تخضع لسلطة اتحادية كاملة، وتم تكليف محافظ عربي، راكان الجبوري، بدل الكردي نجم الدين كريم الذي أقحم المحافظة في استفتاء انفصال كردستان دون موافقة الحكومة، وشارك بالتحريض وحمل السلاح ضد القوات الاتحادية، فيما لا يزال مجلس المحافظة معطلًا لعدم حضور الكرد، منذ ذلك الحين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما معنى إعادة نشر 1000 عنصر من البيشمركة في كركوك؟

رقصة كركوك مع الموت.. مدينة التنوع العراقي على حافة العنف المزمن