16-مايو-2020

تعتقد الأطراف الخارجية المتصارعة في العراق بضرورة التهدئة بالوقت الحالي (Getty)

ألترا عراق ـ فريق التحرير

بدا اختيار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي غريبًا، بعد سلسلة اتهامات وجهتها له كتل وأحزاب مقربة من إيران، حيث اتُهم بتسهيل اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، فضلًا عن اتهامه بالوقوف خلف مؤامرة تستهدف النظام بالتعاون مع أمريكا، بينما ذات القوى سارعت إلى تبني تكليفه واشتركت بـ"مفاوضات المحاصصة" التي أنتجتها.

التغيير في مواقف القوى المتشددة من الكاظمي، لم يكن داخليًا بقدر ما خضع لرغبة دولية

إزاء تغيير موقف تلك القوى يثار السؤال عن المعادلة التي أنتجته، خاصة وأن المهام المطلوبة من الكاظمي تستهدف وجودها وتؤثر بقوتها، حيث يتبنى حصر السلاح بيد الدولة، ومحاربة الفساد والسيطرة على تهريب النفط وعمليات غسيل الأموال.

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: تشكيل حكومة الكاظمي.. تحول فعلي أم تسوية عابرة؟

يذهب مهتمون بالشأن السياسي إلى فرضية هي أن "التغيير في مواقف القوى المتشددة من الكاظمي، لم يكن داخليًا بقدر ما خضع لرغبة دولية، نتيجة لتسوية بين اللاعبين الرئيسيين في البلاد، أمريكا وإيران، واحد من بنودها الموافقة على الكاظمي والتهدئة في ما يخص التصعيد ضده، ما يشي بفتح باب أوسع للحوار بين الخصمين".

صلح الحسن

سلسلة مواقف تعضد تلك الفرضية، أبرزها تغريدة مرشد الثورة الإيرانية، علي خامنئي، التي استذكر صلح الإمام الحسن بن علي مع خصمه وقتها معاوية، وذات الاستذكار كرره المرشد في عام 2013 تحت شعار "المرونة الشجاعة" الذي مهد للمفاوضات بين إيران وأمريكا.

خامنئي غرد على حسابه الفارسي على موقع "تويتر"، بمناسبة مولد الإمام حسن بن علي، وجاء في التغريدة التي أطلع عليها "ألترا عراق"، "أعتقد أن الإمام الحسن المجتبى هو أشجع شخص في تاريخ الإسلام. حيث استعد للتضحية بنفسه وباسمه بين أصحابه والمقربين منه، في سبيل المصلحة الحقيقية، فخضع للصلح، حتى يتمكن من صون الإسلام وحماية القرآن وتوجيه الأجيال القادمة في التاريخ في وقتها".

داخليًا، لم يتأخر كثيرًا تحالف الفتح المقرب من إيران في مخاطبة الولايات المتحدة بشكل علني، بشأن الدعم للبلاد وإثبات حسن النية، حيث طالب رئيس كتلة الفتح النيابية محمد الغبان، من الولايات المتحدة دعم العراق وعدم اعتبار تمرير الحكومة انتصارًا لها وخسارة لخصومها في البلاد والمنطقة.

وقال الغبان وهو ينتمي إلى منظمة بدر التي تعد من أكثر القوى الشيعية تجذرًا في الدولة العراقية في بيان أطلع عليه "ألترا عراق"، إنه "بعد أن تم تمرير حكومة الكاظمي في مجلس النواب، وحصولها على دعم دولي وإقليمي وداخلي كبير ندعو الولايات المتحدة ألا تعتبر تمرير الحكومة انتصارًا لها وخسارة لخصومها في العراق والمنطقة، بل أن القوى السياسية العراقية غلبت مصلحة العراق على جميع الحسابات الأخرى".

أضاف الغبان، "بالتالي فأن على واشنطن أن تبرهن على اهتمامها بالعراق بإعطائه أولوية في المساندة والدعم في هذا الظرف الحرج، وأن تؤكد للشعب العراقي جديتها في تقديم المساعدة له، وليس انحيازها لطرف سياسي عراقي ضد طرف آخر، فالموقف الأمريكي على المحك اليوم والعراقيون يراقبون من يقف معهم عمليًا ممن يكتفي بإطلاق المواقف والتصريحات".

خيارات "مريرة"

لكن المواقف الداخلية تبدو أنها غير منسجمة، حيث وصف القيادي في حركة عصائب أهل الحق، الجناح المسلح لكتلة "صادقون"، الخيارات الأخيرة بـ"المريرة"، مشبهًا موافقتهم بمن أكل "الميتة"، مستدركًا "لكنها ليست خيانة للمقاومة". 

وقال الطليباوي في بيان أطلع عليه "ألترا عراق"، إن "العملية السياسية مرت في الفترة الماضية بمخاضات عسيرة اضطرت بسببها القوى السياسية الممثلة لخيار المقاومة وجمهورها إلى تقديم التنازلات لتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الفئوية، الأمر الذي اضطرها إلى القبول على مضض بخيارات مريرة هي أشبه بأكل لحم الميتة".

وأضاف الطليباوي "وهنا تؤكد هذه القوى- وبضمنها حركة عصائب أهل الحق - بأن قبولها بتلك الخيارات لا يعني خيانتها لثوابتها القاضية بمقاومة الأمريكان المحتلين والتصدي لعملائهم الواهمين والحالمين بالتضييق على المقاومين وتصفية قضيتهم الوطنية المتمثلة بمقاومة المحتل وإخراجه مهزومًا من بلاد الرافدين فضلاً عن مواجهة صنيعته داعش"، مبينًا أن "قوى الحشد والمقاومة في الوقت الذي تعلن فيه تمسكها بالمصلحة الوطنية، فإنها تؤكد التزامها بنهج المقاومة وتعاهد القادة الشهداء وكل شهداء العراق والمقاومة بأنها ستبقى وفية لدمائهم الطاهرة، كما تعاهد جمهورها بأنها ستبقى معبرة عن إرادته ولن تخذل ثقته التي وضعها فيها". 

الدولة على حساب الثورة

يرى رئيس المجموعة المستقلة للبحوث منقذ داغر أن الكفة داخل إيران بدأت تميل إلى خيارات الدولة على حساب الثورة، وهذا جزء من صراع الحرس الثوري المقرب من المرشد الإيراني وبصلاحيات كبيرة، مبينًا أن "مجموعة من العوامل تظافرت لتراجع دور الحرس الثوري، أبرزها مقتل سيلماني، والضغط الاقتصادي على إيران فضلًا عن جائحة كورونا، دفعها إلى طلب قروض دولية، خاصة مع وجود تقارير تشير إلى انهيار الاقتصاد الإيراني نهاية العام الحالي".

يعتقد رئيس مركز التفكير السياسي بقناعة أمريكا وإيران بضرورة التهدئة على مستوى الداخل العراقي، ولذلك عملية إبعاد عبدالمهدي، جزء من رسائل طهران إلى واشنطن بحتمية التهدئة

يعتقد داغر خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، بـ"وجود اتفاق غير معلن وضمني على الكاظمي كرجل للمرحلة للعبور، بقبول إيران وليس تفضيلًا، ترجمه لقاؤه بقائد الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قآاني، كرسالة لتصفير المشاكل"، لافتًا إلى "تراجع الهجمات على السفارة الأمريكية والقواعد المتواجد فيها جنودهم، فضلاً عن التصعيد الإعلامي".

قناعات التهدئة

من جهته، يعتقد رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، بـ"قناعة أمريكا وإيران بضرورة التهدئة على مستوى الداخل العراقي، ولذلك عملية إبعاد رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، جزء من رسائل طهران إلى واشنطن، بحتمية التهدئة والعودة إلى خيارات التوازن"، مبينًا أن "الأجنحة السياسية لفصائل مسلحة وافقت على مضض، خاصة بوجود قوى أخرى منها تعتقد بضرورة رسم شكل جديد للعلاقة مع إيران".

اقرأ/ي أيضًا: الكاظمي وتصفير العدّاد.. مقاربات وملفات واحتمالات

أضاف الشمري خلال حديثه لـ"ألترا عراق"، أن "إيران تنظر لهذه المرحلة بشيء من التفاؤل بخصوص تخفيف العقوبات، والبدء بحوار مع أمريكا بشأن الملف النووي"، لافتًا إلى أن "الرد الأمريكي جاء سريعًا عبر تمديد استيراد العراق للغاز الإيراني لمدة 4 أشهر".

يتباين موقف الفصائل المسلحة بشأن الكاظمي من حيث الموافقة والرفض بحسب الشمري، والذي يقول إن "الرفض لم يتم التمسك به بشكل واضح، لكن للفصائل الرافضة مخاوف من تعرضها للضغط، وهي بحاجة لضمانات من الكاظمي على مستوى الداخل العراقي، باختلاف الأهداف والاتجاهات"، مبينًا أن "ملف الفصائل مرهون بالصفقة القادمة بين واشنطن وطهران، والأخيرة ستقوم بخيارات تكتيكية إذا ما عقدت مفاوضات بينهما، والأمر من الممكن أن يشمل دول أخرى، خاصة أن الظروف لا تسمح بمزيد من الاحتكاك".     

 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مواجهات حاسمة تنتظر الكاظمي.. أزمتان في المقدمة

لعبة صراع الخارج وبيادق الداخل.. شهادة براءة تشرين