من أولى عمليات اللف والدوران بين الناخب والمرشح للانتخابات هي طريقة تقديم الأخير لنفسه وقبول الأول به. هذا التخادم وهذه الزبائنية إن صح القول هي نتاج تلك الأعوام التي مضت منذ الاحتلال الأمريكي ولغاية الآن. هي تشويه حقيقي لدور النائب في البرلمان، وهذا مرجعه عدم قدرة النائب على القيام بواجباته بشكلها الصحيح، لكن الآن يبدو وكأنها أصبحت عرفًا سياسيًا لا يمكن تجاوزه، وقبل كل هذا، فنحن إلى الآن لم نغادر بعد الانتخاب على أساس الطائفة والعشيرة حتى.
المواطن/الناخب يفهم أو يريد من المرشح أن يعمل على تصليح "محوّلة" الكهرباء، وأن يعمل جهده من أجل إدخال هذه المحلة أو تلك ضمن حملة الإكساء والتبليط، وانطلاقًا من مقولة "عصفورٌ في اليد" فهذا الناخب لا تعنيه التشريعات أو مراقبة الأداء التي هي من صلب عمل البرلمانات في العالم، كما لا يعنيه توجه هذه الكتلة أو المرشح إلى القضايا أو المتبنيات، بل هو يُعنى بالمكاسب المباشرة، فالتبليط والكهرباء ومعالجة طفح المجاري، وحتى الـ"الكارت أبو العشرة" هي عنده أهم من أن تضغط كتلة هذا المرشح وتعمل من أجل ضمان توفير الطاقة الكهربائية له، باعتبارها حقه الدستوري بالعيش الكريم، أو على الأقل أن تحاسب المقصّر بعيدًا عن الحملات التي ترتفع بين الفترة والأخرى لتسقيط هذا الوزير أو ذاك.
أيام كنا تلاميذًا في المرحلة الابتدائية جرت العادة على الاحتفال بعيد الطالب، هذا العيد كان يومًا بلا حصص دراسية، والأهم عند الطلاب وقتها، هو ما يقدمه المعلم مرشد الشعبة لطلابه كهدية بالمناسبة. في مدرستنا كان هناك معلمًا يعمل فلاحًا بعد الدوام الرسمي في بستان لعائلةٍ ما، المعلم هذا كان أبًا لكثير من الطلاب، يتفقد المريض منهم، يتابع بشكل يومي مستواهم الدراسي وينسق مع بعض المعلمين ويرتب لهم الدروس الإضافية المجانية قبل الدوام أو بعده في سبيل تقوية الطلاب والنهوض بمستواهم، هذا المعلم ـ رحمه الله - كان طلاب شعبته لا يتقبلون هديته البسيطة، وبسبب وضعه المادي الضعيف، فقد كانت هديته عبارة عن طبق من الفواكه الطازجة، يتناسون ما يقدمه على مدار العام. يبدو أننا ومنذ زمن طويل ونحن نبحث عن ذلك العصفور الذي يسلم لنا في اليد!
اقرأ/ي أيضًا: