09-سبتمبر-2021

يُمكن وصف الانتخابات بالمفصلية ليس للوضع الإقليمي والدولي والسياسي المحلي (فيسبوك)

كان شطر كبير من العراقيين يتوقون لتغيير في زمن النظام السابق داعين للتخلص من حكم صدام حسين وحزب البعث آملين بحياة وردية سيجلبها التغيير خصوصًا وأن أداته هي الولايات المتحدة الأمريكية؛ أكبر دولة في العالم وصاحبة الاقتصاد القوي والتكنولوجيا المتقدمة التي ستعيد إعمار العراق كما أملوا.

الإعلان عن المقاطعة بهذا الحجم دليل على عدم الثقة بالتغيير عبر صناديق الاقتراع في العراق

لكن الحقيقة كانت مُرّة. لم يمضِ وقت طويل على سقوط التمثال في ساحة الفردوس وما صاحبه من فرحة للمظلومين والفقراء حتى صحى العراقيون على دوي انفجارات واغتيالات واقتتال في الشوارع وتردي الخدمات كالكهرباء والبنزين والماء، وانهيار الصحة والتعليم، وحروب متتالية واستنزاف للطاقات والأعمار والثروات، ولا صوت يعلو على صوت الفساد والدماء. إن أسوأ ما رافق الحقيقة التي رآها العراقيون ليست الكوارث فحسب بل توقعاتهم المسبقة المتفائلة.

                                                    قناتنا على تلغرام.. تغطيات مُحايدة بأقلام حرّة

في عام 2015 عاد المحتجون إلى ساحات التظاهر بعد تجربة مؤلمة في 2011. ومع تشظي الناشطين المستقلين والصراعات على تصدّر المشهد ودخول قوى حزبية وميليشيات على خط الساحات سارع التيار الصدري للدخول هو الآخر وهيمن بثقله على التظاهرات لسنوات.

مع تغيير خطاب التيار الصدري وحقنه بشعارات مدنية وديمقراطية وليبرالية عميقة، ومبادرته لإقالة وزرائه ومحاسبة بعض الشخصيات في إطار شعار الإصلاح الذي رفعه، انقسم الناس إلى أقسام عدّة: منهم من تفاءل وعوّل. منهم من تفاءل بحذر. منهم من شكك مع التسليم بالمتغيرات. منهم من رفض رفضًا قاطعًا منذ البداية. وما عدا القسم الأخير وأتباع الأحزاب الأخرى كانت هناك حالة من الأمل تختلف نسبتها بحسب مقدار الثقة بتحركات التيار من قبل الجماهير المستقلة، وبالتالي انعكست تلك الحالة على توقعاتهم لانتخابات 2018 ودور تحالف السائرون الذي تشكل من الصدريين والمدنيين والشيوعيين وشخصيات أكاديمية وعسكرية، رغم المقاطعة الكبيرة. كان هناك صوت يقول: دعنا نرى ماذا سيفعل هذا التحالف الجديد.

اقرأ/ي أيضًا: النظام العراقي: المزيد من النفخ في القربة المخرومة

 جاء الواقع مُرًا من جديد: لم يستبسل سائرون لتشكيل الحكومة رغم تشكيل تكتل الإصلاح مع العبادي والحكيم، كما لم يتخذ خيار المعارضة التي تحفظ شيئًا من قيمة الاحتجاجات وشعار الإصلاح الذي رفعه طيلة السنوات السابقة؛ بل هرول للتحالف مع قوى لديها مشكلات كبيرة مع المحتجين والمدنيين والتواقين للتغيير، تمتلك أجنحة مسلحة تتصادم - إعلاميًا على الأقل - مع أية تظاهرات حتى لو كانت صدرية.

خيبةُ أملٍ جديدة ومزيد من الإحباط أصابا الشارع العراقي الناقم غير المناصر للأحزاب مع وصول عادل عبد المهدي وتقاسم الوزارات علنًا حتى انتهى الحال بقمع تظاهرات شبابية ليست بالغريبة بطرقٍ وحشية لتتحول إلى انتفاضة واعتصامات لأشهر أسقطت الحكومة وانتهت بالسيناريو المعروف.

كانت التوقعات ومنها الحذرة والمشككة أحد أسباب اندلاع الاحتجاجات. يتحدث أرسطو عن أسباب اندلاع الثورات بوضع معادلة تجمع النظام وتوقعات الناس أزاء هذا النظام، ويقول إن الثورة ستندلع حين لا يتلاءم الإثنان بعضهما بعضًا. ومن جديد، ارتفعت توقعات الناس حين اندلعت انتفاضة تشرين إلى سقف بلا حد حتى هبطت بوصول حكومة مصطفى الكاظمي عندما جرّها الواقع إلى تغيير شخوص وقانون ومفوضية فحسب دون تغيير شامل على شاكلة الثورات الجذرية.

جمع الكاظمي كل آمال المتظاهرين التي باتت تتحطم على مذبح الاغتيالات الجسدية والمعنوية التي تعرضوا لها بعد انتهاء الاحتجاجات ناهيك عن الأداء السياسي السيئ واستقواء الميليشيات واستمرار الفساد وانتهاك سيادة الدولة وتردي الأوضاع الاقتصادية وازدياد البطالة، جمع كل ذلك ووضعه في ملف الانتخابات. لقد كان جزء من الناس - والصحفيين والناشطين - يتوقعون تحركًا ما من الكاظمي اتجاه الميليشيات خصوصًا مع الدعاية المضادة التي انطلقت ضده؛ وشيءٌ من ذلك لم يحدث.

الآن، لا نقول إن الناس تعقد الأمل على الانتخابات المقبلة أو تتوقع منها خيرًا، فالإعلان عن المقاطعة بهذا الحجم دليل على عدم الثقة بالتغيير عبر صناديق الاقتراع؛ لكن إلحاح الكاظمي على الانتخابات ومن خلفه المجتمع الدولي متمثلًا بالدول الكبيرة والمبعوثة الأممية وتحركاتها المستمرة، يخلق جوَّا عامًّا لنطلق عليه "انتظار الوعود"، ذلك أن الحكومة المتشكلة عقب الاحتجاجات وذات الخطاب المرن مع المحتجين ستشكل جزءًا من حالة الانتظار، فهي "المساهم الرئيس في صوغ توقعات الناس من نصيبهم في الحكم" كما يقول الدكتور عزمي بشارة عن النظام.

استكمالًا لحالة التعويل التي يُريد الكاظمي إعلاميًا زرعها في نفوس الناس، تَحدّث مؤخرًا بطريقة لا تبدو طبيعية في سياقها خلال لقائه مع جرحى من المتظاهرين عن الانتخابات بأنها "ستأتي بحكومة تتمتع بالمسؤولية اتجاه المواطنين وبأدوات وآليات لتذليل العقبات أمامكم"، وعلينا ألّا ننسى بأن رئيس الحكومة الحالي لم يرشح للانتخابات. وبغض النظر عن التفسيرات السياسية وإذا ما كان واثقًا من استمراره لولاية ثانية أو خلافه، فهؤلاء الجرحى ومن خلفهم يستاءلون عن مصدر الثقة التي يتحدث بها الكاظمي عن الحكومة المقبلة، وفي الوقت ذاته تدفعهم مثل تلك التصريحات أكثر فأكثر إلى حالة "انتظار الوعود" التي ذكرناها.

وفق التتبع المختصر للأحداث السابقة، والمعطيات الحالية، يُمكن وصف الانتخابات بالمفصلية ليس للوضع الإقليمي والدولي والسياسي المحلي المتشابك فحسب، بل لناحية إظهار نتائج احتجاجات تشرين عينيًا وإسدال الستار على هذا الفصل التاريخي.

ختامُ الاحتجاجات سيُلصق بلصيقةٍ تحمل نتائج الانتخابات وما ستؤول إليه الأوضاع بعدها مباشرةً

في الوعي واللا وعي: ختامُ الاحتجاجات سيُلصق بلصيقةٍ تحمل نتائج الانتخابات وما ستؤول إليه الأوضاع بعدها مباشرةً، وستكون مقارنة النتائج بالتوقعات المسألة الحاسمة في ردة فعل الشارع التي لا نتصوُّرها هادئة إذا ما "اكتملت خيبة الأمل".

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الحرب الأهلية في العراق.. شروط الاحتمال قائمة

أحزاب "عملية" وجماهير عقائدية