17-سبتمبر-2021

لعبة تحدث بشروط تعكس ميزان القوى (فيسبوك)

لا يرتبط إجراء الانتخابات بالتزام عميق بالدستور، فقد تم خرق الدستور عشرات المرات في السنوات الماضية. وليس له علاقة وثيقة بإيمان راسخ بالديمقراطية، فمعظم القوى الرئيسية هي قوى غير ديمقراطية ويقوم بنائها الأيديولوجي على مقولات وتصورات بعضها سابق لمقولة حديثة مثل الديمقراطية. 

 الانتخابات في العراق لعبة تحدث بشروط تعكس ميزان القوى وليس وفق تمنيات اللاعبين الصغار

إن السبب الرئيسي (وليس الوحيد قطعًا) هو "توازن القوى". ليس هنالك بين الأقطاب الرئيسية من يمكنه الهيمنة بشكل منفرد على المسرح السياسي وفرض إرادته، وبالتالي تجاوز الانتخابات أو تحويلها إلى ممارسة رمزية على طريقة الديكتاتوريات التقليدية ذات القطب الواحد. ولذلك، فأن التحليل العقلاني مهم هنا، فأي من القوى الموجودة تخشى من محاولة فرض هيمنتها بالقوة بسبب رد الفعل المحتمل من القوى الأخرى، وبالتالي هنالك شعور بأن تكلفة "انقلابها" هي أعلى من تكلفة القبول بتقاسم السلطة والموارد مع بقية القوى.

اقرأ/ي أيضًا: دون حق في اختيار الحكومة.. ماذا يعني وجود مئات المرشحين "المستقلين"؟

وبنفس الوقت، فأن كل واحدة من هذه القوى تتأهب لاحتمال أن تقوم قوة أخرى بـ"الانقلاب"، ولذلك، فأنها تحتفظ بجنودها وأسلحتها للحظة الحرب المحتملة، وهو ما يخلق ردع كافي يدفع جميع الأطراف إلى قبول "الانتخابات". ستنتهي معادلة الردع هذه لحظة حصول اختلال أو تحول جذري في توازن القوى لصالح أحد الأطراف (ولذلك نظير في العلاقات الدولية، حيث ترى نظرية "تحول ميزان القوى" أن الحرب أكثر احتمالًا ليس عندما يكون الطرفين المتنافسين متكافئين، بل عندما يحصل اختلال في ميزان القوى بسبب تغيير داخلي أو إقليمي كبير يضعف أحد الطرفين).

بالنتيجة، يجب أن نفهم الديمقراطية – خصوصًا في مراحل ترسخهاـ وقبل أن تتحول إلى ثقافة سياسية (وهو ما لم يحصل وقد لا يحصل في العراق)، على أنها نتاج لتوازنات القوى وطريق لتجنب الحرب، وليست تعبيرًا عن النوايا الطيبة وعن رغبة أصيلة باستنطاق "إرادة الشعب" (وكلمة الشعب نفسها ليست أكثر من وهم رومانسي لوصف مجتمع فيه شرائح متعددة ومتنافسة وأحيانًا تكره بعضها البعض).

إذن، حينما تكون الانتخابات هي اللعبة الوحيدة المقبولة و"الممكنة"، وهي لعبة تحدث بشروط تعكس ميزان القوى وليس وفق تمنيات اللاعبين الصغار، تصبح أهميتها ليس في أنها مدخل إلى تغيير "جذري" لا يمكن أن يحدث، بل في أنها الطريق الممكن لمنع الحرب الداخلية أولًا، ولمحاولة العمل على تعديل ميزان القوى بشكل نسبي لصالح الطرف الأقرب لمزاجنا/مصالحنا، ثانيًا.

 

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الانتخابات والتوقعات.. هل تكتمل خيبة الأمل؟

تنظيمات ما بعد تشرين: من المقاطعة إلى الممارسة